عندما تهدي أحدا أزهارا أو ورودا فذلك أجمل فعل تقوم به وما ينتج عنه من أحاسيس جميلة ورقيقة تكون مؤثرة جدا وفي العمق .
أخالف رأي من يجزمون أن إهداء باقة ورد ليس إلا تعبير عن نفاق مخفي داخل النفوس ، فليس هناك أجمل من بهجة السير في الشارع وأنت محتضن باقة أزهار بيديك إلى صدرك برفق وأنت تخشى أن تلمسها أو أن تحتك بملابسك فتذبل حينا أو ينكسر عود إحداها .
تجلس على كرسي في حديقة ما ، وقد وضعت باقة الورود والأزهار تلك إلى جانبك ، تشعر بالفخر والفرح والرقة والبهجة ، أحاسيس مختلطة تظهر أطيافها على وجهك ودون أن تستطيع إخفاءها .
لا تتمكن من تفادي نظرات المارة إليك وإلى الباقة الملونة الجميلة المصفوفة بعناية ودقة إلى جانبك ، فتبادلهم النظرات اللامعة بالسرور والشغف ، وقد يبادلك أحدهم أو البعض منهم ابتسامة هادئة ورقيقة ، وكأنه يهنئك على شيء يعرف في قرار نفسه أنه خير وجمال .
أريد حقا أن أكون ذلك الشخص الوحيد ، المنفرد في تلك الحديقة مع باقة الأزهار الجذابة تلك ، والذي لا يعرف قصته أحد ، لدرجة أن هناك من يدفعه الفضول للجلوس على الكرسي المقابل له محاولا أن يتبادل معه بعض الكلمات ليستشف منها مناسبة باقة الأزهار .
ــ مساء الخير ، يقولها وعيناه تفضحان السؤال الذي سكنه وهو يومئ إلى الباقة .
الطرف الأول يجيب بلا مبالاة غير راغب في إشباع ما يعتمل من أسئلة في صدر هذا الغريب وهو يميل بنظراته نحو الباقة ويرد بصوت تستحوذ عليه رنة تجاهل :
ــ مساء الخير .
أحب ظلال الأشجار في تلك الحديقة وعلى طول الطريق ، أحب ضوء النصف الثاني من النهار .
أحب صوت أقدام الناس وهم يسيرون على الرصيف .
أحب ذلك النسيم الفاتر الذي يمر على وجهي فينعشني قليلا .
أحب الخطوات ، الكلمات ، الأجنحة ،
أحب الوقت ..
وقت اختيار الورود والأزهار ، وقت إهدائها ، وقت وضعها في المزهرية
أحب وقت تغيير الماء لكي لا تذبل تلك الورود والأزهار.
أحب وقت ذبولها ،
أحب هذا ..
أحب وقتها كله ، أحب رحلة باقة الورود والأزهار