لا يتوقف فيلم الزوجة الثانية عن إدهاشي في كل مرة أشاهده، وفي غمرة إعجابي بقارورة العسل الخمري الفلاحي سعاد حسني وعبقرية سناء وصلاح منصور، وشقاوة فهيمة "سهير المرشدي" السِلْفة الكيادة"، إن حلاوة تقاطيع سعاد في هذا الفيلم وقوامها اللدن المصري التفاصيل لا تضاهيها حلاوة في أي من أفلامها حقيقة.
احب سعاد ولفرط حبي لها فإن من يحبونني يرون بي ملامحا منها "مع الاعتذار الشديد للست سعاد" وربما هو الحب العميق لروحها هو الذي يجمع الأضداد حتى يتشابهوا قسرا، فنجد الرجل صار يشبه زوجته أو حبيبته على بعد الفارق بينهما، ونرى الصديقين يتشابهان رغم أن احدهما أسمر مثلا والآخر أشقر، إنها الأرواح، إنه الحب !
نعود للفيلم حيث تبقى بعض التفاصيل التي لا تكاد ترى بالعين المجردة لكنها ابدا لا تغادر ذاكرتي، مثل مشهد "فاطنة" حين ضبطت الغفير حسان "عبدالمنعم إبراهيم" يلهط اللبن الصابح ويندمج الإثنان في ابتزاز بعضهما البعض بخفة ظل غير طبيعية، توجع القلب وأهتف في سري"ياعيني ع الفقير يا ولداه" وقد جري ريقي على العسل المغموس بالرغيف الأسمر وعليه تتراقص لهطة قشدة بيضاء فاقع لونها تسر الناظرين.
كذلك مشهد سعاد وهي تحاول إغراء زوجها ببراءة وأنوثة لا أدري كيف استطاعت جمعهما بهذا الاقتدار، ولا سيما أن من علمها اللهجة "الفلاحي" هي والدتها المصرية الفلاحة من جمصة بمحافظة الدقهلية "أبو سعاد سوري هو محمد كمال حسني البابا".سعاد تناديه بخفة ودلال وتمط ندائها في رقة معسولة وتفتح معه مواضيع خفيفة وهو غارق في همومه بعدما صارحه العمدة برغبته في "الزواج" من زوجته !
لا أعتقد أن كاتب السيناريو والحوار "محمد مصطفى سامي - صلاح ابوسيف - سعد الدين وهبة" كانوا في حالة عادية وهم يضعون الإحساس واللهجة ويحسبون حتى إلقاء الكلمة والتنهيدة والحرف بشكل معين كأنه لا فيلم هناك ولا يحزنون بل أناس يعيشون حياتهم دون تلقين أو حتى شبهة تمثيل.ويحضرني مشهد "الصابونه" حين كانت الست سعاد تساعد العمدة أبو عين زايغة في "الوضوء" ويمد يده ليلمس رقبتها قائلا "أني مستخسر الرجبة اللي زي كوز الجمار دي ف العقد الفالصو ده" فتصيح فيه سعاد بحسم وزجر "إيدك يا عومدة" وهنا تدخل الزوجة التي تفهم زوجها جيدا فتدفع "فاطنة" التي تلقي لهم بمنتهى القرف "الصابونه" وتنطقها بنفاد صبر وارتياح انها تركت المكان "المقرف" للزوجين المزعجين.كلما سمعتها تنطق "الصابونِه" بكسر النون أستغرق في الضحك، لهذه الدرجة من الإجادة والتلقائية.
مشهد على بساطته يجبرك أن تفكر جديا بترك "الصابونه" لمن يستحقها وتغادر المكان الموبوء مسرعا قبل أن "تتسخ" روحك،
لن نكون أضعف من "فاطنة" ولن تكون هي أكثر منا شجاعة وهي تلقي بوجه العمدة وزوجته ما " قد" يساعدهما على النظافة" وتغادر مستهينة بكل شيء وهي تتبختر كالإوزة، فلماذا نتردد نحن ولا نكون مثل فاطنة نبقي على أشياء وأناس لا قيمة لوجودنا معهم وكل الإحسان للنفس في الابتعاد عنهم !
هؤلاء الذين لا يريدوننا بل يريدون منا ولا يحبوننا بل يحبون ما نجود به عليهم ولا يهتمون بما نريده طالما نعطيهم كل ما يريدونه، هؤلاء المطففون الذي إذا اكتالوا علينا يستوفون كيلهم وإذا كالونا أو وزنونا يخسرون، أرجوكم اعطوهم "الصابونه" !