أتعلم أن الاكتئاب عدو بلا شرف، لن تعود من حربه كما كنت يومًا؛ وإن هزمته!!
وأنه وإن بدوت لك متعافية ترك طعنة غائرة في خاصرة روحي تدعى الانتكاسات!
أتذكر سنوات كيف كان يرتع فيها بعقلي، ويحكم قبضته على مراكزه الحسية ليعزلني عن الواقع حتى لم يعد يبعث لجسدي إشارات التذوق، أو الشم، أو حتى الألم..
فلم أترك فنجان قهوة من بين يدي إلا بعدما ابيضت أناملي وانتفخت بفقاعات ممتلئة بالدموع،
ولم أضمد جرحًا إلا بعدما تخضب ما حولي بدمائي ورأيتها،
زادت حروق وجروح جسدي كثيرًا في تلك الفترة وهو -الاكتئاب- يضحك تحت جلدي وجمجمتي.
أتذكر أيضا كيف منعني لسنوات من رؤية وجهي وتفاصيله في المرآة مهما دققت النظر،
جعل عقلي يرفضني وينفصل عن جسدي فلا تلتقط عيني انعكاس صورتي أبدًا، أضحت ملامحي غريبة عني لا أعرفها ولا أعرفني، فأصاب بالارتباك إن أخبرني أحدهم أنني جميلة -كنت سمينة للغاية وقتها لا تستطيع تمييز تجويف فمي من عيني- وأود لو أستعير مقلتيه لأرى ما رأى مني، فأصمت وأشكره بابتسامة مكسورة أعتقد أنها مستمرة معي حتى الآن..
بكيت مرة بحرقة أمام الطبيب عندما طلب مني وصف ملامحي، شعرت بالعجز والهلع حينما بحثت في عقلي عن صورتي فلم أجدها، فحاولت البحث عنها في أعين محبين فلم أجدها أيضًا.. أو أجدهم..
اليوم أنا أعرفني،
أعرف صورتي وملامحي ولدي الكثير من الصور بالمرايا التي تآمرت يومًا مع الاكتئاب لمحوي،
أشعر بالمذاق وأحب أمرّه،
أشعر بالألم وأستلذ شعوره وأشتهيه وقد أستجلبه أحيانًا،
أعرف اكتئابي اللعين وأسبابه، وأعقد معه الهدن والمساومات والصفقات على الدوام،
كأن يتركني حينًا أستر روحي المفتتة وجروحي النازفة بين البشر، وأدقق في تفاصيل وجهي لأضع كحل عيني مسحوبًا بدقة كما أحبه دون أن ترتعش يدي، وسأقدم له روحي بين الحين والآخر في عزلة فاخرة تليق به ينهشني بها وكأن الحرب بيننا مازالت قائمة،
وسنسميها انتكاسة.
#DINA_MONIR