أريد صباحا هادئا أبدأه بإذاعة القرآن الكريم، ثم صوت فيروز
أريد نهارا رائقا خاليا من الخذلان، أطهو فيه الطعام على مهل وأكتب فيه رواياتي بتأنٍ، وأستمع فيه لثرثرة من أحب.
أريد أمسية هادئة أمام مسرحية قديمة أو فيلما من أفلام الأبيض والأسود، وتكون البطلة سعاد حسني، وامامي كوب من الكاكاو الدافىء منثورا عليه بعض الشطة الحارة وقطعتان من الكيك البيتي المعتبر.
أريد أمسية مع كتاب له ورق أصفر ورائحة مميزة يحدثني عن الإنسانية ويبحث في ذاكرة الجمال، كتاب له غلاف كأغلفة روايات يحيى حقي تزينه نساء مصريات بملامح مبهجة وملاءة لف وانحناءات دافئة.
أريد مغربية نسيمة في شرفتي المزينة بالريحان والفل ومسك الليل، وكوبا من الشاي بالنعناع على أنغام الست وهي تقول (وأقول لك ع اللي سهرني وأقول لك ع اللي بكاني).
أريد أن أقتسم الرغيف مع الأحباب مغموسا بالرضا.
أريد أن أغادر القاهرة، لمدينة هادئة بعيدة عن ضوضاء العالم وهوسه المجنون بالترندات والتفاهات، مدينة تغفو على شاطىء بحر أو نهر أو بحيرة أو واحة زرع اخضر، مدينة بيوتها بسيطة، منازلها مؤثثة ببلاط ملون يأخذني للماضي بتعريجاته المحببة، وبها بلكونة تطل على الهدوء أشرب فيها الشاي بالنعناع.
ولا أريد من المدنية الحمقاء إلا جهازا للراديو وتليفزيون لا يلتقط إلا قناة أفلام الأبيض والأسود.
لم أعد أريد الندوات والمناقشات.لم أعد أهتم بأوكرانيا والناتو، والحرب في اليمن والإرهاب في ليبيا ووقاحة إسرائيل، وبجاحة ترامب، أريد أن أنسى مشاهد الدماء وعداد الموت الذي لم يتوقف للحظة منذ سنوات وصور الشهداء وصراخ الأطفال.
لقد اكتفيت.
لم أعد أرغب في أن أحرر الأخبار وجميعها تبدأ ب "قُتِل، انفجر، لقي مصرعه، اندلاع، اشتعال، انقلاب، انهيار"
لم أعد أرغب أن أكتب يناء على رغبات جهات سيادية وتحرير تقارير سياسية اضطر فيها لأن أعلن رأيي بلؤم تحت جملة "ويعتقد خبراء، ويرى محللون" .لم أعد أهتم بأزمة المثقفين، بل أتساءل إذا كانوا موجودين أصلا !
وكما قال درويش "فقط..أن نصحو من النوم معافين من الخيبة".
وأنت عزيزي القارىء الجميل ماذا تريد؟؟