طنط ايفون وزوجهاالسكير،، طنط زوزو ذات الشعر الأحمر، طنط اوجيني الجمال الباكي،
ذكرني بوست لصديق بأيام فات عليها زمان، كنت صغيرة جدا ربما لم اتعد الخامسة من عمري، وتتركني ماما مع جدتي معظم الوقت، لذا تعرفت على صديقات جدتي اسما اسما، وكانت معظمهن جاراتنا المسيحيات والمسلمات الطيبات الراقيات.
طنط زوزو جارتنا تلك السيدة ذات البشرة شديدة البياض والشعر الاحمر والنظارة المميزة والملامح الرقيقة وطنط مفيدة بسمارها اللافت وخفة ظلها وشعرها المقصوص(a la garcon)
كن يزرنها بشكل مستمر فتتفرغ لهن تماما، تقدم لهن الشاي والقهوة والحلوى في صواني واطباق فاخرة ويجلسن ساعتين او اكثر يتحدثن عن مشاكلهن بهدوء ورقي لا أنساه،
يتدبرن الحلول ويتناقشن دون ان يعلو صوتهن، حتى أنني حفظت عن ظهر قلب وعلى صغر سني كيف كانت علاقة كل منهن بزوجها واهلها وابنائها.
كنت أتعجب كيف تختار جدتي صديقاتها بهذا الجمال مثلها والرقي وهدوء النفس خاصة طنط زوزو ذات الشعر الأحمر .
اما اكثرهن شكوى وبكاء فكانت طنط (اوجيني) وطنط اوجيني هي اخت طنط ايفون جارتنا ولكن توطدت علاقتها بجدتي نتيجة لتشابه الطباع عكس علاقة جدتي بطنط ايفون،
كانتا كالشريك المخالف ورغم ذلك ابدا لا تستغنى احداهن عن الاخرى،
حتى انه لما توفي جدي لم تخلع طنط ايفون فستانها الأسود لمدة عام كامل حبا في جدي الذي كان مثالا للطيبة والشهامة مع جيرانه، خاصة طنط ايفون وزوجها (الطيب السكير)،
فكان ينقذه من يديها حين يعود ليلا ، ويقنعها بأن تدخله البيت شفقة عليه ويدفع لهما الإيجار إذا تعثرت ظروفهما خاصة وان لديها اطفالا من عمر ابنائه،
وكانت طنط ايفون لا تسمع إلا كلام جدي رغم رأسها اليابس وصلابة رأيها وتزمتها الشديد دينيا مع زوج منفلت رغم طيبة قلبه وقلة حيلته،
كانت طنط ايفون تحبني بشكل مخصوص وتتمنى ان تنجب ابنتها طنط ايزيس طفلة تشبهني، فقد كانت طنط ايزيس على جمالها ذات شعر (اكرت) تدفع فيه طنط ايفون مبالغ في (الكوافير)، فكانت ترجو ان يرزق الله طنط ايزيس ببنت لها نفس شعري،، وقد كان!
لذا كانت جدتي تتركني عندها مطمئنة، إذ اشتهرت طنط ايفون بنظافتها التي تصل حد الوسوسة.
اذكر انها كانت لا تحلف إلا(بالمسيح الحي، او ورحمة عز )
وعز هذا هو جدي عز الدين رحمات الله عليه.
اما طنط اوجيني اخت طنط ايفون، فقد كانت تعتبر جدتي مخزن أسرارها فما ان تأتي لزيارة اختها ايفون، حتى تتركها وتصعد لشقتنا تجلس مع جدتي بالساعات تبكي زوجها الذي أجبرت على الزواج به وهو فظ الطباع ولا يتوانى عن ضربها إذا خالفت له امرا.
فكانت جدتي تنصحها بالصبر وأحيانا بالحيل المختلفة لكي تتفادى اذاه، وقد تكلمه تليفونيا فيهش لها ويبش سعيدا بمكالمتها فتوصيه خيرا بزوجته وتهدا الامور لوقت قصير ثم تعود ريما لعادتها القديمة وتاتي طنط اوجيني بجمالها الباكي لتأسر قلبي.
وكنت استغرب هذا المجنون الذي يضرب تلك السيدة الجميلة الرقيقة حتى يبكيها هذا البكاء،
الحقيقة ان شبرا لم تكن مجرد منطقة عريقة او شعبية، بل كانت نسيجا متميزا عن باقي عموم مصر بلا اي مبالغة ،
لذا كان اهل شبرا لهم خريطة جينية مختلفة ولهم تركيبة نفسية مرنة ومرحة ومتقبلة للاخر وبها اعتزاز غريب بمنطقتهم وبانتمائهم لها،
إذ يسكن في نفس العمارة او البيت البك والموظف والتاجر ورجل الأعمال والمسيحي والمسلم والبهائي، لا احد يفرق بين غني وفقير او ديانة واخرى،
أما بيتنا فقد كان عصبة أمم يرجع له الفضل ان كان لأحد فضل علي بعد الله في هذه النفس السوية المتقبلة للاختلاف والمرحبة به، ببساطة،
هيييح شبرا،
(ذكريات رئيفة هانم وزوجها عز الدين )
---
يتبع