كل الحروف التي تعلمتها منك تقف لك إجلالا، وتحني الرؤوس لك تقديرا،وكل كلمة كتبتها بالطبشور على وجه السبورة،وعلى دفاتري وعلى صفحات ذاكرتي المكتنزة،تهديك ودا ووردا وحبا وعرفانا...وتهفو إليك بذكريات الطفولة الجميلة....وأنا في مقعدي الخشبي القديم يحضنني كجدة وفية...وكلماتك تشجيني،إلهاما،وعبرا،ودروسا،مازالت إلى اليوم نبراسي وبوصلتي نحو السبل الوارفة انقلها بكل إخلاص إلى الأجيال..هؤلاء الأطفال الذين وجدت فيهم طفولتي فأغرمت بهم وكان هذا الغرام دافعا لتظل طفولتي غرة صافية لم تهرم
ولم تشخ،ولم تكتئب ولم تنكسر..فمازالت إلى اليوم تستهويني زقزقة العصافير في أعشاشها..وما زلت ارقب برعم زهرة يتفتح ببطء ممتع..وتطر بني همسة موجة على شاطئ يحضن حبيبته الشمس وتلثم رمله بشفاه خيوطها الذهبية..ومازلت افرح للعطور على ريشة ملونة تسقط من جناح بلبل مهاجر..أكتب بها للربيع رسائل حب وترج أن يعود لموانئ الانتظار وسلاله مجملة بالورود والرياحين..وموكبه تسبقه سنفونية قد شدتها الاطيار وجحافل النحل..فطربت الأشجار فاخضرت سوقها من بعد سبات.ولانت الغصون فطرحت رياحين وثمرا.
وتمر الأجيال من ربيع لربيع من ضفاف الجهل إلى ضفة النور وكل ربيع أهديك حبا ووفاء سيدي والى روحك السلام يا معلمي.