لا أعرف لماذا حين اقتربت من منزل راجح داود فى مصر الجديدة ونظرت إلى الطابق الثانى وشرفته التى لا تحتمل عتمة الليل فتمتلئ دائمًا بالنور، ظللت أنتظر سماع صوت البيانو ليملأ روحى، كما لو كنت على موعد مع صدفة من صدف فيلم «رسائل البحر».
خيالات راجح داود كانت معى، وحمدت الله أن مكان الحوار جرى تبديله ليكون داخل منزله لألقى نظرة على تفاصيل صاحبت رجلًا يؤمن بأن ما بين السطور يمكن للموسيقى أن تراه وتحييه.
البيت شقة صغيرة هادئة للغاية، تلمح عيناك على جدرانها شيئًا من الجمال، غرفة الموسيقى ذات الستائر الوردية، التى طلبتُ من زوجته أن أراها، معبأة بآلات ونوت موسيقية وسكون، وجوه الفيوم مرصوصة بعناية على أخشاب المكتبة، كما لو كانت شاهدًا ومستمعًا أول، أوفر حظًا منّا جميعًا.
على طريقة يحيي المنقباوي يترك راجح داوود الباب مفتوحًا للجميع، على الرغم من جديته في الردود على كل ما يخص الفن، والموسيقى، وحدته أحيانا، كما لو كانت الحياة أمامه أبيض أو أسود، إلا أنه كما قال بطل "أرض الخوف" في انتظار شيء ما لا يعرفه، لكنه يتوقعه، وكل مقطوعة موسيقية تحمل إمضاءه أقرب إلى نبوءات متجاورة ومفاتيح للروح والحياة، حماسه في الحديث عن الموسيقي أقرب إلى شخص اكتشف أن الحياة لديها بابًا خلفيًّا للجنة.
حين أخبرته بأن شخصًا ما كتب عنه قصيدة داخل ديوانه لمعت عيناه كما لم يكن يعرف إلى أى مدى تتغلغل موسيقاه فى القلوب، أو لم يعرف كيف رأينا «الكيت كات» و«أرض الأحلام» و«الراعى والنساء»، وكيف منحتنا موسيقاه مع كادرات داود عبدالسيد طريقًا إلى النور، فرح مثل الأطفال حين رددت بيتًا كتب عنه «أحلى من راجح داود وهو بيفصصلى قلبى حتة حتة»..