اهداء
زوجتي الحبيبة
أم بنات رنا ويارا وفاطمة الزهراء
كم أنا مدين لك بأشياء كثيرة
حبك ...وأحساسي بالأمان معك
المؤلف
1
كانت تركض لتلحق بالحافلة لتذهب لعملها فقد تأخرت اليوم كثيرا بسبب ذلك البغيض عادل الذي وجدته يقف أمام بيتها ليتحدث معها في ذلك الأمر الذي لا يكف عن ذكره كلما تقابلت معه تطلعت في ساعة يدها لتجد أنها قد تأخرت ربع ساعة أتت الحافلة فأستقلتها لتذهب لمكان عملها كانت تنظر في ساعة يدها من وقت لآخر لتعرف كم تأخرت و تستعد للتوبيخ من رئيستها ... وصلت لمكان عملها فترجلت من الحافلة لتركض على طول الطريق الخالي من محطة الحافلة للمشفى الذي تعمل به ..كان مشفى كبير من خمسة طوابق بجدران و أرضيات بيضاء نظيفة تليق بمشفى خاص كانت تعمل بها منذ خمسة اعوام و هى ملك لطبيب متقاعد أنشأه فقط ليساعد كل محتاج لا يستطيع تحمل نفقات علاجه أو علاج أحد من ذويه و هو كان رجلا وحيد ليس له عائلة أو أولاد و كانت عبير تعتبره مثل أبيها فهو يعاملها معاملة حسنة هى و كل العاملين لديه يعتبرهم أسرته أكثر منهم مرؤسيه و لكن المشفى معروف أيضاً بسمعة المكان الطيبة و لذلك يأتي إليه المرضى من جميع الفئات سواء الفقيرة أو الغنية و هذا ما يساعد قليلاً في تحمل نفقات من لا يستطيع دلفت إلى المشفى لتجده يقف في المدخل أمام فتاة الاستعلامات ينظر في ساعة يده في إشارة منه لتأخرها ..أبتسمت عبير و قالت بهدوء ..” صباح الخير يا سيدي ...دكتور “
أبتسم الرجل الواقف أمامها بشموخ ببذلته السوداء و قميصه الأبيض و ملامحه الهادئة المسترخيه براحة و كأن لا هموم لديه في هذه الحياة ببشرته الخمريه الخاليه من التجاعيد و التي لا تدل على عمره الحقيقي الذي تجاوز السبعين عاما بشعره الأبيض الناعم الذي لم يفقد جماله و كثافته رغم فقده للونه الأسود كان يبدو وسيما أنيقا كشاب في الاربعين و ليس في السبعين مع بعض الرزانه و الوقار المصاحب لعمره
” صباح الخير عبير كيف الحال لقد تأخرتي اليوم و السيدة الرئيسة ستعاقبك حتما و لن ترحمك “
طرقت حذائها على الأرض بتذمر فضحك الطبيب قائلاً ..” فلتذهبي كلما يمر الوقت ستزداد غضبا “
أجابت عبير برجاء و هى تستعطفه مما جعله يبتسم ..” فلتأتي معي دكتور “
ضحك الطبيب رافعا يديه رافضا ..” تشعريني بأنك فتاة تأخرت على الصف و تريد أباها ليتوسط لها ..لا فلتذهبي وحدك فستعاقبني معك لتدخلي هيا هيا أذهبي لا دخل لي “
أستدارت عبير بإستسلام تدخل لمكان عملها في المشفى ماره بغرفة الرئيسة التي دلفت إليها و كانت هذه الأخيرة تقف مكتفة ذراعيها أمام صدرها تتطلع من النافذة للخارج تنحنحت عبير لتعلن عن وجودها فالتفتت السيدة تنظر إليها بغضب و هى تنظر في ساعة يدها مما جعل عبير تلعن كل ساعات اليد التي تدين تأخرها لليوم قالت المرأة بحدة ..” تأخرتي اليوم ثلاث أرباع ساعة لما “
ترددت عبير قائلة ..” لقد عطلني أحدهم عند خروجي من بيتي أنا أسفة “
هزت المرأة رأسها بتفهم و قالت محذرة ..” هذه المرة الأخيرة التي سأسامحك بها عبير المرة القادمة ستعاقبين حقا و الآن أذهبي لتبديل ملابسك و متابعة حالاتك لقد تأخرتي اليوم في إعطائهم جرعة الدواء الصباحية هيا أذهبي “
أومات برأسها و هى تتنفس براحة لمرور الأمر على خير و أستدارت لتنصرف عندما سألتها الرئيسة توقفها ..” عبير أنتظرى “
التفتت إليها عبير متسألة ..” نعم سيدتي الرئيسة “
قالت المرأة بهدوء ..” هل تحرش بك عند خروجك من المنزل “
تنهدت عبير براحة و قالت تجيبها باسمة ..” لا سيدتي أطمئني أنه فقط يظل يقول ....“
رفعت الرئيسة حاجبيها قائلة بحنق ..” هل ستضيعين مزيدا من الوقت بالثرثرة معي الآن هيا أذهبي لعملك و تذكري ستعاقبين المرة القادمة هيا هيا أذهبي “
هزت عبير رأسها موافقة و هى تندفع من أمامها لتغادر الغرفة تحت نظرات المرأة الباسمة بحنان فهى منذ تركها ولدها الوحيد ليهاجر خارج البلاد ليستقر و هى تشعر بالوحدة ليس لها سند و أحد يؤنس وحدتها غير العاملين هنا فهى تعتبرهن بناتها و الأطباء أولادها و هم يعتبرونها كوالدة لهم و ها هى على مشارف الخمسين و لا زوج ولا ولد و لا حفيد يؤنسون وحدتها هى تعتبر العاملين بالمشفى عائلتها و المشفى بيتها الثاني بعد هذا الفارغ و التي لا تسمع به سوى صوت أنفاسها و الصمت مرت على الحالات لتتفقد سير الأمور و الكل يهتم بعمله فهى تعلم أن المشفى يساعد كل من لا يستطيع تحمل نفقات علاجه أبتسمت عندما رأت عبير تداعب طفل صغير في الثامنة قد تعرض لحادث و فقد على إثره ثلاثة من أصابع قدمه هى تعلم أن العامل الأكثر فاعلية في سرعة شفاء المرضى هى حالتهم النفسية و ما يتناولونه من جرعات دواء ما هى إلا للمساعدة فقط على الشفاء أكملت رحلة تفقدها التي تقوم بها أكثر من مرة في اليوم لتطمئن عندما جائها إتصالا من الطوارئ فأنصرفت لتعلم ما الأمر ..
ذهبت لتجد مجموعة كبيرة من الأشخاص ملتفين حول شخص مستلقي على سرير الطوارئ المتنقل و ملابسه ملطخة بالدماء و رأسه ينزف و يغطي وجهه المكدوم بالدماء و قد أنتشر دمه على قميصه الأزرق قالت بحزم لتوقف سيل الأحاديث التي تخرج من أفواه الجمع حوله ..” ما الذي يحدث هنا “
توقف الجمع عن الحديث و عاملة الإستقبال في قسم الطوارئ تقول
” سيدتي الرئيسة هؤلاء قد وجدو هذا الرجل ملقى على الطريق في الصحراء مصاب و فاقد الوعي و ليس معه هوية أو أي إثبات شخصية و لا أحد منهم يعرفه و يريدون إدخاله هنا و أنت تعرفين نظام المشفى بشأن هوية المرضى هذا مشفى خاص و ليس عام سيدتي “
قالت الرئيسة بحزم ..” و هل سنتركه يموت فقط لأنه لا يملك هوية آنسة منال هيا اطلبي الطبيب فوراً ليعاينه و سيدخل على مسئوليتي الشخصية “
هزت منال رأسها و هى تقوم بالإتصال بالطبيب المداوم في ذلك الوقت ليأتي لرؤيته عندما أكملت الرئيسة للواقفين حول الرجل ..” ليس هناك داعي لهذا الجمع فلينتظر شخصاً واحداً معه إذا أردتم و لينصرف الباقي و إذا أردتم الإطمئنان عليه تستطعيون المجئ وقتا آخر و الآن تفضلوا بالإنصراف “
هموا أن ينصرفوا جميعاً متعللين بمشاغلهم مؤكدين عودتهم للإطمئنان عليه فيما بعد أبتسمت بسخرية متفهمة فليس هناك أحدا يريد التورط مع هذا ومسئولية مع شخص غريب و ليس معروف هويته أيضاً ..” حسنا تستطيعون المجئ إذا أردتم و السؤال عنه و الآن فلينصرف الجميع و أنت منال تعجلي بإحضار الطبيب الرجل ينزف “
أتى الطبيب في ذلك الوقت و قام بفحصه قائلاً لمساعده و هو يدفع السرير النقال معه ..” فلتجهز غرفة العمليات فوراً فلديه طعنتين و إحداهما قريبة من القلب هيا بنا أسرع “
أنصرف الطبيب و مساعده و هما يدفعان السرير المتنقل الذي يرقد عليه الرجل في هذا المشفى الكل يتعاون على مساعدة المرضى و لا مجال للتكبر بين العاملين سواء من الأطباء أو العاملين و لهذا أكتسب المكان سمعته الطيبة ..التفتت الرئيسة قائلة لمنال بعد إنصراف الطبيب ..” فلتبلغي الشرطة فوراً فمن الواضح أنها محاولة قتل و ليست حادث عادي “
هزت رأسها موافقة و هى تمسك بالهاتف و هى تقول ..” حسنا سيدة ذكرى هل أخبر دكتور وحيد “
ردت انشراح ..” لا بل سأخبره بنفسي و الآن أفعلي كما قلت و أطلبي الشرطة “
تركتها و إنصرفت لتتجه لغرفة دكتور وحيد لتخبره بما حدث فهذه مشفاه و هى مسؤلية على أي حال و لا تستطيع القائها عليه كاملة فهذا الرجل قد أدخل على مسؤوليتها الشخصية و يجب عليها إبلاغه ...
*************
دلفت عبيرإلى المنزل بهدوء بعد يوم عمل شاق تقول بمرح ..” يا أهل الدار لقد أتيت هل يوجد مرحب بي “
أندفع صبيان في حوالي العاشرة من عمرهما و هما يعانقانها بحب مرحبين بها بمرح ..” لقد أتت شقيقتنا ماذا جلبتي لنا ماذا جلبتي لنا “
ضحكت عبير و هى تمسك بهم بين ذراعيها و هما يضمانها من خصرها قائلة ..” أريحا نفسيكما لم اجلب شئ معي لقد أتيت مسرعة حتى لا أتأخر و أنتم تسألونني ماذا جلبت لكم من حلوى “
نظر إليها الصبيان بإحباط و قالا يرضيانها هاتفين بصوت واحد ..” حسنا عبير حبيبتي لا تهتمي نحن فقط نمازحك “
أبتسمت عبير و هى تضم شقيقيها بحنان ..” حسنا لا تبتأسا لقد جلبت لكما باكوين من الشكولاته و لكن لن تتناولونها قبل العشاء هل فهمتما “
صرخ الصغيرين فرحا و هما يقولان ..” أنت أفضل شقيقة في الكون كله“
خرجت والدتهم امرأة في أواخرالخمسينات بشرتها سمراء قصيرة القامة بجسد نحيف ملامحها تشبه ملامح ابنتها كثيرا أم نقول أن ابنتها تشبهها مع بعض الفوارق البسيطة عبير طويلة القامة تتخطى المائة و سبعون سنتيمتر شعرها طويل أسود و ناعم كوالدتها فمها وردي رقيق الشفتين و عيناها واسعة سوداء من ينظر إليها يظن أنها لا تملك في وجهها غير عيناها الواسعة أنفها صغير و جبينها عريض تزينه غرتها عندما لا تكون مرتدية الحجاب بشرتها سمراء ناعمة جسدها نحيف و لكنه ممتلئ في الأماكن الصحيحة بإختصار هى فتاة جميلة الملامح و المحيا و حسنة الطباع ..قالت والدتها مبتسمة ..” الآن أفضل شقيقة عندما علمت أنها جلبت لكم الحلوى يا لكم من شرهين “
قالت عبير باسمة ...” مساء الخير أمي أسفة على التأخير لقد كان يوما متعبا حقاً “
ربتت والدتها على وجنتها بحنان قائلة..” حسنا حبيبتي أذهبي لتبديل ملابسك و أغتسلي لحين الانتهاء من تحضير العشاء حتى تستطيعين الخلود للنوم باكرا اليوم و لا تهتمي بشئ آخر “
ردت عبير مازحة ..” لا لا تحاولين أمي لن أسمح لك أني تجعليني أتخلى عن واجباتي المنزليه أنا أعرف أعرف أنك تريدين فرصة لتنعتيني بالكسولة أنسي ذلك لن إعطيها لك مستحيل ستتناول العشاء و سأقوم بالتنظيف كما تعودت و أعد الشاي لنا أيضاً “
أبتسمت والدتها ..” حسنا يا فتاة كما تريدين فأنا أعلم رأسك اليابس “
ثم أكملت بحزن مدعي ..” لكم كنت أتمنى هذه الفرصة حسنا سأنتظر حتى تأتي عندي و الآن هيا أذهبي لغرفتك لتبديل ملابسك “
ذهبت عبير لغرفتها ضاحكة على مكر والدتها التي اتجهت للمطبخ لتعد الطعام بعد أن تناول الجميع عشائهم الذي تخلله سؤال عن يومها في العمل و دراسة الولدين و كيف قضت والدتها يومها أعطت عبير لشقيقها باكوين الشكولاته و قالت بمكر ..” يفضل أن تتناولونها في الصباح حتى لا تعطب أسنانكما “
نظر الصغيرين بإحباط فأبتسمت عبيرو قالت ..” حسنا تستطيعان تناولها الآن و لكن لا تنسيا تنظيف أسنانكم بالفرشاة قبل النوم “
تنهد الصغيرين براحة فأبتسمت بمرح و هى تستقبل قبلات الصغيرين و أحضانهما تركتهم ليدلفا لغرفتهم و جلست مع والدتها تحتسي الشاي الذي أعدته لكلاهما سألت عبير والدتها ..” هل جاء الساكن الجديد للشقة التي أمامنا اليوم “
مطت والدتها شفتيها و قالت ..” أجل أتى و لكني لم أقبل أن يشغلها و جعلته يرحل “
تنهدت عبير بيأس قائلة ..” لم أمي لماذا جعلته يرحل هل تريدين ساكنا تفصيل على هواكي كل من يأتي تجدين به عيبا و تجعلينه يرحل لما أمي تعلمين أن هذا البيت هو ما يساعد في الإنفاق علينا بجانب وظيفتي يكفي أن سكانه يدفعون لنا ملاليم إيجار و لا يريدون دفع زيادة مع الإرتفاع الذي يحدث في كل شئ متعللين بالعقود التي أعطاها لهم أبي و لا نستطيع تجديدها بما يناسب الأسعار اليوم إلا بعد خمس سنوات و هذه الشقة هى الوحيدة التي نستطيع طلب إيجار عادل لها بعد أن تركها المستأجر ليهاجر لولده في الخارج “
قالت والدتها بتذمر ..” حبيبتي أنت قولتها الشقة التي أمامنا كيف يسكنها أي أحد فهذا سيكون جارنا سنراه صباحاً ومساء كلما صعد و كلما هبط أو أتى له أحد أو فتح بابه تعلمين أن شقيقيكي أوقات يريدون اللعب في الأسفل و أنا أترك بابي مفتوحا لهم لا أستطيع أن أقبل بأي أحد فقط لأنه سيدفع مالا و أنت لو كنت مكاني و رأيته كنت سترفضين صدقيني لقد كان مشعث الثياب عيناه حمراء كمن يتعاطى شيئاً و كان مريب أيضاً “
ضحكت عبير لتحليلات والدتها عن الشخصيات دوماً تذكرها بالمحقق كونان ذلك الشخصية الكرتونية الشهيرة التي تحلل الجرائم و تكتشف القاتل دائما ..قالت بمرح ..” حسنا أمي فصلي لك واحداً على هواك و كُفى عن مقابلة المستأجرين “
تذمرت والدتها ..” هل تسخرين منى يا فتاة “
ضحكت عبير ..” لا أمي و هل أستطيع فعل ذلك “
أبتسمت والدتها و قالت و هى ترى ملامح وجهها المرهقة ..” حسنا حبيبتي هيا أذهبي لتستريحي “
هزت عبير رأسها بتعب و نهضت ..” حسنا أمي لقد كان يوماً متعبا حقاً“
دلفت لغرفتها بعد أن ألقت على والدتها تحية المساء و تفقدت شقيقيها و قامت بتدثيرهما جيدا أستلقت على سريرها الصغير البني و هى تتطلع لسقف الغرفة الأبيض متذكرة ذلك الرجل الذي جاء اليوم و هو مطعون بسكين حاد كادت تودي بحياته و قدمه و ذراعه المكسورين و وجهه المكدوم من أستطاع أن يفعل به كل ذلك من الذي يريد قتله بهذه الطريقة البشعة ليس لغرض السرقة حتما فهم وجدو في جيبه بعض النقود و التي تخطت ألفان جنيها و خاتمة و سلساله الذهبي الذي يدلان على غلو ثمنهما إذا ليس بغرض السرقة ماذا إذا و لما هويته مختفية و ليست معه من حاول قتله أراد الا يعرف أحدا هويته و إلا ما أخذها و ألقى به في الصحراء كلما تذكرت الكدمات على وجهه يقشعر جسدها و تشعر بقلبها يتألم لا تعرف لماذا فهى ليست المرة الأولى التي ترى فيها جروح أو كسور أو طعنات سكين ولكن يبدو أنها تأثرت فقط لأنه عذب بطريقة وحشية ..أستدارت على جانبها تتطلع لخزانة ملابسها الصغيرة تحاول أن تغفو حتى لا تستطيع تذكر ذلك الوقت الذي توقف فيه قلبه عن الخفقان أثناء العملية و محاولة الطبيب إنعاشة مرار لقد كاد قلبها هى أن يتوقف معه و عاد للدق مرة أخرى بعودة قلبه بعد أن أستطاع الطبيب إنقاذه ..أبتسمت عبير بضيق يبدو أن هذه المهنة باتت تأثر على أعصابي رغم أنني لم أكن هكذا فهى قد أختارتها لمساعدة الناس دوماً تشعر أنها قويةو لا تتأثر بسهولة و ليست مرهفة الإحساس مثل باقي الفتيات الذين لا يستطيعون رؤية دم دجاجة تسال فما بالكم بالبشر لقد علمتها محنة أبيها أثناء مرضه الا تضعف و تيأس بل تكون أقوى و تتوقع الأسوء في الحياة ليس تشائما بل حتى تستطيع التعامل معه هى تعلم أن الحياة ليست سهلة على البعض كهذا الرجل اليوم الذي أثبت ذلك و فقط حتى تستطيع تحمل ما هو آت أغمضت عينيها لتغفو في إنتظار صباح يوم جديد لعله يكون سعيدا ..
2
دخلت عبير إلى المشفى في الصباح باسمة مرحبة بكل من يقابلها في طريقها للداخل عندما قابلت السيدة انشراح في طريقها تقف عاقدة ذراعيها أمام صدرها بحنق و هى تقول بتوبيخ ..” عبير لا تضيعي وقتك بالسلام و الصباح على الكل و كفى تضيع وقتك و أذهبي لبدء عملك “
هزت رأسها موافقة و قالت بخجل ..” حسنا سيدتي الرئيسة سأذهب أنا أسفة “
أندفعت لتغادر عندما أوقفها صوت الرئيسة و هى تخبرها قبل أن تنصرف ..” عبير. مريض الحجرة السابعة مسئول منك ستتابعين حالته و موعد دواءه مع الطبيب المعالج هل فهمت “
قالت عبير تجيبها بإهتمام فهو مريض أمس الذي وجدوه بعض الناس ملقى في الصحراء ..” حسنا سيدتي سأهتم به هل أذهب الآن “
أشارت السيدة انشراح لها لتنصرف و هى تكمل قبل أن ترحل ..” الصغير ياسين سأل عنك منذ قليل أذهبي إليه أولا “
أومأت برأسها و هى تنصرف لبدء مهام عملها لليوم و الإعتناء بالمرضى الموجودين في قسمها و هى مسؤله عنهم و الإهتمام بموعد دوائهم و مساعدتهم على الراحة بعد أن قامت بالمرور على مرضاها دلفت لغرفته وجدته كما تركته أمس كانت قدمه اليسرى معلقة على حامل و ذراعه مجبر و معلق في حامل حول عنقه بعد أن جبرهما الطبيب أمس كان عاري الصدر متصل بجسده عدة أسلاك لتقيس ضغطه و دقات قلبه و كان مكان الطعنتين قد ضمد بضماد صغير حتى يسهل تغيره وقت الحاجة كان رأسه حليق بعد أن قص الطبيب شعره حتى يسهل معالجة جرح رأسه الذي أخذ عشر غرزات كان وجهه ملئ بالكدمات شاحبا من كثرة ما فقد من دماء أقتربت منه تنظر لإنتظام الإشارات على الأجهزة التي تراقب وضعه الصحي بإنتظام الأصوات التي تصدر عنها دنت منه تتطلع لملامح وجهه عن قرب كانت ذقنه القصير تذيد ملامحه غموضا مع كدماته تظن أنه سائح ما أتى لهنا و تعرض للهجوم فملامحه لا تدل على أنه مصري أو عربي حتى بشعره الأشقر و بشرته البيضاء المشرئبه بحمره و لون عينيه الزرقاء التي رأتها أمس عندما عاينه الطبيب قبل أن يرحل و رغم كل تلك الكدمات في وجهه هى تظن أنه أوسم رجل رأته في حياتها ليس لبشرته البيضاء و لا لزرقة عينيه و لكنه فقط هناك من نظنه جميل الملامح رغم أنه يمكن أن تكون ملامحه عادية و من نراه قبيحا رغم وسامة ملامحه أنه شعور نشعر به و إرتياح للشخص أمامك و لكن هذا الرجل جمع بين الإثنين وسامة ملامحه و إرتياحها إليه ..أستمرت عبير بالإهتمام به مع باقي المرضى المسئولة عنهم و لكنها دوماً ما كانت تبقيه في أخر قائمتها حتى تجلس معه أكبر فترة ممكنه قبل أن ترحل ..مر أسبوع و لم يستفق أو يتحرك فشعرت بالقلق رغم مرور الطبيب و معاينته و تأكيده أن حالته الصحية مستقرة و لا خطر على حياته ..كانت تعود للمنزل و تخبر والدتها بما تمر به في يومها بالعمل و كانت قد أخبرتها عن ذلك الرجل و ما حدث له و أنهم لا يعلمون هويته و لا أحد قد بحث عنه و لا تظهر ملامحه بوضوح حتى تعلن الشرطة عن إختفائه أو يأتي أحد للإبلاغ بأنه مفقود ...
كانت عائدة للمنزل بعد يوم عمل مرهق فقد أتى اليوم للمشفى حادث سيارتين و قد ظلت معظم الوقت في غرفة العمليات بما أنها تعمل في قسم الجراحة فقد كانوا يحتاجون لكل يد عاملة اليوم تشكر الله أنهم لم يفقدو أحدا من المرضى الأتين في الحادث اليوم و رغم ذلك مرت لتره قبل أن تذهب إلى المنزل كانت تسير مسرعة عندما أوقفها عادل قائلاً ..” مساء الخير عبيركيف حالك “
عقدت حاجبيها و شعرت بالضيق منه فهو رغم أخبارها له الا يتحدث معها في الطريق إلا أنه مازال يوقفها كلما رآها ..” مساء الخير عادل أنا بخير .. أرجوك عادل لا تنتظرني في عودتي للمنزل أو عند ذهابي حتى لا يرانا أحدا من الجيران فتسئ لسمعتي لقد أخبرتك مرارا بهذا “
رد عادل بحزم فهو قد مل حقا من كثرة ما طلب يدها و هى ترفض مرة تلو الأخرى ..” أرجوكي عبير أنا أريد التقدم لخطبتك لقد أخبرتك بهذا مرارا و تحدثت مع السيدة امينة والدتك و لكنها أخبرتني أن أخذ موافقتك أولاً فهى لا تستطيع إجبارك على شئ لا تريدينه و أنا أسألك الآن عبير لم ترفضينني هل أنا شخص سئ أم لا أرقى لطموحاتك “
قالت عبير و هى تنظر لملامحه فهو شاب في الثلاثين من عمره طويل القامة أسمر البشرة و له شارب صغير و شعره أسود ناعم و عينيه بنيه كان عادي الملامح و لا يقال عنه وسيم و لكنه لا يخلو من بعض الجاذبية خاصةً أن شاربه يذيده وقارا و بهدوء أجابت لتفهمه أنه ليس به عيبا في شخصه و لذلك ترفضه و لكنها فقط لا تحبه و هى لا تريد الزواج من شخص لا تحبه أو تكن له المشاعر هل هذا صعب الفهم بالنسبة له ..” عادل لقد أخبرتك من قبل أني لا أريد الزواج الآن هذا أولا و ثانياً أنا لا أحبك و لا أشعر نحوك برابط ما و هذا ما أريده من شريك حياتي أن أشعر معه ببعض المشاعر على الأقل حتى أن أستطيع أن أحبه فيما بعد و أنت عادل لست أكثر من شقيق لي هذا هو شعوري نحوك صدقني لو شعرت بأني سأحبك يوماً ما ما ترددت في قبول الزواج بك “
أجابها بحزن و الألم فهو منذ رأها عندما أتى ليسكن بجوار منزلهم منذ خمس سنوات و هو تمني أن تكون زوجته في المستقبل منذ كانت بملابس الدراسة ..” هل هذا رأيك النهائي عبير الا تريدين فرصة لتفكرى أو تعيدي التفكير على الأقل “
قالت بحزم و تأكيد فهى ل ..” أجل عادل و أرجو منك الا تعيد معى هذا الحديث مرة أخرى و لا توقفني في الطريق أيضاً و لا تنس أني أعيش و والدتي و شقيقي وحدنا و لا أريد أن يتحدث أحد عني بسوء إذا رآني أحادثك و الآن سأذهب الوداع عادل “
رحلت تاركه إياه ينظر إليها بحزن واعدا نفسه أنه لن ييأس و سينتظر حتى توافق عليه ...
************
دلفت إلى المنزل بصمت و ألقت بجسدها على الأريكة بجوار والدتها حانقة و هى تزفر بضيق فقالت لها امينة بمرح و هى ترى حالتها تلك حتى تخرجها من ضيقها و لا تلح عليها بالسؤال عن ما يضايقها ..
” مساء الخير حبيبتي .. أجل أنا بخير..و الولدين بخير “
أبتسمت عبير و هى تلقى برأسها على صدر والدتها التي ضمتها بحنان تبعث بها بعض الراحة سأله بحيره ..” أمي لما أنا لست كباقي الفتيات التي تشعر بالفرح والسعادة و بعض الغرور عندما يطلبهن أحدا للزواج أو يعلمن أن أحدا يحبهن لما أتضايق بدلاً من أن أفرح هل أنا غريبة الأطوار أمي “
صمتت والدتها قليلاً ثم ذادت من ضمها بحنان و قالت بتساؤل ..” عادل،عبير..هل مازال يحادثكي “
تنهدت عبير بحزن ..” أجل أمي هل تعلمين أنا أشعر بالحزن عندما أسمعه حديث قاسي و لكنه لا يفهم و يعاود الحديث معى مرة أخرى و كأني لم أقل شئ أنه لا ييأس أبدا و أنا أشعر بالضيق و الحزن و كأني أرتكب ذنبا ما صدقيني أنا حقاً أتألم من أجله و لكن ليس بيدي شئ فأنا لا أستطيع التحكم في مشاعري و أوجهها لتحب هذا و تكره ذلك “
أجابتها والدتها بحنان ..” حبيبتي لم تشعرين بالذنب فكما قلتي قلوبنا لا نستطيع التحكم بها و إجبارها على محبة أحدهم أو كرهه لا تحزني و تضايقي نفسك سيتفهم الأمر إن أجلا أو إن عاجلاً لا تقلقي و لا تهتمي و الآن أخبريني كيف حال مريضك الفاقد الزمن “
ضحكت عبير برقة و هى تتذكره ..” هو ليس فاقد الزمن أمي هو فاقد الوعي و هو لم يستفق بعد أشعر بالقلق عليه أمي لا أعرف و لكن أشعر و كأن هناك رابط يربطني به أعتقد أنه أحساسي بالمسئولية تجاهه لحين يستفيق و نعلم ما حدث معه و من هو و كل هذه الأشياء “
سألتها زينب بهدوء و هى تتفرس ملامح ابنتها ..” أوصفي لي ملامحه عبير كيف يبدو أريد أن أعرف من يشبه “
شردت عبير ثواني قليلة ثم قالت برقة و كأنها تنظر له أمامها لتصفه ..
” ملامحه غير واضحة الآن بسبب كدمات وجهه و لكن كل ما يظهر هو أنه أشقر أبيض البشرة بعيون زرقاء و رموش طويلة كلون شعره .. أنا لا أعتقد أنه مصري أو حتى عربي أعتقد أنه سائح و تعرض للهجوم لسبب ما ولكن ليس بغرض السرقة فمازالت أشيائه موجودة ما عدا هويته هل تعتقدين أنه محتمل أن يكون جاسوسا و دارت معركة بينه و بين المنظمة التي تموله “
ضحكت زينب حتى أدمعت عيناها و هى تجيب ابنتها ..” يا إلهي عبيرأن لك خيال واسع حقاً هل تشبهينني بالمحقق .
زمت عبير شفتيها ..” و ما تفسيرك لما حدث برأيك و لما هو مختلف عنا أن لم يكن أجنبي “
ردت زينب عليها بهدوء ..” أولا لما تقولين أنه ليس مصري فنحن أيضاً لدينا البشرة البيضاء و العيون الزرقاء و الخضراء أيضاً أما شعره ليس غريباً أيضاً فهناك مصرين مخلطين أب أجنبي أو أم أجنبية أو جده جد و هكذا أكتسبوا بعض هذه الصفات الوراثية عن ذويهم و كما ترين ليس غريباً أبدا صفات هذا الرجل “
قالت عبير تجيبها بحيره ..” عموماً أمي سنعلم عندما يستفيق و يتحدث أليس كذلك “
هزت زينب رأسها و قالت ..” بالتأكيد حبيبتي “
صمتت كلتاهما قليلاً و عبيرممخ تقول بجدية ..” أفكر أن أخذ له كتابا لأقرأ له قليلاً أعتقد أن هذا سينشط عقله و يحثه على الإستيقاظ هذا ما نفعله مع مرضى الغيبوبة نجعل عائلاتهم تتحدث معهم و تقرأ لهم لعل حديثهم يصل إليهم فيستفيقون “
أبتسمت والدتها و قالت ..” فكرة ممتازة أفعلي حبيبتي فلتقرأي له كتابا عن المغامرات أو الألغاز لعله يستفيق ليخبرك بالحل “
ضحكت عبيرو قالت ..” سأفعل أمي و أتمنى أن يجدي نفعا معه “
نهضت وقالت ..” و الآن سأذهب لتبديل ملابسي و نحضر للعشاء “
قبل أن تدلف لغرفتها أستدارت متذكرة فقالت متسأله ..” أين يوسف ومهند الشقيين لم أرهم منذ قدمت و هذا غير عادي بالنسبة لهم “
ردت والدتها بمرح ..” و هل سترينهم بعد جلبك للعبة الفيديو تلك التي تأخذ كل وقتهم و لولا إصراري لهم للمذاكرة و قيامهم بواجبتهم لظلا عليها ماكثين “
أبتسمت عبير و قالت ..” حسنا أمي سأتحدث معهم لا تقلقي و أن لم يلتزما بدروسهم سيكون هناك عقاب مشدد لكليهما أطمئني “
ردت زينب براحة فعبير لها طريقتها الخاصة مع الولدين و التي دوماً تصيب و يعودان للألتزام بالنظام المتبع في تنظيم دروسهم و أوقات لعبهم ..” حسنا حبيبتي أذهبي لتبديل ملابسك لحين أحضر العشاء و أجلبي الولدين معك “
” حسنا أمي سأفعل “ قالتها عبير و هى تتجه لغرفتها بهدوء ...
***************
كانت تدلف للمشفى مبتسمة و هى تراه يقف كما تعود عند فتاة الإستعلامات نظر في ساعة يده و عاد للنظر إليها فأبتسمت بمرح قائلة ..” لا الوقت مازال باكرا و لم أتأخر و لا أريدك أن تتوسط لي دكتور “
أبتسم وحيد قائلاً بسخرية ..” إسمها صباح الخير يا فتاة و ليس أتيت باكرا “
ضحكت عبير قائلة بخجل ..” أسفة صباح الخير دكتور وحيد كيف حالك اليوم الن تكف عن مراقبة رنا صباحاً كل يوم أنت ترعبها سيدي “
رفع حاجبه بتعجب مرح ..” أنا أرعبها و هل أنا وحشا أنا فقط رجل عجوز يشعر بالوحدة و يأتي فقط ليبحث عن بعض التسلية بمراقبة القادمين إلى هنا أنا أسليها بوجودي بدلا من وقوفها وحيدة صباحاً كل يوم “
أبتسمت عبير و قالت بمكر ..” حقاً دكتور تسليها أم تراقبها هى لا القادمين كالصقر و تجعلها ترتبك و هى خجولة بطبعها سيدي و أنت تزيد الوضع سوءا بمكوثك بجوار مكتبها كل يوم “
نظر لساعة يده مرة أخرى و قال ساخرا ..” لقد تأخرتي خمس دقائق عبير أنتظري ما سيحدث لك الآن من السيدة الرئيسة “
تذمرت عبير و هى تركض للداخل ..” دكتور وحيد لقد تعمدت ذلك تعمدت تأخيري لن لن أسامحك على ذلك “
ضحك وحيد و هو يرها تركض للداخل ..” بل أنت هى الثرثارة يا فتاة و ليس أنا “
دلفت لغرفة الرئيسة و هى تقول بإرتباك ..” صباح الخير سيدتي الرئيسة“
قالت انشراح ردا عليها ..” صباح الخير عبير ، هيا أذهبي للمريض في الغرفة رقم 20 فالطبيب قد وجده ينزف من جرح صدره عندما ذهب لمعاينته منذ قليل و لا نعرف هل أستفاق و حاول أن يتحرك أم أن أحدا حاول إيذائه أمس “
شعرت عبيربالقلق و هى تتذكر حديثها أمس مع والدتها عنه و قالت ..” حسنا سيدتي سأذهب الآن فهى قد تركته أمس قبل أن تذهب للمنزل و قد كان كما هو على وضعه و لم يستفق بدلت ملابسها و أرتدت خفها الخفيف الذي لا يصدر صوتا حتى لا يزعج المرضى أثناء تجولها بينهم دلفت لغرفته كان كما هو على حاله قدمه معلقه و جرح صدره بضماد جديد نظيف و الجرح في جانبه أيضاً قد قام الطبيب بتبديله قالت من باب التغير معه كما أخبرت والدتها لعله يتحسن ..” صباح الخير سيدي نحن لم نتعارف من قبل و أعتقد أنه حان الوقت لذلك أنا عبير الممرضة المسئولة عن علاجك لقد أخبرتني السيدة الرئيسة أنك كنت تنزف هل آفقت سيدي لم لم تنادي أحدا منا بدلا من أن تتحرك أنظر إلى ما فعلته لقد تسببت في الأذى لنفسك مرة أخرى و الآن ما رأيك في حمام جاف حتى تشعر ببعض الراحة و لكن لا تتحرك لحين أنتهى من تنظيف جسدك أتفقنا“
قامت عبير بتنظيفة بقطعة من القطن بالماء الدافئ المعطر الذي جلبته له معها و بعد أن أنتهت مسحت وجهه بالمناديل المعطرة و حقنت جرعة دواءه التي أمر بها الطبيب في المغذي المتصل بجسده و بعد أن أنتهت قالت بهدوء ..” و الآن سأذهب لأرى المرضى الأخرين و لكن لا تقلق سأعود مرة أخرى فقد أحضرت معى كتابا لتسلي وقتك به “
ضحكت عبير مكملة ..” أنا من ستقرأه لك و ليس أنت لا تقلق و لكن أتمنى فقط أن تكون تعرف العربية فأنا لا أعرف غيرها تركته منصرفة لترى بقية المرضى واعده نفسها بالعودة إليه بسرعة ....