إنني اليوم تلك المرأة المنقسمة بين رعب أن يتغير كل شيء، ورعب أن يظل كل شيء على حاله إلى نهاية عمري.
من أجمل الأحلام إلى أكبر المخاوف،
هناك أشياء نحس بها قبل أن نعيشها
الروح والقلب يتهيآن لقدرهما
هناك ،
حيث العقل لا يقرر شيئا.
حاولت مرارا أن أقتل ذلك الخوف الكبير ، الفظيع ، الذي يطرحني أرضا ، لكنني ، هل دفنته جيدا ؟
أشعر أن روحي ترتعش من الفزع وبعيدة جدا عن جسدي ما لا أستوعبه حقا أن روحي وجسدي يقسمان ذاتي وكيف أن جسدي يحاول باستماتة النيل من روحي بينما روحي تضر بنفسها دون حاجة أن يفعل جسدي بها كل ذلك.
الجديد كان يصنع داخلي ، يتكون من الجديد القديم ، كل يوم في شأن ، لم يترك لي مجالا للاندثار والموت بل للنضال ، من أجل أن يبقى هناك أثر ما ..
بعد فترة طويلة من الصمت ومن سجن نفسه في غرفة مرسمه ، قال لي :(إنه يجدني غريبة ..وأنه يحبني اليوم لذلك ، لكن قد يكرهني غدا لنفس الأمر) .
فكرت وتأملت كلامه وواجهته :
ـــ لدي القيمة التي لا تعرفها ولن تتمكن أن تمنحها لي ..
ـــ لقد استأصلوا منك الحب وأفقدوك القدرة على التأريخ له.
تجاهل كلماتي وابتسم ،
أحب الناس الذين رغم العواصف والكوارث التي مرت بهم ، يعرفون كيف ينصتون ويبتسمون .
هذا العالم المرير ،العنيف والذي لا روح له ، يدمر شيئا فشيئا آخر حرية لنا في اتخاذ القرار بأنفسنا وسلوك الطريق الذي نريد أن نسلكه من تلقاء ذاتنا .
( أريد أن أكون الأرض لأحتضن خطواتك ..
أريد أن أكون الماء لأنزلق على جلدك الناعم ..
أريد أن أكون الهواء لتتطاير خصلات شعرك مع أمواجي ..
أريد أن أكون النار لأشتعل داخلك ..
وأريد أن أكون النور لأشع في عينيك ..) .
طافت بذهنها كل هذه الأفكار وهي تنظر إلى الفراغ ، بينما هو ينظر إليها وكأنها معجزة حقيقية .. مندهشا من كل تضحياتها من أجله ، كيف استطاعت أن تواجه الجميع لتقف إلى جانبه في الوقت الذي كان متهاويا إلى بئر بعيد القرار ، كيف فعلت ذلك ؟
اقترب منها وقال بهدوء :
ــ وهكذا، اليوم أيضا ، أشكر الكون كله الذي ربط مصيرك بطريقي ..
أنت هنا إلى جانبي ، وسأستمر في الحلم بك ، لا أحد يستطيع أن يمنعني .
أخذ يدها، وقال لها بفخر كبير :
ــ اتبعيني ، اليوم ستزول أكبر مخاوفك وستندثر ..صدقيني .
دخلا غرفة مرسمه ، أزاح ستارا عن لوحة كانت ما تزال في مكانها حيث كان يقوم برسمها ..
ــ إنها أنت ، صورتك
تراجعت إلى الخلف منبهرة :
ــ نعم إنها أنا ، لا أكاد أصدق عيني .. هل أنا بكل هذا الجمال ؟. يا للهول ..
استدرك قائلا :
ــ أجل .. إنها أنت ، كما عبرت عنك ألواني .. كل إنسانيتك طبعتها الألوان على هذه اللوحة .
يجب أن تعرفي أن موهبة البعض وفن البعض ليس كموهبة وفن البعض الآخر .. لا يهم ذلك ، المهم في هذا العالم الرديء الذي نعيش فيه وحيث هدف البعض هو تحويل الناس إلى آلات وأصنام وروبوات لا عقل لها ولا تفكير ، الأهم في كل ذلك أن الإبداع والخلق الفني يظل موجودا وحيا ، لأنه التعبير على إنسانية الإنسان ، روحه ، لو اندثرت فسنضيع ، وتضيع إنسانية الإنسان ..
كانت واقفة كالصنم ، وقد أخذتها تفسيراته .
تذكرت الرعب الذي تمكن منها عندما كان يغلق على نفسه في هذه الغرفة ، مبتعدا عنها ، وعن كل شيء ،وكيف كانت تنتابها أكبر المخاوف التي كادت تعصف بروحها .
نظرت إليه وكأنها تنظر إلى الشمس ، وقد راودتها فكرة أشع لها وجهها وهي تحتضنه كما تحتضن أم طفلها ( الحب ليس سوى كلمة إلى أن يمنحها أحد معنى ..).