*ملحوظة* هذه سيرة ذاتية حقيقية حكتها لي وأنا بعد طفلة صغيرة جدتي لأمي السيدة رئيفة "هانم" كامل أحمد جميلة جميلات حي شبرا العريق، التي أرفقت صورتها بالبوست، كما أكملت لي أمي السيدة "سهير عز الدين" ما استعصي على فهمي في طفولتي من تفاصيل حكايات الجدة.
حكت لي عنه، حين كنا نشاهد سويا مسلسل "حديث الصباح والمساء" عن جدها الذي كان يشبه داوود باشا وسط أحفاد عائلته وأحفاده.
حكت لي انه يشبه جدها لأمها"السيد كامل أحمد" في أبهته وكرمه الحاتمي، كان السيد لقبه وليس اسمه ولكنه لقب يسبق الاسم بحتمية وقاره وحالته المادية المتيسرة وأصوله التركية،
حكت بعينين بنيتين واسعتين تلمعان ببريق الماضي، تقول: "كان يجلس بوجهه التركي الأحمر وسط أحفاده - وانا منهم - سعيدا بهم، لا أحد يعلم أصوله بالتفصيل، كل ما عرف عنه أن أصوله تركية استوطن أهله الأتراك القاهرة منذ زمن ولم يغادروها منذ أواخر القرن التاسع عشر."
وفي القاهرة، التقى "جليلة" فتاة جميلة جمالا أخاذا تسكن منطقة "الظاهر" تعشق السينما والفنون، ناعمة قوية الشكيمة كخيط حريري لا يعلم مدى قوته لفرط نعومته، سابقة لعصرها، وربما هذا كان سببا أصيلا لإعجابه بها،
كانت تبدو في ظاهرها باريسية رقيقة ترتدي الفساتين القاهرية مثل بنات الأمراء والباشوات رغم انتمائها للطبقة المتوسطة، فأغدق عليها الذهب والحلي والأموال وشملها بالخضوع التام لرقتها المحببة التي غزت قلبه أمام قوة شخصيته،
نعم تحكمت "بضعف جبار" في هذا الضخم الفخم بقوة شخصية تخفيها تحت فستانها الرقيق وجسدها المنحوت بدقة شديدة وهدوئها، كما دمغتها خفة الظل المصرية التي دغدغت جديته وصرامته وثوراته التركية المفاجئة، فصارت ملكة متوجة على قلبه.
أنجبت جليلة من السيد كامل احمد ابنها البكر "عبدالكريم" الشهير ب "حلمي" ثم انجبت "كمال " وقررت ألا تنجب بعدهما خشية أن يأتي ولد ثالث وهي التي اشتاقت نفسها للبنت رغم "إيمان عميق" يسبق عصره بعقود طويلة بأهمية تنظيم النسل !
إلا أن شوقها لطفلة صغيرة تلقنها أصول الإتيكيت و"الجُكم" كان يلح عليها، واستجاب الله لتنجب "رئيفة" التي جاءت كالقمر بين أخوين وسيمين،
كان الابن الأكبر"حلمي" طيبا متوسط الذكاء شديد البر بوالديه واخوته وانخرط في عمل تجاري طيب بعد ان مالت تجارة الأب للكساد بعد الحرب العالمية الاولى معتمدا على سيرة والده الطيبة العطرة، بينما كان كمال ضخم البنية في غير بدانة مثل أبيه، باهر الذكاء والوسامة بعينين زرقاوين ورثهما أيضا عن أبيه وملامح أوروبية واناقة ملفتة رغم "إعاقة سمعية" شحذت جميع حواسه الأخرى ولا سيما عقله فاستطاع ان يحصل على وظيفة جيدة بإحدى الوزارات زادت من جماله وتعاطف الناس مع إعاقته وانبهارهم بذكائه وقوته الجسدية والشخصية،
كان كمال يقرا الشفاه واستطاع خلال وقت قصير "التحاور" بمنتهى الذكاء بل ساهم في تعليم أخته وأخيه فنون لغة الإشارة لتصير بين الثلاثة علاقة حميمية اخوية غير مسبوقة وصار قرة عين أخته الصغرى "رئيفة"
أما "رئيفة" فقد نشأت مدللة من الجميع لجمالها الباهر وذكائها اللافت وحسن منطقها إذا جلست بمجلس رغم حداثة سنها
وحرصت امها "جليلة" على تعليمها مبادىء القراءة والكتابة واللغات وفنون التطريز، كما تميزت رئيفة بصوت رخيم وورثت عن أمها حب الفن، فكانتا تذهبان سويا خلال اربعينيات القرن الماضي لسينما "سهير" بحي الظاهر وتعرجان على شارع الجيش للتمشية ومنه تركبان الترام لتصلا إلى وسط البلد لشراء اشيك الملابس وأغلاها من محل "الخواجة جاتينيو"
كانت رئيفة مفعمة بالحيوية لا تكاد تجلس في مكان إلا وتأسر رجاله قبل النساء بقراءاتها وحبها للفن وحسن حديثها وجاذبيته، فكانت تزور صالة الباتيناج بحي العباسية المتاخم لحي الظاهر الذي تقطنه حيث تلعب الباتيناج مع أبناء الجالية اليهودية وبعض الممثلات ومنهن الممثلة "آمال فريد" التاي كانت جارتها بالظاهر،
وكانت رئيفة تحرص على التقاط الصور لها "توثيقا" لأناقة غير معهودة موروثة من الأم "جليلة".
كما كانت فتاة ذات عزة نفس كبيرة كأنها استنسخت قلبا وروحا من أمها "جليلة"، فحظيت بحب الجميع ولا سيما الأب والاخوات كما حصلت بالتأكيد على غيرة العديد من سيدات العائلة بعد استوائها فتاة جميلة جمالا أخاذا.
يتبع
دينا عاصم
دينا سعيد عاصم