بعض الأحيان تقول لنفسها إنها ربما تعيش في عالم آخر مواز لعالمها الحقيقي، تكون شخصا واثقا من نفسه وتكون على يقين ومطمئنة أنها وجدت العالم الموازي الملائم لها .
هناك قصصا لم يعشها أحد،لكنها قصص تنثر الجروح أينما كان وفي كل مكان،إنها جروح لم تخطر على بال أحد.
إنها كالرياح الباردة فوق الرؤوس ولن تذهب أبدا،لا يمكن محاربتها ومحاربة الصمت والفراغ الذي تتركه لكنها تتبعك أينما ذهبت.
حاولت وبحثت عن علاج لذلك،لكنها لم تجد.
هل الحب القوي يمكن أن يداوي تلك الجراح العميقة في داخلها؟
هل يمكن أن يدور بخلدها أنها يجب أن تذهب للبحث عن أسباب للعيش،في مقابل أسباب الموت؟
هل لأجل ذلك كانت تسبح في بحر الأمل ؟
إنها لا تحقد عليه من أجل كل الأكاذيب والخداع والخوف والإهمال والآلام والتعب.
التنازع داخل ذهنها يسبب لها كل هذا الغيظ والحنق والأوجاع التي تحسها.
تردد داخل نفسها (كان في إمكانك أن تطلب مني السماح،حتى الأوساخ والهراء يصعد فوق المياه ).
( حتى الأشرار يحلمون بالحب ).
(كم مرة رجوتك أن تطلب مني السماح ؟ لكنك كنت عنيدا، رعديدا،فنلت ما تستحقه.)
تشعر شعورا كريها بالوحدة ، وليس لديها شيئا لتقوله، ليس لديها الكلمات،وليس لديها الدموع لتذرفها.
نسيت،
نسيت الفراغ،
نسيت العدم .
نسيت الموت.
لم تعد تعرف إن كانت تريد أن تكون فعلا ما هي عليه حاليا؟
كثيرا ما تساءلت (هل كان من الممكن أن أكون أسوأ حالا؟أكثر شرا؟).
ماذا يمكن أن تظن تلك الفتاة الصغيرة التي كانت عليها بوضعها الحالي،تلك الفتاة التي كانت تقرأ الحكايات المرعبة،لكنها عندما كبرت الآن أصبحت تجسدها على أرض الواقع ؟
هل كان يمكن أن تكون أكثر نضجا وفرحة لو أنها كانت تقرأ كتبا سياسية مثلا ؟
تلك الفتاة التي نضجت حاليا أخذت تكتب قصصا دموية مفزعة وتطبقها حرفيا من بعد،وكأنها مهندسة ديكور،كل شيء يجب أن يكون ملائما متوازيا،منسجما،دقيقا وفي محله.
تلك الفتاة الصغيرة،إلى أي مدى ستندهش منها ومن مخططاتها الكاملة لارتكاب جرائمها الفظيعة؟
تلك الفتاة الصغيرة،كان كل همها متابعة دراستها من أجل العمل،لم يكن يطوف ببالها أنها لن تعرف كيف ستواجه رغباتها السادية في أن تصبح أما .
لم تكن تعرف أنها ستصبح مجرمة مع سبق الإصرار والترصد،وأنها ستتصيد ضحاياها لكي ترضي تلك الرغبة في أن يكون لها عالمها الموازي.
كانت تخاطب المرآة كلما وقع نظرها على صورتها هناك :
( من أنا ؟ من أنا في العمق ؟)
كل الحقائق اندثرت وذابت عندما غرزت سكينا حادا في صدر زوجها،وعندما اقتلعت عيني أخيها،وعندما رمت بجثة أختها إلى ذلك الجرف لم تستطع الشرطة ولا أي أحد إثبات أي شيء ضدها ولم تجد أي دليل على قيامها بتلك الجرائم.
فرحت من أجل ذلك،فهي أثبتت لنفسها أنها صنعت فعلا عالمها الخاص الموازي.
لم تكن تستطيع النظر إلى عيني والدها الذي كان يتهمها بنظراته بكل ما قامت به من أفعال إجرامية،دون أن يستطيع أن يجد ولو حجة واحدة ضدها.
كانت تتألم بغياب نفسها،التي تعذبها وكلمات والدها التي تلقي فيها رعبا وفزعا لا مثيل له:
ـ إلى متى ؟ هل يجب أن أقتلك لأرتاح ؟
وكان السؤال المستمر يدق دماغها :
( هل أصبحت لا شيء؟لا شيء،كما أشعر بذلك في كل مسام جسدي ؟
كيف لم يعد لدي أي إحساس بوجودي ؟
إنني بعيدة عن كل شيء،مبتعدة عن كل شيء.
الحياة ليست جميلة من بعيد،لكنني أبتعد عن كل شيء واختبئ في عالمي الموازي.
لا أنتظر شيئا،ربما فقط موتي.
ومرة أخرى،نفس الصباح ،
ومرة أخرى نفس الاستيقاظ .
وحيدة كل صباح في هذا الفراش،الذي رغم استيقاظي تماما إلا أنني مازلت أرى بعض أسناني التي تساقطت في حلمي والتي اختلطت ببعض أظافري..
مرة أخرى ..).