كنت موقنة بأنني لم استطع الوصول لأحلامي وتحقيق أغلب خططي لأنني لم أؤمن بقضية حد الموت فداء صمودها، حتى شاهدت فيلم (البيضة والحجر) لعبقري التمثيل (أحمد ذكي)، قصة وسيناريو وحوار الفيلسوف (محمود أبو زيد) وزع فكرته الأساسية بنسب تلائم شخوصه، بدءاً من الجيران وحتى الشقيق الرافض لعمل شقيقة ودراسته التي لا تدر عليه ما يكفي حد أنه يتمنى لو كان عمل (ميكانيكي)، نتعرف على البطل (مستطاع الطعزي) هل طعزي من العزاء أم الاتعاظ لم أعرف صراحة، مدرس الفلسفة المحول إلى النيابة للتخلص منه بعدما زرع بذرة التمرد بين طلابه على فساد الكانتين المسيطر عليه المدير واحد المدرسين، اتهم بالشيوعية وبأنه صاحب مبدأ، المتتبع لأحداث الفترة المحكي عنها ورغم محاولات الإصلاح الكبير؛ إلا أنها كانت فترة عصيبة على كل صاحب كلمة أو مبدأ الاتهام جاهز - شيوعي، مُنَاوِئٌ للحكومة - يسعي لقلب نظام الحكم، ربنا يحمينا الموضوع ده خلص دلوقت أحمدوا ربنا
(مستطاع) صاحب مبدأ فلسفي يطبقه على نفسه قبل أن ينصح به طلابه ومن حوله، بخطى واثقة عاش حياة الاستغناء، وكأنما ينادي مواطني تلك الفترة وسط جو الانفتاح على العالم بكبح جماح رغباتهم وشهواتهم ليسيطروا على الأشياء لا أن تسيطر هي عليهم فهل ينجح؟!
فوق سطوح إحدى عمارات وسط البلد- القاهرة، حجرة أرادو أن تكون (على قد الحال) بهيئة الحجرة الخارجية، نلج من الباب لنلاحظ التنظيم والترتيب مما يوحي بحال مستور، لا كما باقي جيران السطح حجر مهدمة وكأنما هي عشش من خوص.
يكشف الفيلم أفكار طبقات مختلفة من المجتمع، فابن المنطقة الشعبية زوجته تندب حظها ويحتاج لمولانا الشيخ لفك ربطه، قمر الغسالة سليطة اللسان والتي تصدق أن زوجه أبيها عملت عمل يحولها لقرد في عين العرسان، بنت الطبقة الغنية لا تنجب وتريد الولد، الوزير يريد تدعيم سلطته، والأخر يريد إنقاذ ابنته من موت محقق، وبين لحظة ..
ولحظة يتغير الحال، ليجرفه التيار ويستخدم قراءاته والفلسفة في معالجة مشاكل اللاهثين خلف بركاته، ليرث كار عم سباخ التيبي (السباخ قذارة منطقة غير صالحة والتيبي لو تلاعبنا بأحرفها تصير لطبي وكأنما هو وصف شعبي لشخصيته فهو مجرد روث طبي لا يقدم أو يؤخر)، ورث ساكن الحجرة السابق في الدجل والشعوذة على طريقته، تلاعب بالجميع مستغلا ذكاءه وعلمه، ليصعد نجمه وليحافظ على القمه يوزع المهام على أصدقائه، يفتتح محل كوافير عظيم لطاروط (أم الأصح تاروت نسبة لورق والتي بفك رموزها ودلالاتها يستطيع العراف قراءة قصة حياة الشخص) وهو ما يقوم به حيث تأتية سيدات الطبقة الراقية يستدرجهن بمعسول كلامه الأنثوي لفضفضة يستخدمها مولانا مستطاع بعد ذلك لقراءة نجم ضائع داخل فنجان، تكتمل منظومة النصب بصديقة توالي جنيح (من مُوالًى أو التابع لمستطاع المنفذ لأوامره، جُنِح مال نحو شيء ما أو تابعه كتوكيد على شخصية الصديق) اتخذ طريق صديقة طريق خاص يصب في مصلحته الشخصية، مستطاع يهديه مجلة مهمتها الأساسية تمجيد وتفخيم دكتور علم الفلك مستطاع مع جرعه تبث الرعب والخوف في النفوس ليحافظ على توازن خاص يزيد شعبيته.
الغريب أنه نجح واستمر في الصعود، لم يسقطه احد رواده ومواليه، لم يضيعه تابعية، حتى عندما اعترف بالدجل والشعوذة في محضر رسمي بعد عداوة مع وزير أخرجه وزير غريم ليكمل مسيرته.
ضاع مبدأه ليسكن قصر كبير بدلا من عشة فراخ فوق سطح عمارة آيلة للسقوط، ذاع صيته ليقابل الملوك والرؤساء، (مش لاقي حاجة أغلى من الكونياك لأشربه) جملة تلخص مأساته الجديدة، تحكم فيه كل ما حاول التحكم فيه، ضاع وسط إغواء كسب سريع هين لم يسعى إليه لكنه انجرف خلفه معتقداً الإصلاح بمبادئه وعلمه وفلسفته، أثناء الاستجواب قال للضابط فيما معناه الناس تحتاج لليقين بشيء ثابت تؤمن به لتكمل مسيرة الحياة، فهل ضاع يقين مستطاع وكل مستطاع وسط ضغوط الحياة وإغراءاتها؟
مشهد النهاية مستطاع يقرأ الكف لسيادة اللواء وخلفه ضابطان شابان يراقبان متوعدان بملاحقته سراً، (ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير لأن لك الملك والقوة) سقط مستطاع في فخ الدنيا وأخذه الشرير لصفه رغم ذكائه وعلمه ومبادئه، فأحياناً يغرنا كل ما نملك لنقتحم حرب بصدور مفتوحه ليسقطنا لغم مدفون لم نستعد لمجابهته.
اكتشفت أن المبدأ وحده لا يستقيم بل نحتاج معه لإرادة وقوة عزم وإصرار لنخوض التجربة دون السقوط في قلب عش الدبابير وقد نصير واحد منهم بدلا من محاربتهم.