"كنت جالسة مع صديقات لي في يوم عيد لقريش وانضممت لهن رغم اني لم اكن على دين قريش فقد كنت حنيفية على دين أبينا ابراهيم عليه السلام.. كنت جالسة معهن حين تمثل لنا رجل غريب نادى فينا بأعلى صوته: يا نساء تيماء إنه سيكون في بلدكن نبي يقال له أحمد يبعث برسالة الله فأيما امرأة استطاعت أن تكون زوجًا له فلتفعل"
وقع الخبر في صدري ولم أفعل مثلما فعلت الأخريات حين رمينه بالحصي..كان قلبي يحدثني أنني أنا هي زوجة النبي أحمد وقد كنت...
نعم فأنا خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، يلتقي نسبي بنسب زوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصي بن كلاب.
كنت أرسل الرجال في تجارتي التي قمت عليها وحدي بعد زواجي مرتين وقد قفلت قلبي عن جميع من جاء خاطبا وكانوا كثر طامعين في جمالي ومالي وحسبي وشهرتي بين النساء بالطاهرة. وانتظرت فمازال بقلبي يقين بأنني زوجة نبي.
وفي يوم من أيام تجارتي سمعت الناس يتحدثون عن محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب وبلغني من صدقه أمانته وكرم أخلاقه ماجعل قلبي المغلق يدق ويفتح على مصراعيه، فبعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مالي تاجرًا إلى الشام فقبل وأمرت غلامي ميسرة وكان شابا طيبا صافي القلب ذو بصيرة أمرته يقوم على خدمته وألا يخالف له أمرًا وأن يرصد لي أحواله، وجعل عمومة رسول الله يوصون به أهل العير،
ويحكي ميسرة يقول لي إنهما لما قدما بصرى من الشام، نزلا في ظل شجرة، فقال نسطور الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي، ثم قال لميسرة: أفي عينيه حمرة قال ميسرة: نعم لا تفارقه، قال: هو نبي، وهو آخر الأنبياء،
ثم باع سلعته، فوقع بينه وبين رجل تلاح، فقال رجل احلف باللات والعزى، فقال رسول الله: ما أحلف بهما قط وإني لامرؤ،"ويقصد انه امرؤ ذو مروءة وصدق فأعرض عنهما، فقال الرجل: القول قولك، ثم قال لميسرة: هذا والله نبي تجده أحبارنا منعوتًا في كتبهم،
ويحكي ميسرةلي انه اذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلان الرسول من الشمس، فوعى ذلك كله وكان الله قد ألقى عليه المحبة من ميسرة، فكان كأنه عبد له،
وباعوا تجارتهم وربحوا ضعف ما كانوا يربحون،
وذات ظهيرة وانا واقفة ارقب الطريق منتظرةالقافلة في علية لي فرأيته وهو على بعيره، ودخل علي فأخبرني بما ربحوا في تجارتهم، فسررت بذلك، فلما دخل علي ميسرة أخبرني بما قال الراهب نسطور، وبما قال الآخر الذي خالفه في البيع، وكنت قد ربحت ضعف ما كنت تربح، وأضعفت لمحمد ضعف ما سميت له
كان قلبي يخفق وانا استمع لميسرة واتذكر محمد بجلاله ووقاره ونقاء سريرته واحترت في أمري فاستشرت صديقتي
نفيسة أخت الصحابي يعلى بن أمية وقلت لها: «يا نفيسة إني أرى في محمد بن عبد الله ما لا أراه في غيره من الرجال، فهو الصادق الأمين وهو الشريف الحسيب وهو الشهم الكريم، وهو إلى ذلك له نبأ عجيب وشأن غريب، وقد سمعت ما قاله غلامي ميسرة عنه، ورأيت ما كان يظلله حين قدم علينا من سفره، وما تحدث به الرهبان عنه، وإن فؤادي ليكاد يجزم أنه نبي هذه الأمة»، فقالت نفيسة لي: تأذنين وأنا أدبر الأمر، فأرسلتها إليه دسيساً تعرض عليه زواجي فقبل،
وكلم زوجي رسول الله أعمامه أبو طالب والعباس وحمزة فذهبوا إلى عمي وخطبوني إليه ولا أنسى أبداهذااليوم فهويوم فرحة العمر وقد قام عمه أبو طالب خطيبًا: فقال
«الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضىء معدّ، وعنصر مضر، وجعلنا حَضَنَةَ بيته، وسوّاس حرمه، وجعل لنا بيتًا محجوجًا، وحرمًا آمنًا، وجعلنا حكام الناس، إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل من قريش شرفاً ونبلاً وفضلاً إلا رجح به، وهو إن كان في قل فإن المال ظل زائل، وأمر حائل، وعارية مسترجعة، اليوم معك وغداً يكون مع فلان وفلان، وهذا يكون غنياً ثم فقيراً، والفقير يصبح غنياً والدول هكذا... وبعد هذا هو ابن أخي محمد والله له نبأ عظيم وخطب جليل جسيم، وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك، وما أحببتم من الصداق فعلي»
، ثم رد عليه ابن عمي الراهب الصالح الحنفي على دين ابينا ابراهيم ورقة بن نوفل وقال: «الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرت وفضلنا على ما عددت فنحن سادة العرب وقادتها وأنتم أهل ذلك كله لا تنكر العشيرة فضلكم ولا يرد أحد من الناس فخركم وشرفكم؛ وقد رغبنا في الاتصال بحبلكم وشرفكم فاشهدوا عليّ معاشر قريش بأني قد زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله على كذا»
ثم سكت، فقال أبو طالب: قد أحببت أن يشركك عمها، فقال عمي عمرو بن أسد: «اشهدوا عليّ يا معشر قريش أني قد أنكحت محمد بن عبد الله خديجة بنت خويلد»، وعلى إثر ذلك تم الزواج المبارك وقلبي يرشدني نحو زوجي بأنه "هو هو"
، وأولم علي زوجي رسول الله محمد فنحر وأطعم الناس، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر، وذلك بعد رجوع زوجي رسول الله من الشام بشهرين، وأصدقني عشرين بَكْرة، وكان سني إذ ذاك أربعين سنة، ولكن كنت بفضل الله أفضل النساء اخلاقا وجمالا ونسبا ومالا
==============/////////
دينا عاصم
.