
و نهاية الطلاينه في مصر .!.
مقالة طويلة حبتين لكن مسلية .!.
الصورة طابور من الطلاينة الأسري في شوارع القاهرة .. عام 1942 ..من ميدان باب الحديد ( رمسيس حاليا ) عبر شارع إبراهيم باشا ( الجمهورية حاليا ) والى المعتقل بالقلعة .
رغم أن الجالية الإيطالية فى مصر كانت تحظى دائماً بالاحترام والتقدير. فإن تعبيراً مثيراً للدهشة هو «طلاينه» مازال يستخدم بغرض الاستخفاف من شخص أو مجموعة أشخاص..!،.. دول عالم طلاينه..!
ويرجع سبب ظهور هذا التعبير إلى أنه في عام ١٩٤٢ وأثناء الحرب العالمية الثانية، كانت القوات الألمانية النازية ومعها الفيلق الأفريقي لقوات إيطاليا الفاشية في شمال أفريقيا والمتحالف معها، كانت تتقدم من جهة ليبيا لاحتلال مصر.
وقد أحرزت هذه القوات بعض الانتصارات في بداية المعارك، مما أشعل الحماس في صدور شباب الجالية الإيطالية فى مصر، فقاموا بتنظيم مظاهرات بالقاهرة، وهم يرتدون القمصان السوداء (رمز الحزب الفاشي الإيطالي)، ويهتفون (أفانتي موسوليني) أي (إلى الأمام يا موسوليني) .!.
وقد تملكهم الاعتقاد بأن قوات دول المحور (ألمانيا وإيطاليا) سوف تهزم قوات الحلفاء وتحتل مصر، وأن مصر سوف تصبح مستعمرة إيطالية .!.و سوف يصبحون أسياد البلد .!.
إلا أن تولى الجنرال البريطاني الداهية مونتجمري قيادة قوات الحلفاء، قلب موازين المعركة، وتمكن من هزيمة القوات الألمانية بقيادة الجنرال (رومل) والفيلق الأفريقي الإيطالي بقيادة الجنرال (جرازياني) فى معركة العلمين.. وسقط الآلاف من الايطاليين في الأسر ..
ملحوظة : الجنرال الإيطالي جرازياني ، قائد الفيلق الأفريقي ، والمهزوم هو و الجنرال روميل أمام الجنرال مونتجمري ، هو الذي اسر المجاهد الليبي عمر المختار ، وأعدمه .. قبل ذلك بعشر سنوات .. ، وقد تتأخر عدالة التاريخ قليلا .. ولكنها .. لابد أن تأتي>..
وعقب هذه المعركة، قامت القيادة البريطانية في مصر، بعرض مذل ومهين وبكل ما تعنيه هذه الكلمات للأسرى الإيطاليين في هذه المعركة، وبدأ الطابور من محطة مصر ، حيث احضر الأسري بالقطار من الإسكندرية ، وساروا في شارع الجمهورية ..في طريقه إلى معتقل القلعة .. ، وكان هؤلاء الأسرى البؤساء التعساء في حالة مزرية..! بينما يقتادهم إلى معتقلهم عدد قليل من الجنود البريطانيين، وهم في تمام القيافة العسكرية . أو (على سنجه عشرة) كما نقول في مصر!..وقد شاهد والدي ( رحمه الله ) هذا الطابور .. وحكى لي عنه ..!. وعندما عثرت على هذه الصورة .. توالت على ذهني الذكريات.!.
في الأربعينات من القرن الماضي ، لم تكن المعلومات متوفرة كما هي الآن ، وكان اغلبها متوفر من الاذاعة المصرية و الصحافة المحلية وعلى رأسها جريدة الأهرام ، ثم يتم انتشارها بالشفاهية من خلال تداول النقاشات بين ( لمؤخذة .. المثقفين .!. ) في المقاهي ، و الإذاعة .. وقد كانت قليلة الحيلة في ذلك الوقت .!. و لذلك انقسم المصريون إلى عدة فرق ، الفريق الأول الذي ترتبط مصالحه الشخصية بالاحتلال البريطاني ، وفريق أخر يري أن الفوهرر هتلر مع المانيا النازية هم المخلصين من الاحتلال البريطاني .!. وقد كانت هناك فعلا بعض المظاهرات في القاهرة .. تهتف إلى الأمام يا رومل ، وفريق أخر من أبناء الجالية ألايطاليه .. تطمع في أن تحل محل الانجليز .!. تقوم بالتظاهر و تهتف .. افانتي موسوليني .!. وبعضهم من الجيل الثاني أو الثالث .. من الايطاليين الذين استقروا في مصر .. منذ أيام حكم الأسرة العلوية في مصر . وفريق آخر من المصريين يهتف الجلاء التام أو الموت الزؤام .!.
وهذه الرؤية الضبابية للموقف .. هي التي نتج عنها هذه المواقف المتباينة.
ومعلوماتي عن هذه الأحداث مثل طابور الأسرى الايطاليين و مظاهرات المصريين .. إلى الأمام يا رومل .. و الايطاليين .. افانتي موسوليني .. تعتمد على ما سمعته من والدي ( رحمه الله ) و معارفه من أبناء جيله .. فقد عملوا في منطقة وسط القاهرة .. لمدة تزيد من ثلث قرن .!. وهي لا تتعارض على ما صادفني خلال قراءتي في الكتب التي تناولت هذه الفقرة من الزمن.
وهكذا كان هذا التصرف الأحمق لشباب الجالية الإيطالية في مصر والذين انجرفوا وراء أوهام الديكتاتور الجعجاع (بنيتو موسوليني)، سبباً في ظهور هذا التعبير الشعبي العجيب، فقد انتشرت موجة من الدهشة فى الشارع المصري وقتها. بقى (الطلاينه) دول.. همه.. اللي كانوا عايزين يحتلونا بدل الإنجليز..!
مهندس سامح فرج . مؤلف معجم فرج للعامية المصرية .