حلق الغراب سام مراوغا الطائرات الورقية المتراقصة فرحا في سماء أرض الزيتون الصافية ، كان الهواء نقيا أكثر مما تتحمله رئتاه المتشبعتان برائحة الدم ودخان البارود، فحاول الانخفاض قليلا لكن ألوان الطائرات الزاهية أزعجت عين الغراب لأعور فقد تعودت على لون الدمار والخراب، هجم عليها بحقد وغل ليمزقها، لكن خيوطها الحريرية التفت حول عنقه وكادت تجهز عليه؛ تخبط مطولا برجليه ورفرف سريعا بجناحيه الكبيرتين حتى تمكن أخيرا من الإفلات والنجاة بحياته البائسة. حط وسط بساتين الزيتون الشامخة منذ الأزل على تلك السهول التي تسلب الألباب وتريح النفس حيث تستريح كل الأرواح الطاهرة استعدادا لرحلتها للارتقاء.
أخذ سام يحفر سريعا الأرض ثم ألقى بعض البذور وواراها بلمح البصر.
صاحت فيه عزة الزيتونة الأم بصوتها العميق الذي كاد يزلزل الأرض : ما لذي عاد بك أيها الغراب الشنيء الناكر للمعروف.
رد الغراب وهو يلملم جناحيه في وجل: أنا؟ ومتى خنت أو كذبت يا سيدتي ، ربما تقصدين طائرا آخر.
_ كف عن المراوغة أيها الأشر، أنسيت أن جذوري أعرق من تاريخ سلالتك كلها! أم أجعل كبيرة أشجار الصنوبر تفقأ عينك الأخرى كما فعلت بالأولى؟
_لا يا سيدتي لقت جئت مصلحا هذه المرة، انظري لقد غرست بضع بذور كي تزدهر المملكة أكثر، لن أسرق أو أخرب بعد الآن؛ لكن أطلب منك الإذن أن أزور هذه الشجيرات كي أطمأن على حالها بين الحين والحين فقد رق قلبي لها.
-_لا اصدقك لكن لا ضير سنرى ما ستحمله الأيام من أخبار.
طار الغراب في عجالة وعلى منقاره ابتسامة خبيثة.