ما بالك لو كنت من صاغها، تلك الأخبار التي تخترق البيوت وتصفع الآمنين وتجتث أمنهم وأمانهم وتملؤهم بالشكوك والمخاوف.
نعم، أنا يا سيدي من كتب تلك الأخبار واجتزأ جزءا من مرارتها ورشقها في قلبه، وألمّح إلى حقيقة ممنوع ان يدلي بها، وراوغ في مفردة حتى يهرب من السيوف التي تشير إليه إذا تجرأ وأخطأ بصياغة الحقيقة كاملة دون (ماكياج) يخفف من بشاعتها فيحيلها أكثر بشاعة.
أنا التي كتبت التقارير السياسية التي بثتها الشاشات وملأتها "ويقول خبراء استراتيجيون - ويرى مراقبون" والحقيقة أنني أنا المراقب رغم أنفه والخبير الاستراتيجي الذي لا يستطيع الجهر بتحليلاته الجهنمية إلا وقد ألصقها بمجهول استراتيجي.
أنا التي تجلس طيلة الوقت والجدران حولها مملوءة بشاشات ضخمة مليئة بالقتل والتفجير والعهر السياسي ولا يسمح لي بالانهيار لرؤية كل تلك الدماء.
أنا يا سيدي.. أنا التي اعتادت أن تحصي الموتى كالحانوتية وتتساءل هل هذه حصيلة نهائية؟؟ أنا التي تتفحص الجثث في الفيديوهات لتصل إلى معنى كئيب غائم يصور هذه المقتلة العبثية.
ها أنا أصل لأوكرانيا...هل وصل عدد القتلى إلى عشرة؟ مئة؟ حسنا، الحمدلله الآن أستطيع أن أصنع خبرا.
أنا يا سيدي ... أنا المجبرة أن أرى وأسمع صرخات واستغاثات غزة ..غزة بالذات.. وأتسمع لأنين الأطفال تحت الركام في فيديوهات خرافية الألم،، الجثث المشوهة..الطفولة المحترقة وقد كتمت دموعي بينما ينهار ما بداخلي رويدا رويدا..وأكفر..أكفر بكل الناس.
هل تخيلت ما أنا فيه؟ ما بالك لو وصلت الجملة بما قبلها لتؤكد المعنى العبثي، ودخلت إلى المسرح من الباب الخلفي مثل مهرج كتب السيناريو وأخفاه وراء الاصباغ لا ليضحك الناس بل ليضحك عليهم، وغازلهم وهو يبْكيهم لأنهم ضحاياه اليوميين..
ما بالك لو كتبت بيدك ما يرفضه راسك ونعيته دون دموع حتى لا تفسد (الكيبوردة).
ما بالك.. لو أنك مجبر كل يوم أن تتكلم مع أبنائك عن المستقبل والحياة وتبتسم وتقبلهم قبل أن يغادروا لمدارسهم وقد أخفيت دموعك لذكرى أم فقدت كل أطفالها دفعة واحدة.. أي ألم ؟! ثم ترسم ابتسامة على وجهك وأنت داخل لغرفة الأخبار رغم ما ينتظرك من جحيم بداخلها... ما بالك !