في عالمٍ بعيد، أتخيّل أنني أحقق ما تمنّيتُه كثيرًا. أدوّنه داخل مقال، أو أقدّمه فيلمًا وثائقيًا، يبحث عن وجهٍ عابر في مشهدٍ سينمائي قديم. كنت أُولي اهتمامي لتلك الفتاة الصغيرة الساحرة، التي جلست خلف فريد الأطرش وهو يغنّي للزينة الفلاحة، داخل فيلم "إنتَ حبيبي".
أسأل عن الفيلم، عن موقع التصوير، عن الأسماء التي مرّت سريعًا في التتر، خاصة مساعد التصوير محمود بكر.
ويكون السيناريو كالتالي: تذهب الباحثة إلى أحد صنّاع الفيلم، وتطلب من الريجيسير خيطًا، ولو صغيرًا، عن تلك الفتاة التي لم يكن لها سطر حوار، ولا اسم في القائمة. فقط نظراتها التي اختطفت قلب الكاميرا للحظة، ثم انسحبت.
يحدّثني مساعد المخرج، وقد صار شيخًا على عتبة النسيان. وما إن يسمع وصف الفتاة، حتى يبتسم.
يقول:
"أذكرها جيدًا... كانت تنظر إلى فريد الأطرش كما لو أنه نبيٌّ. كان يوسف شاهين هو من أخرج الفيلم. عيناه لا تخطئان الحب. رأى في نظراتها شيئًا حقيقيًا لا يمكن اصطناعه، وقال: «سيبوا الكاميرا عليها لحظة». وهكذا وُلدت واحدة من أكثر اللقطات صدقًا في الفيلم، وربما في السينما المصرية."
أواصل البحث، فأجد تقريرًا في الأهرام، يتحدث فيه رجلٌ يقول إن أمّه وخالته ظهرتا في الفيلم، وكلتاهما ضمن مسافري القطار، لكني لا أصدّقه.
وأعود إلى الخيال، فأرى في مجلس قديم رجلاً يحكي عن أمه:
"كانت تحب فريد الأطرش. تقول دائمًا إنها رأته عن قرب مرة، وإنه قبّلها على خدّها وهي طفلة صغيرة، بعد أغنية كانت تتمايل على أنغامها هند رستم. وكانت تضع صورته في غرفة الجلوس، كأنه أحد أفراد العائلة. سألتها مرة: لماذا فريد؟ فقالت: لأنه رأى فيّ شيئًا، وأنا في حضن الغيطان وتردد " رح تلقاها سارحة الفلاحة .. واقفة من امبارحة الفلاحة ترقبني بفرحة الفلاحة"
في تلك اللحظة، أدرك أن كادرًا صادقًا صنعه يوسف شاهين فعل بي كل هذا
رحم الله الجميع