كانت مرتها الأولى..
جلست أمامه تتفحص الغرفة المؤمنة بعينيها لتطمئن أنه لن يسمعها غيره..
- إزيك.. ها، عوزاني أسمع إيه؟
أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت بوهن:
= انا مش عاوزة أتكلم أو بصراحة مش عارفة..أنا عاوزة أعيط.
- عيطي طيب!
= مهو أنا مش عارفة أعيط، مواقف كتير أوي كنت محتاجة أعيط وأصرخ فيها بس كان لازم أسكت وأثبت، كان لازم أتصرف صح ولوحدي لحد ما نسيت العياط، العياط جوايا بس مبيطلعش.
-مواقف زي ايه؟ احكيلي موقف.
= أنا بردانة اوي..
-أعلى حرارة التكييف؟
= لاء البرودة جوايا.
- إوصفيلي إزاي.
تساقطت الكلمات من بين شفتيها متسارعة غير منتظمة، جملة من الطفولة وأخرى من الأمس البعيد يليها القريب، ويحاول على عجل التقاطها بقلمه بتلك المذكرة الصغيرة لتتراص جملًا وإشارات.
زادت برودة جسدها وأخذت ترتعد، أحضر لها شرابًا ساخنًا حتى تهدأ..
كل ذلك خلال ساعة واحدة، كتب الدواء قال أنه سيساعدها مع نمط حياة مختلف وسيكون كل شيء بخير.
= شكرا يا دكتور.
قالتها وخرجت من تلك الغرفة المخيفة بتفاصيلها والأسرار المباحة المخبأة في جوانبها، ألقت نظرة إلى هاتفها فوجدت عددًا هائلًا من المكالمات الفائتة فتسارعت نبضات قلبها، وهاتفت والدتها..
-وقال إنه هيستناكي على الشارع بقى.
يقود السيارة بسرعة جنونية على ذلك الطريق السريع ويصرخ بقوة
-انطقي قولي كل حاجة قولتيهاله، قولي قولتيله عني إيه؟ قولتيله إني أنا اللي عملت فيك كدة طبعا!!!
= وديني لماما من فضلك.
- كان المفروض أبقى معاكِ عشان متقوليش حاجة من غير إذني أنا، لازم يفهم إن المشكلة فيكِ مش فيا، أنت اللي عملتي كدة انا مليش دعوة. مجنونة أهو وهتاخدي أدوية بسببك أنت مش انا..
أنا كويس ومش هتعالج، إنطقي قولتيله إيه!!
= عاوزة ماما، وديني هناك.
دفع فى كتفها الأيسر وصوت صراخه يعلو ولا تتبين ما يقال، فقط كانت ترتجف..
لم تكن على دراية كافية بالطرق، لكنها على ثقة أن ذلك الطريق خاطئ فزادها الأمر خوفًا. ولكنها رغم ذلك لم تبكِ.. رددت : "عاوزة ماما."
طال الوقت أو قصر حتى وصلت منزل والدتها تشعر بغصة في حلقها وألم في جسدها وعيونها متحجرة..
أقبلت أمها عليها وصوتها يخالطه الشفقة والخوف والقلق
= إيه ياحبيبتي اللي حصل!!
لا تتذكر شيئًا بعد نظرتها إلى عيني والدتها سوى أنها سقطت أرضًا مغشيًا عليها.. عاودتها التشنجات المؤلمة!
=إسمعي.. أنا دكتور نفسي، مينفعش أقولك المفروض تاخدي قرار زي الطلاق مثلا ده مش من حقي..
بس إزاي هعالجك كدة!! إنت زي اللي واقع عليها عمارة، لازم أطلعك من تحتها وبعدين نبدأ العلاج، طول مانتي تحتها الإصابة هتبقى أسوأ وأسوأ.. بتاخدي الدوا؟
= اه باخده.
- لسة التفكير في الموت عندك!
= أيوة.. إمبارح فوقت في وسط الليل لقيتني بزق بإيدي الحيطة في الطرقة وكتافي وجعاني أووي.. كنت حسة إنها بتقفل عليا.