بسم الله الرحمن الرحيم
1
يطيب لقلبي الشفيف الحديث عن تأثير القرآن الكريم في حياتي علما وأدبا، سلوكا ومنهجا..كيف لا وأنا التي رضعته مع لبن الفطرة الأولى ، فغذى لحمي،وخالط عظمي،وجرى في دمائي جريان الماء في الأنهار وانساب في حياتي إنسياب السواقي في الغدران والقنوات..
هناك، في مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسقط رأسي المدينة المنورة، درجت في حجر أب مختص بعلوم القرآن الكريم وموجه في مدارسها الشرعية، ترفرف الأيام والأعمال في أسرتنا حول حلق القرآن الكريم، تعلما وتعليما، لازما لنا وفعلا متعديا لغيرنا..بيت كان روضة من رياض الجنة، رواده وزواره يقصدونه ليتعلموا التجويد ،يتلون كتاب الله حق تلاوته وينالون الاجازات في حفظه وتجويده واتقانه على مدار ربع قرن أو يزيد،،نقعد به ونقوم عنه،، حالين ومرتحلين، تالين وحافظين..
لم يكن والدي-رحمه الله- مجرد عالم بالتجويد والعربية،بل كان القرآن قبضة نور تشع حياته كلها،فإن رضي كافأنا بالقرآن، وإن أخطأنا فلا يفئ من غضبه الا بحفظ صفحات منه، كنا نتغامز بيننا عند غضبه وانزال أي عقوبة علينا أن نهرع لرفع عقائرنا بتلاوة الآيات وتجويدها وتنغيمها، فكان كالطفل يحن ألينا وسرعان ما يتلاشى غضبه ويحل رضاه وفرحه.. ويخفض جناحه تواضعا لكل طالب يتردد عليه يعلمه كتاب الله.،كتاب من عرفه فقد اغترف ومن لم يعرفه جاد عن الصراط وانحرف.. كانت نقطة ضعف والدي القرآن..والحقيقة التي تأكدنا منها عبر الزمن، أنها محطة قوته التي يتزود منها لدنياه وآخرته..
في الأسرة ذكورا وإناثا تأثر كل فرد منا بالقران حسب توجهه وميوله، فصاحب الصوت الحسن زين صوته بالقرآن وصار إماما في مساجد المدينةيزين به المجالس وتزدان به المنابر، ومن أعطاه ربي الفصاحة كان القرآن قبلته وشفيعه فكان إذا تكلم أخذ بمجامع القلوب وسبى الأرواح والعقول..
أما مدونة الكلمات هذه، فبقيت فترة مشغولة بالدراسة والكتابة..وكنت أقرأ في التفسير ويطول بي المكوث على التدبر أضعاف الحفظ والمراجعة..ثم .. حطت سفينتي أخيرا في دوحته النضرة أتفيؤ فيها ظلالا حانية و قطوفا شهية دانية؛؛ وعزمت على حفظ القرآن ..وانكببت عليه تلاوة وحفظا وتفسيرا وتدبرا..كنت أشرب من معينه وأنهل من سلسله؛وأتضلع من جزالته.. فخرج قلمي من شرنقته متضوعا بجزالة بيانه وعذوبة لفظه وعمق عبارته..وأنى لأديب أن يبارك له في بيانه ان لم يكن القرآن رائده وقائده لفلاح الدنيا والآخرة وذلك وأيم الله الفوز العظيم !