استيقظ شاهقّا كمن أخذ نفس النجاة من الغرق للتو، تحسس رأسه بسرعة فوجده في مكانه؛ نظر يمنة ويسرة محاولًا استيعاب ماهية و المكان الذي هو فيه ،وماهي إلا عدة ثوان حتى ابتسم في سخف بعد أن أحس بوخزة خفيفة في دماغه
_ إنها غرفتي وهذا أنا! لماذا يحدث لي هذا كل صباح ؟
قام من سريره واتجه إلى الحمام في خدر ، اغتسل ثم قصد المطبخ ليعد الفطور ، كانت قدماه تقودانه ويداه تقومان بالعمل الروتيني وهو شبه مغيب؛ عقله لا يعيش اللحظة بل يحس أنه كائن منفصل إلى جزئين جسد حاضر وعقل في بعد آخر لكنه لازال يحس بردة فعل جسمه.
فتح الباب واتجه بشكل آلي إلى عمله ؛ في الطريق انتبه أن المارة لا يسلموا على بعضهم حتى وإن اصطدم أحدهم بالآخر عن غير قصد يكمل طريقه ولا يبالي ،نظر إلى الأشجار على طول الطريق ،تساءل: ترى أين ذهبت كل العصافير فرغم كل شيء إنه فصل الربيع؟
وصل إلى مكتبه، سجل الدخول مع طوابير الموظفين الذي أحس للحظة أن أغلبهم أجساد جوفاء بلا روح يسيرهم شيء خفي بوتيرة واحدة.
جلس إلى حاسوبه فسرقته أفكاره بعيدا وهاجمته التساؤلات: لِمَ أصبح الجميع متشابهين ، لِمَ الجو مضغوط وكئيب ، لِم هذه البلادة والثقل على نفسي ، لِم الكل منعزل وسط هذا الآكتظاظ الخانق، لما.....
هاجمه صداع شديد كاد يفتك به ، أغمض عينيه مطولا وحاول الاسترخاء...
دقت ساعة مغادرة العمل، حمل حقيبته وما تبقى من مشاحنات في عقله ومضى.
وصل إلى منزله، اتجه ليستلقي على سريره، أطلق العنان لأفكاره ، عاد يحلل ماهو حاصل في الحياة ، انتفض جالسا وقال: ربما كل هذه الغرابة لأننا صرنا مسيرين تماما بعد أن كان لنا بعض الخيار!
أمسك دماغه صارخا حين ومضت أحد عروقه بشدة وأخذ الوميض في التسارع حتى وقع مغشيا عليه؛ قام كالسائر في نومه، فتح الخزانة، استبدل رأسه ونام.





































