آخر الموثقات

  • يوم غريب في حياتي
  • المتحدثون عن الله ورسوله
  • قصة قصيرة/.المنتظر
  • قصتان قصيرتان جدا 
  • سأغير العالم
  • كيف تعلم أنك وقعت في الحب؟
  • التأجيل والتسويف
  • فأنا لا انسى
  • احترام التخصص
  • 2- البداية المتأخرة لرعاية الفنون والآداب
  • يعني إيه "الاحتواء"؟
  • يا عابرة..
  • رسائل خلف السحاب
  • صادقوا الرومانسيين
  • ربي عيالك ١٠
  • من بعدك، كلامي بقى شخابيط
  • إيران من الداخل بعد الحرب.. 
  • معضلة فهم الحرب على إيران
  • نصر سياسي ايراني
  • قصة قصيرة/ وصاية الظل
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة انجي مطاوع
  5. ما وراء الخلود - الكنتيسة - الجزء الخامس و الأخير

أخيرًا معًا

بدأ الحفل بموسيقى كلاسيكية تحرك في أثنائها العروسان حتى وصلا إلى كرسي العرش المصمم ليكون قِبلة يجلس عليها الاثنان وأمامهما رعيتهما من السادة الضيوف، اقتربت والدة «دار» وقدمت هديتها طقمًا من الماس خطف أبصار الحضور قبل «رونا»، ثم قدمت لوحيدها دبوسًا ماسيًّا ذا لون أرجواني ثبتته في الكرافت..

ثم بدأت الهدايا تنهال عليهما من الحضور، لتغمر السعادة وجه «رونا».. كلها هدايا تدل على مدى أهمية زوجها وسط عالم رجال الأعمال.

رغم كل هذا، لم ترَ «رونا» غير «دار»، وهو لم يرَ غيرها؛ كانت ليلة من ليالي الأحلام، أسطورية، كل ما فيها مبهر وساطع كما سطوع ألعاب الليزر المنتشرة في القاعة، راسمة صورًا لـ«رونا» و«دار»، رأت مدى براعة «الماروني»؛ كل شيء يسير وفق نظام وترتيب خاص جدًّا.

حضر رجال أعمال وسياسة من داخل المملكة وخارجها لتهنئة العروسين؛ فهي فرصة سنحت لهم للتعرف بـ«حيدَر باشا»، رجل الأعمال الشهير، فظهوره اجتماعيًّا وإعلاميًّا معدوم؛ لذا كان حفل الزفاف الفرصة الماسية للجميع للتعرف عليه عن قرب والتقرب منه.

لم يضايق الحضور إلا رجال الأمن؛ فهم يتسمون بجمود تصرفاتهم ونظراتهم الحادة، والصلابة.. كما استغربوا منعهم الدخول بالهواتف المحمولة ومرور رجال الأمن هؤلاء بين الطاولات للتأكُّد من تنفيذ هذا الأمر، بعد توصية من «حيدر» الذي كتب في كارت الدعوة ذلك؛ لأنه يريد حفل زواج تقليديًّا كما أمراء وملوك العالم قديمًا.. تقبَّلوا الأمر على مضض تاركين تركيزهم لكل ما حولهم من مظاهر البذخ ومراقبة والدة العريس ووالدة العروس وشقيقها المغازل لكل حسناء تمر من أمامه في الحفل بصورة واضحة، حتى إنه حاول مع «الماروني» لكنها لم تُعِره أي انتباه.

الجميع كان يحسد «حليمة» على ما وصلت إليه من شراكة ومصاهرة رجل أعمال بحجم «حيدَر باشا» لعلمهم ضخامة رأسماله وتوسع شركاته المستمر وتعدد أفرعها في مختلف أرجاء المعمورة؛ فالتراب بين كفيه يتحول إلى ماس وياقوت، وليس ذهبًا فقط.

استغرب الكثير عدم وجود كاميرات تصوير داخل القاعة، فأجاب «دار» من سأله بأنه يراها ليلة للذكرى وليس للتصوير، وتركهم وانصرف وهو يرى في عيونهم ويقرأ في أفكارهم عدم اقتناعهم بإجابته شديدة الرسمية.

استمر الحفل من الساعة الحادية عشرة مساءً حتى قرب الفجر، لينتهي في تمام الرابعة، وذلك لحضور الكثير من المطربين للتهنئة، وطلب المدعوون منهم أغاني معينة فلبوا الطلب للتقرب من العروسين، وإرضاء لمستمعيهم، كان حفلًا صاخبًا شديد الجمال، ليلة من ليالي العمر التي تستمر ذكراها للأبد.

وأخيرًا انتهت الليلة، انصرف الجميع، وودع هو و«رونا» «حليمة» و«لؤي» و«ميلي»، مخبرين إياهم أنهما سيسافران باكرًا، ولا داعي لمجيئهم غدًا لوداعهما، ستكون أول مرة تغيب «رونا» عنهم هكذا، لن يروا بعضهم إلا بعد مرور شهور من الآن؛ فبعد شهر العسل سيسافران معًا ليتابع هو أعماله في عدة دول قبل أن يعود مجددًا، تمنى لهم الجميع السعادة ثم انصرفوا.

* * *

صعدا إلى جناحهما الخاص، في الطريق حملها «دار» بين ذراعيه بعد أن خرج من مصعد الفندق، عانقته ليدخل جناحهما حاملًا إياها كما فرسان العصور الوسطى، كانت تبتسم بهدوء؛ فهو يفعل كل ما تحلم به وينفذ لها ما تتمناه دون أن تضطر لطلبه، أغلق الباب خلفه وأنزلها وهو يقبلها.

«دار»: هل تريدين عشاء خفيفًا وعصيرًا مُثلجًا لتشربيه؟

«رونا»: لا، لا أشعر بالجوع.

«دار»: إذًا أتريدين البقاء هنا، أم نطير لقصري لنمضي ليلتنا؟

«رونا»: كما تريد

«دار»: أيهما تفضلين؟ كلي لكِ.

«رونا»: لا أشعر بالراحة هنا، هناك سنكون بحريتنا أكثر.

«دار»: حسنًا.

اقترب منها مقبلًا شفتيها، وضمها بشدة إليه، لتغمض عينيها وتسبح في بحر من اللذة.

* * *

عندما انتهت القبلة ظلت تحت تأثيرها مغمضة عينيها لثوانٍ، وعندما فتحتهما وجدت أنهما داخل حجرتهما بقصره لا داخل الفندق.

«رونا»: ههههههههههه، كيف هذا؟ أعشق هذه الحركة، ستعلمني إياها لأتجول كما أشاء عندما أتحول مثلك؟

«دار»: نعم سأعلمك، هيا سأترككِ تبدلين ثيابك الآن، أم تريدين مني مساعدتك في شيء هنا؟ انتفضت وهي تجيبه: لا أريد مساعدتك، أستطيع التصرف.

«دار»: حسنًا، سأنتظر في الغرفة الأخرى ريثما تنتهين.

«رونا»: انتظر، فقط، فقط افتح لي سحَّاب الفستان.

«دار»: السحَّاب فقط؟!

«رونا»: نعم، السحَّاب فقط.

«دار»: لكِ هذا أيتها المغرية الشهية (قالها مبتسمًا بشدة).

اقترب منها وخلع لها التاج المثبَّت فيه الطرحة ورماهما بعيدًا، اقترب أكثر وقبَّل جبينها وهو يفتح سحَّاب الفستان بهدوء، خلعت هي الحذاء ليُحدث صوتًا خفيفًا إثر سقوطه أرضًا بعد أن حملها «دار» بعيدًا عن الفستان الواقع أيضًا أرضًا، قبَّل وجنتيها وشفتيها ووزع قبلات صغيرة خفيفة على عنقها وصدرها، ثم مرة أخرى قبَّل عنقها وهي مغمضة العينين، تستمتع بكل قبلة من شفتيه وكل لمسة من يديه لجسدها، ضمها بشدة إلى حضنه بإحدى يديه وبالأخرى أمسك عنقها، لتشعر بألم شديد فجأة..

كان «دار» قد اتخذ قراره بتحويلها الليلة، لكن لم يُرِد جَعْلَها تنتظر وتتوتَّر؛ لذا أخبرها أنَّه سيحوِّلها اليوم التالي، كي لا تنتظر وتفكر بالأمر بما ينغِّص عليها استمتاعها بحفلهما، فوقوع الأمر أخف وطأة من انتظاره.

تم الأمر، عضها وامتص بعضًا من دمائها، ثم حملها ووضعها في الفراش، سيتركها قليلًا لتتخلص من بواقي بشريتها حتى يستطيع أن يبدأ بعد قليل المرحلة الثانية، بأن يجعلها ترتشف قطرات من دمه، لكي تتحول إلى مصاصة دماء مثله، ابتسم بشدة وهو ينظر إليها نائمة كملاك بريء..

أخيرًا وجد إنسانة جديرة بأن تكون شريكة خلوده.


المشعوذة

بعد شهور..

دخل «دار» الغرفة مسرعًا متسائلًا:

«رونا»، أين كنتِ؟ أرعبتني!

لِمَ لا تجيبي؟ أين كنتِ الليلة الماضية؟!

«رونا»: ذهبت للتجول على شاطئ بحر إسبانيا بعد أن تركتك، هناك رأيت مشعوذة من غجر الصحراء، تتجول بين أصداف البحر وتتبختر، تُغني بصوت تفوح منه أنوثة ذاقت من خطوب الدنيا، ما قد سرق جمال المنظر، والجسد يبدو من رماده أنه يومًا قد كان خطيرًا ومثيرًا، زائغة العينين بين موجات البحر من أجل نزر يسير من خبر البشر من جن أحمر.

بين الفينة والأخرى تهبط لتلمس رمال البحر وتستخرج ودعه، تنظر فيها بتعمق ثم تتركها كما كانت، أو تنظر بتعمق أكبر وتوشوشها ثم تلقيها لماء البحر مودعة ببسمة ثغر منهك فتدهور رسمه.

اقتربت مني ونادت: يا صبية، دعكِ من كتابك هذا، ائتيني بمبلغ مُقدر، لأخبرك ما يرضي قلبك المحبط، ضحكت منها ثم سخرت منها قائلة: وما أدراكِ بقلبي وحاله؟ دعكِ أنتِ مني، اذهبي، ساءني منكِ سوء المنطق والمظهر، خاطبني عقلي، تلك المشعوذة لو تعلم أن قلبك ميت منذ شهور.

أخرجتني من صمتي بقولها: يا بُنية، علامَ تباهيكِ عليَّ؟! اصبري، إليكِ مني خبر معلوم المصدر، قررت المجازفة وسألتها: وممن جئتِني بخبرك يا عجوز؟!

ابتسمت ببساطة وأجابتني: تمزحين؟! لن أعاتبكِ فأنتِ معذورة، ودعات البحر أخبرتني عنكِ، ونسمات الريح قالت كثيرًا وكثيرًا، حتى تلك الرملات أفشت سرك عندي، ومياه البحر قالت أمورًا عجيبة عنكِ أنتِ وحبيبك، أوقفت تفاخرها بإشارة من يدي اليمنى لأجيبها: آه منك، تثيرين فضولي بكلماتك، حسنًا، هاكِ نقودك وقولي ما تريدين، أخرجي ما في جعبتكِ يا مجنونة.

صمتت قليلًا ثم أخبرتني؛ نجوم الكون تُنار من لهيب أشواق العشاق، تلمع كانعكاس تموُّج ضياء عيون الأحبة، ترتعش مع خفقات ودقات قلوب عذارى ونساء أمام مَن بحسنهن يتغنى، تقترب وتبتعد حسب درجة عشق سكن أفئدة وأرواح رجال ونساء، أوقفتها: ما لي أنا بهذا؟ أخبريني بشيء جديد..

تململت في حركاتها وأكملت: إياكِ واللعب بمشاعر وأحاسيس من أعلن حبك، من جاء بحلال الله لينال قربك، دعيه بسماء صفائك يعِش، ينهل من عطر أحاسيسك دون حساب، من شهد عبيرك يطعم، ولأسر عينيك يُطلق، اتركيه يفك قيود ضفائركِ، يدرس تضاريس جغرافيتك بتمهل، يختزن دفأك ليعوض برودة عاصرها أعوامًا في غيابك، يختزل سنواتك بدقائق حب.

«دار»: تعتقد أنكِ تلعبين بمشاعري، آه منكِ، لم أكن أعلم، وبماذا أجبتِها؟! (قالها ضاحكًا).

- نعم لذا صرخت فيها: تدعين، فمن أعرفه لا ألعب معه أي ألعاب، هو يراني حبًّا كما بقعة عليه إزالتها من شوائب أفكاره، حبًّا عليه معالجة أثر إحساسه المتراكم بي داخله، نارًا تُشعل أجزاءه عليه إزالتها بكلمات وأفعال تنهي وجودي بحياته، بقعة حبر لوَّثت خطًّا رسمه ليسير عليه بهدوء، حبًّا كالبقع هو عشق زائل بقضاء ليلة صاخبة، حبًّا شريكاه رجل وامرأة بلا قيود أو دليل إرشاد، حبًّا متعمدًا لإرضاء غرائز أنثى وذكر ببحر ملذات جسد فانٍ، ويفكر في حل رباط جمعنا بحلال الله.

أتعلم؟ أجابتني بصلف: أعتقد أنك ظلمتِ حبيبك، أصدرتِ حكمك عليه وصادرتِ على أفعاله!! أحقًّا تحبينه؟!

حاولت إفهامها أنني أحبك وتحبني، وشرحت لها أن بيننا الكون عذول، معك تبدأ حياتي، وفي حبك أجيد فن الهرب، فلحبك سراديب مخفية استيقظت يومًا لأجد أحدها خلفي بقلعة الأحلام، آه يا من أحبك، بهمساتك تضيع اتجاهاتي، وبهمسك تنطلق آهاتي وأناتي.

ضحكت مازحة: تبدين خطيرة ومثيرة فتاتي، هي الغيرة وليس الحب من يجعلنا نعيث إرهابًا خلف الحبيب بأنظمة الأنثى العاشقة؛ فالحب بريء من أنانيتنا في امتلاك الحبيب، وبالتأكيد أثرتِ غيرته وخنقتِه بـ«كيف تفعل وتقول؟ لماذا ذهبت أو جئت؟ ومتى ستأتي وتعود؟»..

أخرستها بكلماتي: ظلمتِني يا عجوز، أنا كائن مسالم، أخاف وأرتعب من الخطر، وعشقه عن جد خطير، هو متهور متطرف يعشق الانطلاق والسهر دون حذر، التصرف دون حساب للغير، وكأني دون أهل أو عزوة، لا يُدرك حجم مأساة تضرر أهلينا بأفعال صادرة منا تسيء وتنقص من قدرينا، ولعدم تنفيذي أوامره يتهمني بالبرود، لتصدمني بأسوأ إجابة قد تتخيلها: وهل أنتِ كذلك؟ يمكنني علاجك..

«دار»: هههههههه بماذا أجبتِها؟

ضربت جبينها بيدي، وأجبتها: يا عجوز يا مريبة، كيف أكون باردة وأنا قد تخليت بالأمس عن عقلانيتي معه، فأبت أن تعود إليَّ، تخليت عنها ليلًا وذهبت إليه أقدم عشقي فتركني أعاني حرائق شوقي إليه، نيران عشقه؟!

تركني أحلم به ومعه، من دون محاولة إشباعي بهواه، تركني لأستيقظ ملتحفة بحرارة أحضانه المفقودة، متدثرة بعباءة أنفاسه الغائبة، محاطة بآثار لمسات نظراته الخيالية، آه يا ربي، يا لمأساتي من دونه!

أعتقد أن ردي أعجبها وربما أثارها؛ فأجابت كما خبيرة في الحب: يا جريئة العينين، الحب عود كبريت، يُشعل العشق بالقلوب، يقتله التجمد والبرود، أو نظرة لوادي الموت تعود، صمت العيون، ثبات فم، وتيبس جسد وقت اللقاء، سلام جاف لتلك البلاد البعيدة، الاسكيمو، يعود يطفئ حرارة تشعل القلب بالجنون.

أغراني حديثها لأصارحها بما أشعر به، أكملت اعترافاتي لها قائلة: نعم أصبتِ فهو أخبرني أن هدوئي المغلف ببرود يذيب رغبة تطلب بهمس صارخ مني أن أعود، أخبره بأني موجودة لكنه يُنكر ويقول إنه يشعر في حضوري بغيابي، قال إن رغبته بعشقي تُناديني لِمَ أنا واقفة كعمود! لِمَ همسي بأذنه فحيح يثير الجمود!

يسألني: أين رقصنا بجنون الكوبرا؟ أين يختبئ التقاؤنا السابق بصرخات قدوم كالحمر من الهنود؟ تركني وذهب لأسأل بدوري:

لِمَ تركتني أتلاشى كفراشة تبللت، نالها الاحتراق بنيران جفائكَ معي؟ تركتني لأعيش دور المقتولة، في تابوتي استلقيت مغمضة أجفاني لأراكَ، أوقفت هبوب أنفاسي لأشتم رائحتكَ، أوقفت دقات القلب لأسمع دقات طبول غرامكَ لأجزائي، جمَّدت إحساسي لأستشعر لذة ضمكَ عشقي لدنياكَ.

ناديت عليه: هيا تعالَ أوقد شموع عينيك لتدفئني، ألهب شفتيَّ بلقائك، اغزُ مملكتي بعشقك، اروِ أنهاري بقربك، وازرع صحرائي بهواك، هيا تعالَ، قُل أُحبكِ لتضيع أبجديتي، قُل أعشقكِ لأتيه بدنياي، قُل أهواكِ لتذوب حريتي، قُل أنتظركِ لأنطلق بسجيتي، قُل كل ما تريد، المهم، أن تبقى وفيًّا لمحبتي، وتحتل لحظات صحوي ومنامي..

معك وفي عشقك، سأهبط للهاوية واعية، لأصعد عنان الجنة العالية، سأخطو واثقة بدروب الألم، دروب العذاب، فأنت جائزتي بالنهاية، سأحطم ذاتي لأمزجها بذاتك وأضيع بتجاويف أحاسيس سرمدية، سأكون أُضحية لمشعوذات الحب تُذبح بخناجر لذتك الماضية.

لكن حبيبي صدمني بقوله: أبعدتني حتى بتُّ بأحلامي أناديكِ، تعالي، يمكنكِ المجيء لغزو أحلامي، أمنحك تصريح عبور أسواري، وصكوك الغفران لآثامك قبل لقائي، لِمَ لا تأتين؟! يا الله، هل أضيعكِ قصدًا لأفوز بك حين غفلة من أفكارك؟! هل أفقدك بيدي لأستحق قربك حين غفلة من معتقداتك؟!

يا قاتلتي وحبيبة عمري، صدى صوتك بقلبي كعين الذئب يستبيح روحي، يغتال منطقي، يذبح عقلي، يتركني طاووسًا يختال في بحر حبك، أرتشف عشقك بتأنٍّ متلهف، كحبو طفل يسعى إلى احتضان أمه بموعد الإطعام، لكنكِ دومًا كنتِ عصية حتى في عالم الأحلام؛ لذا، ابتعدت.

أجبته يا مشعوذتي: يا مالك ليالي وخيالي، كيف هذا؟! أنت من لم يستوعب أفعالي!! هيا أبعد طيفك عن أحلامي ومنامي، فارق صحوي وأوهامي؛ فحضورك يسحبني معك لدنيا بسحب بيضاء، يسمعني موسيقى هادئة سارقة لأحاسيسي، تذوبني، تدوخني، تتركني أشلاء، تطويني كتابًا بيدك تقلب صفحاتي، تسلبني لُبِّي، تمنحني سعادة كوني أنثى، تحوِّلني لامرأة تنهل من بحر العشق، تمنحني صك الحرية بدنياك، تفتح خزائن أسراري، تبعثرني، وتجمعني بمفتاح غرامك لدقائق بحلال قربك يا رجل أسراري، فلِمَ الآن تعتذر وتودع مدعيًا واهيات الأسباب؟

بعد كل هذا أصر على عناده وقال: ما حدود جنونك؟! يا حبية قاسية، معكِ عليَّ الاختيار بين الرقي وارتقاء سلم الخيال والأحلام بمنظورك من الانطلاق بحساب، وبين الهبوط لهاوية الرغبات المنسية في عالمك مما يثيرني، أخبريني، أتريدينني وعالمي، أم تعشقين الجمود؟!

أجبته: آه لو تدرك سيدي الأثير مدى بساطة عالمي من دونك، افتقادي بهجة الحياة بغيابك، مُتعة قربك، حسرتي من مسافاتنا الفاصلة، معك فقط مالكي تعود لي الروح لأعيش الحياة؛ فقد صارت متعتي النوم بأحضانك، التدثر بنبرات صوتك، الحلم بصدى همساتك، إنعاشي بلمساتك، الدفء بأنفاسك.

لكنه أصر قائلًا: حبيبتي، اسمعيني، إهمالك نتيجته إهمال مني، والبرود في التعامل أيًّا ما كان مبرره في نظرك يزيد صقيع المشاعر بيننا، أما التكبر والاعتداد بنسب وأصل فيكبران فجوة العناد حولنا، أنانيتك وسَّعت اختلافنا في الحياة، صمتك وقت الكلام قتلني.

الفراق سبيلنا إذا لم تستوعبي مني هذه الكلمات، تعبت، وهذه هي آخر ما بيننا من مجادلات، فقرري: تريدين حبي والبقاء ببحر عشقي، أم تفضلين التعمق أكثر بعالمك المُشبع بعادات وقيم وتقاليد باليات؟! إليكِ القرار وأنا بالانتظار، لكن لا تتأخري، فلقد مللت معكِ الانتظار، أتعلمين يا هذه؟ تركته ذاهلة، فمن أختار؟! تعبت، أأختار حبي، أم عاداتي وما تربيت عليه لسنوات؟! جئت هنا لعلَّ البحر يمنحني القرار، يا مشعوذة الحكايات، وسارقة الكلمات، هل أجد لديكِ حلًّا لهذه المأساة؟

اسمعيني بنيتي.. الحل في كلمات حبيبك، بارككما الأهل ورب السماوات، فلِمَ تحولين حياتك لمأساة؟! لِمَ خوفك من قيل وقال وأهل وجيران وزملاء؟! هيا انطلقي في حياتك بحلال الله، هو زوجك وأنتِ حلاله، واجبك حبه وإسعاده، حقك نيل سعادتكِ أيضًا، ولا تبالي بأضغاث كلمات بشر يبغون تسلية بقيل وقال وشائعات صماء، نصيحتي إليكِ وحلِّي هو: «أحيي الحياة».

لا تُكفِّني عشقك، وتقتلي حبك، أسعدكِ الله برجلك يا امرأة تهوى عذاب النفس، وترسل الروح لشقاء دون داعٍ، حلِّي قيودك واسعدي بالحياة، فما خلقنا الله لنُقهر، بل لنعبده ونسعد.

«رونا»: كان هذا موعدي مع البحر ومشعوذة أهدتني الحياة لفترة وجيزة، ما رأيك؟ هل أجدت دوري كظالمة لحبيبها العاشق؟

«دار»: بالتأكيد؛ لذا عليَّ اتخاذ احتياطاتي كاملة مستقبلًا كي لا تخدعيني بتمثيلك، ممثلة بارعة (قالها ضاحكًا).

«رونا»: «دار»، أعلم أني قد خدعتها جيدًا، تخيل لو علمت أني مصاصة دماء هل كانت اقتربت مني لتحادثني ساعة كاملة؟! لو كانت مشعوذة حقًّا وتعلم الطالع ما اقتربت مني ولا جاءت إليَّ، تستحق ما فعلتُه معها..

«دار»: ما أستغربه حقًّا حبيبتي صبرك عليها، وعدم انقضاضك عليها!! بدأتِ تتحكمين في شهوتك.

«رونا»: فكرت باقتناصها، لكن استعذبت حديثها، وقُلت لنفسي: تبدو مسلية، قد أذهب إليها كلما شعرت بالضيق؛ لذا اخترت أن أدعها تنعم بالحياة قليلًا، من الممتع ملاعبة الفريسة أحيانًا قبل اقتناصها؛ فالأمر هكذا يبدو مثيرًا أكثر، عاجلًا أم آجلًا ستنال جزاء إزعاجها لي في أثناء القراءة.

«دار»: حبيبتي عاقلة، حتى في هذا الأمر فكرتِ بمصلحتك، أعتقد أنها سعيدة أيًّا ما كان الأمر بنجاتها.

* * *

بعد شهر سيمر عام على زواج «رونا» من «دار»، سيقيمان حفلًا كبيرًا يحضره جميع المعارف والأصدقاء، ذهبت «رونا» بقرون استشعارها لتعلم ما ينويه «دار»، لم يكن بالغرفة، فجلست تنتظره، تشعر بقربه، بالتأكيد هو آتٍ..

- «رونا»، ماذا تفعلين بغرفتي؟

- مختفٍ أنتَ منذ أيام، جئت لأعرف ماذا يحدث!

- لا شيء «رونا»، مجرد شعور بالملل يتملكني هذه الأيام..

- ملل! لِمَ الملل «دار»؟!

- «رونا»، لا تثيريني أكثر، ألا ترين؟! انظري جيدًا حولك!!

تلفتت حولها ثم نظرت إليه مستغربة، فأكمل قائلًا: ما هذا الملل؟! لا أعرف حتى بما أشاركك به اليوم من أفعال!! لا أعرف حتى ما أختار لأضيفه من أقوال!! أترين هذا الشبح المسمى مللًا؟ أتستشعرين وجوده وملمسه مثلي؟ آه، حتى إني أتذوق له مذاقًا كئيبًا مقيتًا!! أتوقع أن منظره بشع مثير للغثيان، مثل أعراضه الجانبية الظاهرة عليَّ، تبًّا لك، وأفٍّ أفٍّ لك يا هذا، ابتعد؛ فحتى كئوس مشروباتي لم تعد تجدي معك نفعًا!!

«رونا»، أهو الملل حقًّا، أم أن نرجسيتي هي الملول؟ لا، لا، متأكد أنه الملل، ليس غروري ونرجسيتي المختبئة خلف سطوتي ونفوذي، يا عقلي، الغوث! لقد نالني منه التعب والإرهاق.

- «دار»، ماذا بك؟! لِمَ كل هذا؟

- «رونا»، اتركيني لشأني، فلقد تعبت منكِ ومن أفعالك..

«رونا»: ماذاااا؟! أتحولت ضدي الآن؟!

- أخبريني، لِمَ كنتِ تذهبين إلى «جو» طيلة الأسبوع الماضي؟ هل بدأتِ تحنين سريعًا لمغامرة جديدة معه؟!

- الأمر هكذا إذًا! تتهمني بخيانتك!

- أتُنكرين الأمر «رونا»؟ لقد رأيتكِ بعينيَّ وتبعتك في كل مرة تتسللين إليه، لِمَ تذهبين إليه؟

- أتعرف «دار»؟ كثيرًا ما أسأل نفسي: ماذا لو لم نلتقي؟! أكنت؟ أكنا؟ أكان؟ ومتى؟ وكيف؟ وأين؟ بحر أسئلة شائكة معك حبيبي، تسرق نومي وتقلق راحتي، أقارن دومًا حالي سابقًا بالآن، لأكتشف مدى عشقي لكَ، لكنني أخاف..

أخاف أن تكون قد اعتدت على وجودي، ألا يكون ما بيننا حب، هل تحبني؟! لكن لا، لا تُجِب؛ فإجابة ما سألتك بالفعل أمامي، مارست لعبتي معك وكانت ثمارها عكس ما تخيلت، نتيجتها كانت اتهامك لقلبي بخيانتك..

ارتكنت على الحائط المقابل له، تضج ملامحها من الحزن..

- «رونا».. تعلمين مدى عشقي، لكن معكِ تتعطل كل حواسي، مثلك أنا خائف وأتساءل:

يا حبيبتي..

لِمَ الكثير من الأسئلة تحرقنا؟!

هل ضللنا، أم تم تضليلنا؟!

هل سحقنا بأحداث واقعنا..

أم أننا بضعف إرادة عشنا؟!

هل الطريق ضل منا..

أم نحن من ضعنا؟!

هل هرب الخيال منا..

أم نحن عنه تخلينا؟!

هل هو حب ما به شعرنا..

أم سراب عشنا به وتغنينا؟!

أكان حبًّا زائفًا ما تخيلنا..

أم حنانًا بالخطأ حبًّا توهمنا؟!

أكان وهمًا ما عنه تناجينا؟!

أكان، أكان، يا حبيبتي؟!

أنقذيني من شر ما له ذهبنا..

أخبريني بأنك لم تغضبي..

أنك ما زلتِ حبيبتي..

- «دار» حبيبي أنت كل ما لدي، آه نسيت أن أُخبرك، كنت أعلم أنك تتبعني، فلقد تعلمت اشتمام رائحتك وتمييزها حبيبي عن باقي ما حولي من روائح (قالتها بنظرة انتصار وفخر، وهي تنصرف ذاهبة إلى غرفتها تعلو وجهها ابتسامة لطيفة).

أجابها بصوت عالٍ: لا تعودي لفعل ذلك ثانية، لا تحاولي إثارة غيرتي بهذا الأسلوب ثانية، أحبك مشعوذتي المجنونة.

 

ذكرى زواج

أين «دار»؟ لِمَ اختفى من دون أن يُخبرني؟! يا لهذا البؤس، ما سبب الاختفاء مرة ثانية الآن؟

«رونا»: «إلياس»، أين «دار»؟ لم أرَه منذ الأمس!

- في القبو سيدتي، هل أذهب لأخبره أنكِ تريدينه؟

«رونا»: لا، سأذهب إليه.

«إلياس»: سيدتي، أيمكنني سؤالك عن هجوم الأمس؟

لِمَ يهاجموننا بعد كل هذه السنوات فجأة؟ هل فض الكونت الاتفاق المبرم بيننا؟! لِمَ شركاؤنا في الليل يستبيحون دماءنا؟ استغلوا غياب سيد «حيدَر» وهاجمونا!! ألسنا مثلهم بالأرض لنا الأغراض نفسها، أم لمجرد كوننا «مهجنين» وهم «أصل نوعنا» من دون أن نسيء لهم يؤذوننا، يقتلون عشيرتنا من إخوان السيد «حيدَر» من دون حتى ترك مجال لنُبدي التبرم من سوء فعلهم؟! بالتأكيد يعلمون أننا الأقوى وأنه تم تلافي عيوبهم بنا، نستطيع التعايش مع البشر بكل بساطة، ألم نعقد اتفاقية مع فصيلتهم المشتهية لدمارنا؟!

نظرت إليه «رونا» وهو يشتكي بحرقة، تُخبرها عيناه ما يعتمر عقله من أسى مستكين، لكن بمَ تجيب خادمها الأمين؟! منذ سنوات يعمل مع «دار»، ساعده الأيمن وخازن أسراره، والآن هو حاميها في غياب «دار»، رجل متفتح الذهن لكن يعيبه الجبن؛ لذا فقد استمر في خدمتهما كمجرد تابع ولم يحاول يومًا تحقيق هدف خاص به يرفعه إلى مصاف الطبقة العليا.

تركته وانصرفت لتتساءل بأفكارها:

هل أخبره بوجود طرف آخر مختفٍ يتلاعب بكل الأطراف ليظلوا متناحرين، لتحقيق مصلحة أكبر وفرض نفوذه، أننا قتلى أفكار سيطرة منهم تعيث في الأرض فسادًا منذ عصور التنين؟! يحرضون على قتل كل ضعيف لأسباب بعيدة عن أي صلة لشرع ودين، ها نحن ولمجرد رغبة بسيطة في تغيير بعض بنود الاتفاقات المبرمة، يهاجموننا ويرغبون في تقليم أظافرنا، هل علينا فرض السيطرة وإظهار القوة العنيفة ليخافونا؟!

هل أخبره أن الأعلى منا سلطة ينشرون البغضاء لتحقيق مأرب للسياسة صاحب وقرين، أنهم لتأجيج نيران العداوة بين الجموع يستغلون اختلافاتنا ويتبعون أسلوب «فرِّق تسُد» ليضمنوا من رعيتهم وتابعيهم الخضوع، أنهم يوهمون الجميع بأنهم من الجميع مهددون، أن على كل طرف قتل الآخر للخلاص من قلق السنين؟! يا للجحيم، ليدركني أي شخص، بمَ أخبره؟

* * *

يبدو قبوك كئيبًا الليلة «دار»، ألن تمنحني قُبلة ليتحول ليلنا جنة ونعيمًا في أحضانك؟ (قالتها وهي تتراقص أمامه بفستانها المشغول من الدانتيل الأحمر شديد الالتصاق بجسدها).

احتضنها «دار»: ألا تريدين شيئًا آخرَ بجوار الحضن والقُبلة؟!

- لا، سأكتفي الآن بفطوري هذا حبيبي (غمزت له غمزة أنثى عاشقة تتلهف للقاء عشيقها، وابتعدت عنه).

ضحك ولم يعقب، فهو يُدرك جيدًا أسلوبها عندما تريد مشاكسته وإثارته ثم تركه لتعاقبه قليلًا على أمر ضايقها منه..

- أتذكرين ما كتبتِ لي بمناسبة زواجنا منذ عام؟

- بالتأكيد حبيبي، لا داعي لتذكرها الآن كانت أيام البراءة من سفك الدماء، والتلذذ بامتصاصها.

- تجيدين إفساد أجمل اللحظات رومانسية بكلمة، شرقية أصيلة حبيبتي.

- ماذا سيفيدنا تذكر خاطرتي؟! أعتقد أن عليَّ نسيانها؛ فلقد تبدل حالي وابتعدت عن دربي القديم، انطلقت لعالم الخلود بكل ما فيه من نعم وآثام..

- دعكِ من هذا، تعالي هنا وأخبريني، هل جهزتِ كل شيء لاحتفال الغد؟

«رونا»: نعم بالتأكيد، كنت أريد مناقشة التفاصيل معكَ أمس لكنني لم أجدك، بحثت عنك بكل مكان، حتى إنني جئت لقبوك هذا وناديت عليك (وقامت بإحاطة فمها بيديها لتتحدث عبرهما بهدوء ووشوشة):

- أيها الكونت، أين أنت؟!

بحثت عنك طوال الليل، ظننتك في سُبات عميق!

تبدو تعيسًا ومرهقًا!!

ألم تستمتع بليلتك؟ هل صادفتك العراقيل؟

أوجدت بالانتظار أحد صائديك العنيدين؟!

أم أن الليلة كانت صاخبة، حد الاختفاء عن الأنظار؟!

أوه نَسِيت، يُتعبك ضوء النهار، ألهذا تبدو شديد الإرهاق؟! أخبرني الآن، اختفيت وبعدها هُوجمنا، انقضوا علينا بشراسة مستغلين غيابك، فأين كُنت؟!

«دار»: تدعين البراءة أنتِ، صحيح؟!

كانوا يطاردونني طوال الليل كونتيستي!!

يريدون إعدامي بوتد خشبي، غرزه بمنتصف قلبي، يريدون تقليم أظافري أو قطع رأسي لأنني أعلنت التمرد وأرغب بسلطة أعلى في منظمتنا التجارية.

أحيانًا الاختفاء أفضل وسيلة دفاع عن الهجوم المباشر؛ لذا فقد فضَّلت الاختفاء داخل تابوتي، في أعماق قلعتي، وبغياهب الغموض المحيط بقصرنا.

«رونا»: ماذا؟! هل فضلت الهرب بأحضان تابوتك؟!

يا مالك بوابات الجحيم والعذاب الأبدي!! هل اخترت الجُبن حلًّا سيدي الكونت؟! لم أكن أعتقد بك هذا، يا حسرة قلبي من هذا الخذلان، صدمني من سيدي الاستسلام!! أيا خيبة الأمل، وضياع الخيال السارح، فكل هذا كان مجرد أضغاث أحلام، قرر الكونت في النهاية الاستسلام في تابوت الأحلام.

«دار»: أين كنتِ أنتِ؟! بحثت عنكِ فأخبرني «إلياس» بأن الهجوم انتهى، حاولت إيجادكِ وبحثتُ في كل مكان لتُسانديني، فلم أجدك!! كعادتك لُذتِ بالفرار، أليس كذلك؟!

أغلقتِ قنوات تواصلنا العقلية بارتعابك هذا، لا تُجيبي مُسبقًا، أعرف الجواب، كيف أُغير عادتكِ تلك؟! كيف أُقنعكِ بالتصرف كما الملكات؟! كونتيستي، لا يليق بكِ الخوف من هؤلاء اللئام، هم كما شعبنا من الرعاع ونحنُ لهم سادة، ذوو دماء زرقاء!! فلا ترتعبي ممن أرسلوهم لنا من حشرات، ما هم إلا بعوض وصراصير بالأقدام تُدهس، نُصفي ما بهم من دماء بتلذذ ومتعة، نمارس مع أسيادهم الألعاب بمكر ودهاء، لنا الخلود، ولهم الفناء، نحنُ أصفياء صفوة مصاصي الدماء، وهم الكثرة الأغبياء..

- أنتَ فررت مثلي.

- عندما لم أجدك تملَّكَني الرعب عليكِ؛ لذا اختبأت لعلِّي أستطيع قراءة أفكارك في هدوء، لم أهرب نتيجة جبن، هناك فرق.

«رونا»: دعكَ من هذا، هيا، لدينا حفل صاخب شديد المجون غدًا، علينا الاستعداد له، كما أن حفل زفاف «ميلي» اليوم علينا الذهاب إليها للاحتفال معها.

* * *

أعتقد أني نادم مُنذ الآن على إقامة حفلنا غدًا، لم تعتادي بعدُ السيطرة على شهوتك للدماء، عليكِ فعليًّا التحكم والسيطرة عليها «رونا»، عليكِ تعلم انتقاء من تهاجمينه، لا تُهدري طاقتك على أي شخص كان، تعلمي مني الصبر والتحكم والسيطرة على..

لم تدعه «رونا» يُكمل وقالت له: حسنًا.. حسنًا، سأفعل بدءًا من، ومن خارج القبو سمع صوتها تُكمل: بعد الغد (مصحوب بضحكة مجلجلة كما لو كانت صادرة من عاهرة لعوب).

* * *

مر حفل الزفاف على خير حال، ولم يُثِر أي شيء شهية «رونا» لاقتناصه أكثر من المعتاد لتسيء التصرف؛ فمرت الليلة بسلام، فهي لا تريد إفساد ليلة صديقتها «ميلي»، خاصة أنها لا تعلم بتحول «رونا» لمصاصة دماء.

- «دار»، هل رأيت كم هي جميلة «ميلي» كما الأميرات؟ كانت شديدة السعادة لزواجها من «أمير»، فدومًا كان لديها اعتقاد أنهما لن يتزوجا لكثرة الخلافات بينهما، آه منك «ميلي»، كم أشتاق لأيامنا السابقة معًا..

- هيا «رونا»، أخبريني شعورك الآن عن زفافها، أعلم مدى عشقك متابعة هذه الاحتفالات، من تزين جيدًا؟ ماذا ارتدت هذه؟ ومن مع من؟ ومن يعشق تلك؟ ومن تخون زوجها مع من؟

ضحكت قائلة: يكفى أن أقول كانت أميرة الليلة..


الحفل

قبل الحفل بساعة، ذهب «دار» إلى «رونا» حيث تستعد للحفل، كانت ترتدي فستانًا أسود من الساتان؛ فهي تعشق هذه الخامة لنعومتها ورقتها، كان طويلًا للأرض مجسمًا عليها؛ لتبدو كما عروس البحر، لتظهر منطقة الصدر كمنار مضيء، عنه حدِّث ولا حرج، ما جعلها تبدو شهية كما «أفروديت».

شعرها المصبوغ باللون الأرجواني يغطي نصف ظهرها الظاهر من فتحة الفستان شديدة الاتساع، تركته منطلقًا كما أميرة إسبانية، والحذاء أسود لامع مزيَّن بقطع صغيرة حمراء اللون من الماس، والكعب عالٍ مزيَّن بقطع ناعمة مفضضة، اقترب منها ليُلبسها عقدها الماسي متعدد الطبقات، قائلًا:

- عليَّ القيام بسجنك الآن، عليَّ أن أحمي البشر من شر ثورتك الآتية (قالها ضاحكًا).

نظرت إليه بغضب:

- من أنت لتعاندني وتحاربني؟ خَف من جبروتي فأنت صنيعي!!

«دار»: لست صنيعك «رونا»؛ بل أنا من صنعكِ ويمكنني إنهاؤكِ.

«رونا»: تعبير مجازي حبيبي، لا تغضب، تعلم هذا يقينًا.. (ثم تركته لتباشر آخر تحضيرات الحفل).

* * *

ناوشته نفسه بما يُقلقه، يعلم علم اليقين أنها تعشقه، لكنها ما زالت تلومه أحيانًا، من دون إعلان صريح، على تحويلها إلى مصاصة دماء، فأول من تضرر كان والدتها وأخاها، قضت عليهما بعد أن فقدت السيطرة على شهوتها، يعلم أنها تنتقم لعلَّها تنسى وجهيهما الفزعين، بمهاجمة بشر آخرين، خاصة ممن يكنون مشاعر الكره لوالدتها سيدة الأعمال بعد ما وصلت إليه منذ صاهرت «حيدَر باشا».

- «رونا»، مليكة عمري، اغفري ولا ترجمي قلبي.

* * *

بدأ الاحتفال بأغنية صاخبة، بكلمات تدعو للمجون والضياع، استغربها الجميع، فقط «دار» علم أنها ستكون ليلة ليلاء، وعليه الاستعداد لحملة تطهير وتنظيف بالغد، بعد أن اتخذت «رونا» وضعية الاستعداد لممارسة مهامها كملكة لهذا العالم ومالكته.

يعلم أن ضعفها تحوَّل إلى قوة مضاعفة ورغبة في السيطرة، ستعوِّض كل لحظة ضعف عاشتها، ستفرض قوتها المستمدة من خصائص مصاصي الدماء لتحكم العالم.

لقد أصبحت ترى كل مَن حولها ضعفاء، حتى إنها اعتبرتهم قطيعًا يمدها بالغذاء المطلوب، ستقضي على الجميع، خاصة من يعارضها أو يعارض مصالحها في السيطرة على الجميع، لكنه جهز لها مفاجأة قوية ستغمرها بالسعادة.

* * *

نظرت «رونا» من الأعلى إلى حديقة قصرها بفخر حيث يُقام الحفل، هؤلاء البشر كلهم أتوا للاحتفال معها بِعيدِ زواجها، الاختيار صعب، مَن منهم سيكون وجبتها الشهية اليوم؟ عليها أن تُخلي الساحة لـ«دار» ليبدأ مشروعه الخيري ويستقطب الجميع حوله، سيحقق وجوده على أرض الواقع، وبعدها سيكون الوصول إلى كرسي السلطة أيسر، الآن عليها البدء بمنافسي أمها الأشرس ثم تقضي على ذويهم الأضعف، ستكون كما محمد علي باشا وستنفذ مذبحة القلعة بطريقتها هي..

- أمي، آه يا وجعي، لا أدري كيف فعلت ما فعلت بكِ أنتِ و«لؤي»، لكنه خطأ «دار».. نعم، هو المخطئ، كان عليه السيطرة أكثر على تصرفاتي، كان عليه منعي من الذهاب إليكما.

يعتقد الجميع أنكما قُتلتما قتلة بشعة من أعداء عملك، وحدي و«دار» من يُدرك أني مَن قتلتكما بضعفي، قُتلتما بمن لها نفس دمائكما.. أمي، أخي..

ما زلت أتذكر ملامح «لؤي» الهادئة، لم يعانِ انقضاضي عليه من الخلف، شُلَّت حركته، لم يستوعب ما حدث رغم نظرته المرعوبة وصرخته الضعيفة، تم الأمر سريعًا، لكن أنتِ..

آه منكِ أنتِ، نظرتك المرعوبة حينما ضبطتني أمتص دماء «لؤي» وهو ينتفض بين ذراعي، تيبسك أمامي وأنا أتقدم إليكِ تملؤني شهوة الدماء، سؤالك باستغراب: من أنتِ؟ أين ابنتي؟ ماذا فعلتِ بها؟ لِمَ تشبهين ابنتي هكذا؟

وقتها علمت أنه لا تفسير في الدنيا سيجعلك تفهمين ما حدث لي، كيف أُخبرك أنني أحببت مصاص دماء وقدمت نفسي وجبة شهية له ليلة عرسي؟ لذا فقد كان القرار الصعب، انقضضت عليكِ، ما زال صدى صرختك يدوِّي في أذني، لم أستوعب كل ما حدث إلا بعدما فرغت وهدأت نيران شهوتي، عندها لمحت «دار» واقفًا أمامي، يصرخ مكررًا سؤاله:

- ماذا فعلتِ؟ ماذا فعلتِ؟ أجيبيني «رونا»، ماذا فعلتِ؟ لقد حذرتك.

لم أعرف بماذا أجيبه، صدقًا ماما لم أحب إيذاءك أنتِ أو «لؤي» أو أي شخص، كائنًا من كان، حتى الكائنات الغريبة المسماة بشرًا من المتسولين والعجزة الذين يُحضرهم لنتغذى عليهم، كان قلبي يؤلمني عندما أستشعر خوفهم وألمس انتفاضاتهم الفزعة، قتلناهم بدم بارد؛ لأنه لا أحد سيفتقد وجودهم ويبحث عنهم.

ربما عليَّ الاعتراف، الخطأ خطئي، المصيبة من فعلي، عليَّ تحمُّل مسئولية ما فعلت، ما كان عليَّ الخروج خلسة لأراكما، إذا التزمت قصري ما كان قد حدث ما حدث ولكنتما معي الآن، بعد أن أتدرب على التحكم بانفعالاتي وشهوتي أمام الدماء، أنتقي من أهاجمه وأمارس عليه قدراتي.

ماذا أقول؟ لقد اعتقدت أن «دار» يهوِّل الأمر ولم أحتمل عدم رؤيتكما ثلاثة أشهر كاملة، رغم أنكِ كنتِ دومًا بعيدة عنا لا نراكِ كثيرًا، لعله القدر، قدرك أم قدري؟ لا أعلم، لكنه بالتأكيد القدر، هو ما جعلني أهرب وآتي إليكما يومها.

هربت وتركته يواجه الأمر بمفرده، أجاد دوره في إخفاء آثاري، خطط ونفذ الأمر ليبدو سرقة أفضت إلى قتل مَن في المنزل، أعترفُ ببراعته؛ فلقد أثار فوضى عارمة بالمنزل وأخذ كل ما يستطيع جمعه، ما أفزعني قيامه بذبحكِ أنتِ و«لؤي»، أعلم أنكما لم تشعرا بهذا!!

كيف ستشعران وأنا من قمتُ بقتلكما قبلها؟

لكنني لا أحتمل التفكير في هذا الأمر، الأمر برمته يُثير ارتباكي، ها هي قد مضت تسعة أشهر، إلا أن رجال الأمن إلى الآن يعتذرون مدعين تمكُّن القاتل من الفرار؛ فلا أثر يدل عليه..

سمعت شماتة بعض منافسيك ماما في أثناء سرادق العزاء، يعتقدون أن الساحة قد خلت لهم، بعد أن تخلص منكِ أحد منافسيكِ، لا يعلمون ما ينتظرهم مني، لقد قررت الانتقام من الجميع، وسأحكم العالم بمساعدة «دار»، معًا سنكوِّن إمبراطورية الدماء، سأجعلهم يندمون، اليوم هو اليوم الموعود، سأبدأ بهم بالترتيب، سأنظف الساحة من هؤلاء الحثالة، لأبدأ عصرًا جديدًا، عصر القوة والسيطرة المطلقة، أحكمه أنا و«دار»، سيكون عصر الخلود..

مع «دار» لن أقلق؛ فهو يجيد التعامل مع الجميع، سأكوِّن عالمًا خالدًا كخلودنا، شعاره «الموت للضعفاء والحياة للأقوياء، فقط للأقوياء مصاصي الدماء»، نحن ذوو القوة والخلود فقط من نستحق الحياة، نحن من نستحق السلطة والسيطرة، سأكون حاكمة العالم كله ماما، وسأعاقب كل من يقف في طريقي، سأجعل من مؤسستك المؤسسة الأولى في العالم، لن ينافسني أحد ولن يتجرأ عليَّ أحد؛ فأنا الخالدة «رونا» آتية لاجتياح العالم.

* * *

تحركت «رونا» بين الحضور قائلة:

- أهلًا بالجميع في قصر الكونتيسة، يسعدنا تواجدكم معنا اليوم للاحتفال بالذكرى الأولى لزواجنا.

ثم فرقعت أصابعها مرتين فأُطفئت الأنوار، حل ظلام شديد القتامة تواءم مع انطلاق روائح بخور شرقية بكثافة، انتعش الحضور كما لو كان هناك مخدر ما يسري في أوصالهم إثر استنشاقهم البخور، سُمعت صرخة مكتومة، ظنها الجميع صوت تحرك طاولة إثر اصطدام أحد المدعوين بها، أُضيئت الشموع، وظهر «دار» مرحِّبًا بالجميع، راجيًا أن يستمتعوا بالحفل، معتذرًا عن عطل فني في مولد الكهرباء تتم معالجته لتعود الإنارة بعد ثلاث دقائق، أدرك أن «رونا» بدأت تنفيذ خطتها، لحظات وبدأ الصخب والاحتفال بمجون.

ابتسم دار وهو يتمتم: «تلميذة نجيبة»، اعتقادها بأنها من قتلت ذويها زاد لهيب حماسها لبناء إمبراطوريتهما معًا..

عالم أسطوري لكم تمنى إنشاءه، ها هو على أعتاب عصر جديد مع كونتيسته، بدأ يفتش بنظره عن فريسته، يبحث عن ضحية مميزة الأفكار، كي يضيف لمخزونه الثقافي مع كل غذاء جديد يحصل عليه، عكس «رونا» التي إلى الآن تتغذى من أجل إطفاء شهوتها للدماء، أو إرضاءً لشهوة الانتقام، لكن الآن..

وبعد ملاحظة شخصية فريستها المفقودة من بين الحضور، أدركَ تطوُّرها قليلًا فقد أضافت اليوم بند اختيار فريسة غيابها يفيدها ويقربها من حلمها.

* * *

اختفت «رونا» نصف ساعة، صعدت إلى غرفتها بعدما أنهت مهمتها شاعرة بالنشاط والحيوية، فريستها كانت عضوًا بارزًا في جمعية حقوق الإنسان، وباختفائها ستخلو الساحة لتتقلَّد منصبها، بدَّلت بفستانها آخرَ لونه أصفر كناري من الشيفون، تأكدت من مظهرها ثم عادت للانضمام إلى الحفل، أصوات موسيقى الروك تصم الآذان، لمحت «دار» من بعيد فذهبت تجاهه لتُصدم صدمة العمر..

لقد كان يقف مع...

لا تصدق..

كان «دار» يقف مع والدته وامرأة تشبه والدتها، تشبهها إلى حد كبير، غير أن هذه تبدو أكثر نضارة وشبابًا، يا للجنون! هذا «لؤي»..

اقتربت أكثر، نادت على «لؤي» فاتجه إليها بنصف ابتسامة لترى الدماء تغطي فمه، تسمَّرت جوار «دار» تنقل بصرها بينهم ببلاهة، تمسكت بكتفه كطفلة رأت شبحًا، لا تستوعب ما يحدث!!

أنقذها «دار»:

- «رونا».. هذه مفاجأتي لكِ في الذكرى الأولى لزواجنا، لم تقتلي عائلتك، لقد أنقذتهما وحوَّلتُهما لأعضاء في مجتمعنا الحاكم من خلف الأستار.

- ماذا؟!

- انظري حولك وستفهمين من هم ضيوفنا الأعزاء كونتيستي.

نظرت حولها..

دارت حول نفسها وهي تركِّز في ملامح كل الحضور؛ لتجد أن كل مَن في الحفل يمارس حقه الطبيعي في امتصاص دماء من ظنتهم ضيوفًا من فئة أقل أهمية، ضيوفًا من فئة أقل شأنًا من نجوم المجتمع الذين اهتم «دار» بكل تفصيلة تخص راحتهم..

كانت تصدق «دار» عندما أخبرها أنه سيدعو بعض المشردين والفئات العادية ممن يختلط بهم في الحياة لأجل الدعاية والصورة الاجتماعية التي يحاولان إبرازها لتحقيق أهدافهما، سيحوِّلهم إلى نجوم مجتمع لمدة يوم واحد، يوم سيتذوقون فيه كل ما حُرموا منه طيلة حياتهم البائسة، فاجأتها رؤية نجوم المجتمع الحقيقيين في صورة قميئة سوداء، كل فرد منهم متمسك برقبة فريسته يمتص الدماء بكل أريحية.

شعرت بسعادة مؤقتة لرؤية عائلتها ثانية، لكنها صُدمت مما تراه الآن، خاصة بعد أن تركتها والدتها، قبَّلتها وهي تشكرها على تحويل حياتها للأفضل ومنحها رحلة خلود، ثم ذهبت بصحبة «لؤي» لنيل نصيبهما من هذه الفرائس المتاحة بلا ثمن أو تعب، فمن سيسأل أو يبحث عن مشرد كان يتخذ الإسفلت بيتًا والسماء غطاءً؟!

نظرت إلى «دار» وسألته باستغراب:

- لقد ظننت أنني الوحيدة الشهوانية بشراسة، المتلذذة والمستمتعة بدماء البشر وأنك لا تحب إيذاءهم!

- هل غيَّر ذلك من حبك لي؟

- لا، لكن...

- هل غيَّر موقفك نحو الوصول إلى حلمك في السلطة المطلقة؟! بالتأكيد لا؛ لذا...

حبيبتي، دعينا نحتفل، هيا لأعرِّفك على الجميع من جديد، ستعرفين حقيقة مجتمعنا الآن حبيبتي.

- مَن هاجمنا إذًا منذ شهور؟!

- مجرد تمثيلية لأرى مدى شجاعتك وجرأتك في المواقف المختلفة.

ضحكت ضحكة رقيعة ساخرة، اهتز كل جسدها بشكل أثار «دار»، نظر إليها بعينين فضحتا اشتهاءه ورغبته فيها، لكنها وسط ضحكاتها أكملت وهي تُغلق شفتيه بإصبعي يدها السبابة والإبهام:

- يا للجحيم! لقد سقطتُ ببراعة في الاختبار.

- معي لا يوجد شيء يسمى فشلًا أو سقوطًا، أنا موجود لمعالجة هفواتك هذه.

- انتظر.. كيف ستتصرف في هذه الجثث كلها؟!

- «إلياس» سيهتم بالحثالة من المشردين، أما فريستي وفريستك من نجوم المجتمع، اللذان كانا يمثلان عائقًا أمام تحقيق أهدافنا؛ فستنقلب بهما السيارة على الطريق وتنفجر وتُشوَّه الجثتان بما يعدم فرصة الكشف عن سبب الوفاة الحقيقي، الجميل أن الجميع سينشغل بسبب وجودهما معًا، تعلمين أن مجتمعنا يعشق الفضائح ويتغزل في فك نسيجها المتشابك.

- أحبك جدًّا، لديك رأس ماسي يستحق مليون قبلة.

- سأكتفي باثنتين الآن كي نتفرغ لتعريفك على عالمك الحقيقي.

قبَّلته «رونا» ثم تذكرت أمرًا فابتعدت عنه قليلًا:

- لا أريد مزيدًا من هذه المفاجآت، لا أحب أن أكون آخر من يعلم.

- لا أستطيع أن أعدك.

- سخيف.

- أيها السادة الحضور.. لحظات من فضلكم، أريد انتباهكم هنا، الآن لحظة كشف الحقائق لسيدة قلبي وكونتيستي الغالية، سنبدأ من هناك، سأعرِّفك بالسيد «عوض الباز»، أشهر مُعارض للنظام، وصديقه السيد الوزير.

- انتظر، كنت أظنهما مختلفين ويتراشقان الاتهامات!

- انسي معلوماتك المكتسبة من حياتك العادية، الآن سنكشف الستار معًا عن عالمنا، سأعرفكِ بمن صديق من، من عدو من، وعليكِ مراعاة أن هذا كله متغير؛ فكله يخضع لمدى احتياج كل منهما للآخر وحسب ما تقتضيه المصلحة، كلنا نعمل في منظومة واحدة لتحقيق أهدافنا بعيدًا عن عالم المثاليات الأفلاطونية. «عوض باشا».. عرِّف زوجتي بطبيعة عملك؛ فهي من المعجبات بشخصك.

لكنها لمحت «أليسا» صديقة الجامعة.. أمسكت بكتف «دار» وهي تسأله بدهشة: "هي معكم؟!".. بلا مبالاة أجابها: "أوه! لا؛ ليس حاليًّا، ولكن في القريب ستكون؛ لأن صديقها معنا"، ضحكت «رونا» بصوت رقيع وعالٍ قبل أن تتمايل في دلال قائلة:

- أوه يا ربي! فلتبدأ الألعاب، يبدو أن الإثارة قادمة..

* * *

داخل القبو، انهمك «إلياس» في تنظيف آثار الدماء، بعد أن غطى جثتي ضحيتي «رونا» و«دار» جيدًا كي يتخلص منهما فيما بعد مع جيش مساعديه، أما باقي الجثث، من الشخصيات غير المهمة، فسيضعها في آلات فرم اللحم بمصنع «حيدَر للحوم المجمدة والمفرومة»، اعتاد هذه المهمة منذ زمن..

جثث ضحايا «دار» دومًا نظيفة لا تشوبها شائبة، أما «رونا» فكان يتضايق من همجيتها في الافتراس؛ تنثر الدماء في كل مكان، وتعشق تمزيق وجوههم بما يثير اشمئزازه، ما يريحه قليلًا أنها بدأت تخفف من تصرفاتها هذه مؤخرًا وتتحكم في همجيتها تلك بعد أن حدثها «دار» أكثر من مرة.

سيتخلص من أحشاء الجثث في مدافن أسرة «دار» كالعادة، تلك المبنية في آخر بقعة من حديقتهم الغنَّاء، توقَّف.. نظر إلى الفريسة التي انتقاها لنفسه وهو يفكر ويسأل نفسه:

- أيرضى الرب بكل ما نفعل؟

هل سنعاقَب يومًا؟

هل يوجد رب في الأساس؟!

نظر في عيني فريسته فرأى فيها الفزع، الكره، الرغبة في الانتقام لمَا أحدثه فيها من جروح وكدمات، وما يفعله من استهانة بجسدها واستباحته لها..

استمر في أفعاله..

اقترب منها..

أطلق سراح يديها..

فك الكمامة عن فمها..

سألها بأدب جم، لا يليق بالموقف، إذا كانت تريد شرب كأس من نبيذ أحمر فاخر، صنف لا تحلم برؤيته طيلة حياتها البائسة، نعتته بالحيوان، ليضحك بجنون ويفاجئها:

- أيتها البائسة، لم أختطفك لألتهم جسدك وأتلذذ بأنوثتك، صحيح جسدك شهي، لكن دماءك أشهى، كنتُ مجال سخريتكِ وتهكمك لسنوات كلما رأيتِني في الشركة، تطلقين النكات والمزحات السمجة عن أنني أبدو كما مومياء متحركة، وعن ملابسي قديمة الطراز، كنت أسمعك بالمناسبة..

صرخ كمارد: «أنا، يا جاهلة، رئيس مخابرات هذه المنظومة، زعيم الأمن، ومن سيمتص دماءكِ أيتها الساخرة وأترككِ مومياء تتعفن عظامها في هذا القبو البارد».

- سيبحثون عني، الجميع يعلم أنني جئت لحضور الحفل.

- سأضعكِ في السيارة التي سأتخلص عن طريقها من هذين النجمين هناك، أو لا يهم، لن أُعدم الوسيلة لتبرير وفاتكِ أيتها البائسة..

حاولت الصراخ، فضحك أكثر بصوت عالٍ، سائلًا بكل سخرية: هل تعتقدين أن صوتك سيصل للآخرين حقًّا وسط هذا الصخب الجامح والموسيقى المنتقاة لهذا الغرض بالذات؟ صحيح مجنونة! أين عقلك المتكبر الآن يا مناضلة؟! أتذكرين يوم كنت تحرضين زملاءك للثورة على ديكتاتورية السيد «حيدر»؟!

- يا الله! كنتم تراقبوننا؟! لهذا كان زملائي تنزل عليهم هدية من السماء عبارة عن فرص عمل في أماكن بعيدة؟! كل من أقنعه بالاعتراض والتمرد على أسلوب إدارة الشركة يسافر أو يختفي لفترة ثم يعود شخصًا آخر.

- الآن ظهر ذكاؤكِ، نعم نخفيه بالقتل ثم نضع مكانه شبيهًا يحل محله حتى ندبر أمر اختفائه الكلي بالسفر أو الهجرة، أو أحيانًا يقتنع بالانضمام إلينا بدلًا من الموت فنحوله لعبد في قطيع تابعينا.

- هل ستحولني لمسخ مثلكم؟!

- أهذا طلب أم عرض؟! عمومًا كلاهما مرفوض، أتذكرين كلماتك، أم أن ذاكرتك قصيرة كجسدك القزم المنتفخ بالدهون هذا؟! أنا أذكرها، أووووووه، كنتِ تكررين دائمًا:

- لم يُصدرون لنا الخوف من داخل أنفسنا..

قبل محيط يغلفنا؟!

هؤلاء المنتفخة جيوبهم من عرقنا..

يصدرون لنا الفزع..

من كل ما يعارضنا..

يصدرون لنا الكره..

لكل ما يعلو حدود أحلامنا..

وما نصبو إليه بآمالنا..

يصدرون لنا الكثير من الموبقات!!

بعنوان غلاف..

تربية تُناسب ثقافتنا وديننا!!

لكن..

أين المجتمع من الدين؟!

وأين نحن من المجتمع؟!

أين الحقيقة من وهْم معتقداتنا؟!

أين الدين من تخلف ساستنا؟!

وأين السياسة من صحيح الدين؟!

أين معلمونا..

مثقفونا..

من شعوب باتت تكفر..

بكل زيف غلف الميادين..

شعوب قُهر أبناؤها..

بأيدي أبنائها؟

أين حقنا في الحياة..

وسط هذه الغابة الملعونة المسماة..

«حياة»؟

اقترب منها وهو يتشمم رائحتها، يلعق رقبتها مُصدرًا همهمة الاستمتاع، فبدأت في الصراخ، صراخ متواصل، لا طائل منه.

شعر بدقات قلبها تتسابق في ماراثون قفز سريع، ثم هدوء مفاجئ، اختفى صوتها، تاهت مقاومتها، انطفأ بريق عينيها، لكنها ما زالت تتنفس، قلبها ينبض، لم يمتص دماءها، لا يريد قتلها ببساطة..

غريزته حفزته لممارسة بعض الألاعيب معها، جسدها ما زال بضًّا ومثيرًا، فما المانع من بعض المتعة؟! ثبَّت أظافره في رقبتها، وحرك أصابعه تجاه الأسفل بهدوء..

سمع أناتها الضعيفة، وهو ينزع عنها قشرتها الخارجية، جردها مما تسميه ملابس، وبدأ هجومًا سريعًا، شن غارته بثقة ظافر منتصر، التهمها بذكورته على مهل، ثم بهدوء كسر عنقها لينهي الأمر كليًّا..

ثم ابتعد متأففًا، ليكمل مهامه في تنظيف الفوضى المتخلفة عن الحفل.

* * *

وهناك في معركة الجوع الثانية وبين أروقة القصر، كانت «رونا» تعبث بفريستها الثانية مع «دار»، متلهفة لإزالة كل العوائق الحائلة بينها وبين عالمها القريب من الاحتلال..

توقفت فجأة لتسأل:

- «دار»، سمعت إشاعات كثرة حول الملك، هذا الرجل يبلع في جوفه الكثير والكثير، يكفيه ما حصل عليه، أريد حصتي، متى سيحين موعد لقائنا معه؟!

- لم يحِن أوانه بعدُ، نحتاجه في مكانه حاليًّا، وسندعمه بكل قوة ونساند وجوده ونحسن صورته أمام الرعاع من الشعب، وعندما أبلغ السن المناسب جميلتي حسب أوراقي الحالية، بكل بساطة ستظهر الأوراق المختفية عن الشعب المسكين؛ تلك التي تُظهر حقيقته السوداء، ليتضح كم هو وحش كاسر، حيوان بلا ملة أو دين، ثم أحتل المشهد كمنقذ ظهر في الوقت والمكان الصحيحين، حينها سيختارونني برغبتهم وإرادتهم الحرة كمخلِّص، بعدها سنتبادل الكرسي بيننا كما لعبة الكراسي الموسيقية وسيصفقون في سعادة وهم يهتفون بأسمائنا، لن يدركوا أننا قلب وروح واحدة في جسدين مختلفين.

- أخبرتك سابقًا أنني أعشق عقلك هذا.. صحيح؟!

ضحك في سعادة قبل أن يخبرها المفاجأة الأخيرة: «حبيبتي لقد قمت بشراء مسرح أولاد الغريب، واتفقت مع الممثلين وسيكون الافتتاح بمسرحيتك، أتذكرينها؟

ظلت تدور حول نفسها في سعادة، منتشية، ليسدل الليل ستاره مؤقتًا.


 
 
 
 


شيطان حياة

لم تنتهِ القصة؛ فهي قصة حياة منذ الأزل تُعاد وتُكرر، سأكمل لكم قصتي، أنا عاشق الليل..

في واقعنا، من يفرض نفوذه وقوته؟ وعلى من؟ الغلبة معهم ليفرقونا، ليوزعوا أقواتنا وأرزاقنا، بل حتى ليعدُّوا علينا أنفاسنا، ثم يقهرونا بمفاهيم وأسباب معيبة، وإمعانًا في القهر يمنحوننا مبررات تحولنا، حال الخضوع، لعبيد وجوارٍ..

بل ربما حيوانات عجماء عليها السير مربوطة الأعين لتنفذ مشيئة الله وما جُبلت عليه فقط كما يفهمونه هم لا ما أراده الله حقًّا، لا مجال لتكتشف أنها ليست بحيوانات، ليست بجمادات، بل كائنات حية، أناس من نسل آدم لهم حقوق وعليهم واجبات، يحاولون بنفوذهم داخل قلوبنا إلهاءنا بما يُنسينا إنسانيتنا..

يريدون منا الغرق صارخين، مُهللين: أيا أسيادنا، زيدوا من قهرنا؛ فنحن لها وتحت أقدامكم دومًا، ازرعونا في الأرض طينًا، وارتقوا أنتم إلى السماء نجمًا ساطعًا.

ومن فوق أبراجهم سمجة المشاعر يلقون إلينا فضلات أقوال متهمة، يقذفوننا بروث اللوم وسخيف العبارات.

لا تلوموا يا سادة؛ ففي جنتنا الأرضية زرعتم الجحيم سدًّا منيعًا يُبعد عنا أنفاسنا وأرواحنا، متجسدة في المُلقبة بالحبيبة، تسيَّدتم الموقف مدعين أنكم الملوك، الأباطرة المستحقون، أنكم المحميون كما اللوح المحفوظ بجوف لؤلؤ خُبئ في قاع النفس، أنكم المستحقون لمن تختارونه حتى إن رفضكم، وأن مَن سِواكم عبيد وجوارٍ مصيرهم رفس النعال، ادعيتم أنكم الأصفياء المؤمنون الأتقياء، يا هؤلاء اسمعوني..

الإيمان عز وفخر وحرية، الحرية إمبراطورية عادلة وحاكم مسئول، الدين حياة، والحياة إنسانية ورفعة، الرفعة سلطان مُبهر وديدبان حق، الحق ثقة وتحرر من أية عبودية، العبودية خضوع لشهوات، لحب ودنيا تشذ عن ملكوت الله، عادل في أرضه، الكل سواء لديه لا ملك ولا جوارٍ ولا عبيد، فالعبيد رق قاومته السماء لإكمال الإيمان.

لا تضغطوا علينا أكثر، فيومًا سنثور ونتجرأ باضطرار ونُصدر فرمانًا، يحوي قرارًا بطوليًّا بأن نستأثر بدور الشرير، القاتل، السفاح، نفعلها كي نُفسح المجال لغيرنا ممن ظُلموا كي يعيشوا، يتنفسوا ببراءة وراحة بال، ربما يستطيعون فعل ما لم نقدر عليه نحن الضعفاء أمامكم، فلتعلموا حينها أننا سنصمد إلى النهاية..

 نهايتكم أنتم..

أنتم ونصائحكم البالية ستنتهون كما نساء فاتنات، فات قطارهن بلا موعد إياب، أغلقتم بنصائحكم أمامنا سبل الحياة، تمكنتم من منافذ الروح؛ لذا فقد سعت النفوس إلى الهلاك، تحكموننا بعادات مقيتة، كامرأة بلغت من العمر الأربعين، هذي الغيداء الهيفاء الماكرة، عاشت للأربعين عابثة لاهية، تذوَّقت من متع الدنيا ألوفًا، تسحب خلفها رجالًا كثرًا بتبعية، عاشت متخيلة أنها حرة كطائر، يجول من دون قيود بسماء الحرية، طاووس منتفخ، يقترب ويقرِّب ما تشتهيه نفسه وعيناه.

لكن يومًا سيُنقذ روحها زاهد، عفَّت نفسه عنها، شيخ شاب بهدوء وسكينة، سرق منها الروح، وبحب الله سيسقيها، بكل رويَّة سيسحبها لتنير الدنيا كُلها بخير؛ فهو على دنياها الصاخبة الماجنة سيفتح عينيها، يسير بالدنيا عابر سبيل، سيُريها الخير والراحة اللذين طالما بحث عنهما، بداخل قلبها وقلوبنا معها سنجد سكينة واستقرارًا، بعيدًا عن فهم خاطئ، عن لاهية عابثة تذبح في الكل، تُسمى عادات.

سنستيقظ وقد أفقنا وعرفنا مَن الصديق ومَن خان الدار، يا الله! من كنت؟ وأين سأكون بقراري؟ فلتلهمنا صبرًا وترسل لنا مهديًّا يأخذ بأيدينا، فقد ضجت نفوسنا بما يُحيطنا من قيود باسم عادات بالية، من ماضٍ وحاضر مُظلم عافِنا واقبل أعذارنا، اغفر لنا شرورنا وأوزارًا مرت بالعمر الفاني، نحمدك فاحمِنا من شر الآثام، فأنت يا ربي عزاؤنا.

لكن صبرًا، لِمَ نتباكى؟ بما أنَّا بدأنا خطوة فعلينا القتال جيدًا كي نصل إلى نهاية الخط وإن كانت بموتنا، لن ندع لكم المجال كي تنفذوا إلينا ثانية وتُخضعونا، أما الآن فلكَم نتمنى أن يُعجِّل الله بالاستجابة لدعواتنا المُبتهلة، بأن يرزق أحبتنا ميلاد روح جديدة تلغي سقم أرواحهم الحالية وعجزها، كي تُنقذهم من آثام الحياة وما جنته عليهم في ريعان الشباب المسلوب منهم قبل الأوان.

انتهت

إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↓الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
3↑1الكاتبمدونة محمد شحاتة
4↓-1الكاتبمدونة اشرف الكرم
5↓الكاتبمدونة ياسمين رحمي
6↓الكاتبمدونة حاتم سلامة
7↓الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
8↑1الكاتبمدونة آيه الغمري
9↑1الكاتبمدونة حسن غريب
10↓-2الكاتبمدونة ياسر سلمي
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑31الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني203
2↑22الكاتبمدونة مها اسماعيل 173
3↑14الكاتبمدونة مرتضى اسماعيل (دقاش)205
4↑11الكاتبمدونة منال الشرقاوي193
5↑5الكاتبمدونة كريمان سالم66
6↑5الكاتبمدونة خالد عويس187
7↑4الكاتبمدونة نجلاء لطفي 43
8↑4الكاتبمدونة غازي جابر48
9↑4الكاتبمدونة سحر حسب الله51
10↑4الكاتبمدونة نهلة احمد حسن97
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1079
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب695
4الكاتبمدونة ياسر سلمي655
5الكاتبمدونة اشرف الكرم576
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري501
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني426
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين417
10الكاتبمدونة شادي الربابعة404

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب334123
2الكاتبمدونة نهلة حمودة190253
3الكاتبمدونة ياسر سلمي181663
4الكاتبمدونة زينب حمدي169818
5الكاتبمدونة اشرف الكرم131013
6الكاتبمدونة مني امين116813
7الكاتبمدونة سمير حماد 107918
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي98018
9الكاتبمدونة مني العقدة95111
10الكاتبمدونة حنان صلاح الدين91919

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة نجلاء البحيري2025-07-01
2الكاتبمدونة رهام معلا2025-06-29
3الكاتبمدونة حسين درمشاكي2025-06-28
4الكاتبمدونة طه عبد الوهاب2025-06-27
5الكاتبمدونة امل محمود2025-06-22
6الكاتبمدونة شرف الدين محمد 2025-06-21
7الكاتبمدونة اسماعيل محسن2025-06-18
8الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني2025-06-17
9الكاتبمدونة عبد الكريم موسى2025-06-15
10الكاتبمدونة عزة الأمير2025-06-14

المتواجدون حالياً

995 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع