أنفي العجيب - إنجليزي ده يا طارق؟ - صباحك النادي يا دبي - عندما غنيت له يا واد يا تقيل
كانت الساعات الأولى من الصباح تحمل لي وجوها مختلفة عن تلك التي ألتقيها باقي اليوم، فأشعر بسعادة.
ففي الصباح المبكر يكون معظم المتواجدين بصالة الطعام والتراس من أصول أوروبية أو إماراتية أو مصرية، يعني من ولاد العرب وهذا ما أحبه، فكنت أتنفس الصعداء ان التقيت جنسيات أخرى غير البنغال والهنود والجنوب شرق آسيويين.
ولست عنصرية إطلاقا ولكني كنت بالفعل قد صدمت منذ وطأت قدمي مطار دبي وكأنني وصلت مطار دلهي، ورغم انضباط الهنود وحسن تعاملهم إلا أني لاحظت في تعاملهم استعلاءَ مبطنا وغير مفهوم، فسّرته الأيام التي تلت وصولي حيث وجدتهم متحكمين بشكل مفزع بمفاصل العمل في كل مكان تقريبا.
لم يكن والد أولادي يميل لركوب مترو الأنفاق على فخامته ونظافته نظرا لأنه ورغم "البرفانات الفاخرة" هناك رائحة مميزة جدا لبعض الجنسيات "كارفة على البرفانات" تصيبني بنفور وهو يعلم أنني أمتلك "أنف بوبي" بوبي مصري أيوة من بتوع الشوارع دول اللي بيشموا الروائح على بعد كيلو ويقيّمون الناس من خلالها.
المهم كنا نركب التاكسي والذي لا يقوده إلا هندي بالطبع، وفوجئت بوالد أطفالي يتحدث مع سائق التاكسي لغة غريبة جدا والسائق يفهمه ويهز رأسه يمينا ويسارا ويبتسم،
ثم وجدت السائق ينظر لي بالمرآة ويوجه لي كلاما بلغته فلم أفهم أي لغة يتكلمها، فسألت المسكين الذي بدأ يشعر بإحباط إذ "لا شيء يعجبني" لأني فقرية كما يقول.
أنا: أية لغة تتكلمان بها؟ هل تعلمت اللغة الهندية ؟
رد المسكين بتسليم: ده إنجليزي يا دينا.
أنا: هل ما كنت تقوله إنجليزي؟ فعلا؟ مستحيل
هو: إنجليزي هندي..هو يسألك هل أعجبتك دبي؟
أنا: ولماذا يسألني ؟ أنا لست سائحة أنا عربية يعني هذه تكاد تكون بلدي، مفروض أنا أسأله
هو: يا ستي هو يعتبرها بلده مثلك وأكثر
أنا: قل له إني سعيدة جدا ومبسوطة الحمدلله لأني في بلدي الثاني
رغم ذلك شعرت أني على ظهر كوكب تاني وأريد الرجوع فورا لبيتي في كوكب مصر -- كوكب شبرا -- كوكب مدينة نصر ومصرالجديدة.
المهم نرجع للفطار...
كان أشد ما يمتعني في الصباح المبكر هو تناول الإفطار في التراس الخاص بالأوتيل، فقد وضعوا فيه أشجارا قصيرة نادرة مورقة مبهرة وأصص زهور جميلة وفوق كل منضدة "شمسية" جميلة تقي من الشمس التي لا تصبر على ليل فتأتي مسرعة بمجرد ما يؤذن لصلاة الفجر،
وكنت أحب أن أتناول الإفطار بالتراس الخارجي أيضا لأستمتع بأصوات طيور غريبة لم أسمع لشدوها مثيلا، وخصوصا طائر لونه رمادي فاتح وله ذيل أحمر طويل، ويسير نعم "يسير" بخيلاء فوق المناضد الفارغة ممتعضا مثل محسوبتكم، حجمه أكبر من العصفور وأصغر من اليمامة،
كان طائرا أليفا رغم إنفته، يأتي إلى مائدتي يوميا يلتقط ما تيسر له من "فتافيت" خبز.
كنت "أفتفته" له وأضعه بطبق خاص به لكي يأكل براحته، والشهادة لله الجدع لا يظهر عليه أي خوف أو توجس مني فيأتي لمنضدتي أنا بالذات ولا يقرب فيما عداي أي منضدة يجلس إليها الناس، فهو يفضل أن يقف على منضدة خالية أو منضدة أجلس أنا عليها،
ولتكرر المشهد فكرت مليا، لماذا أنا بالذات يأتي لي رغم رفضه التواصل مع أي أناس آخرين ما إن يرونه على منضدتي حتى يحاولوا إغراءه ليقف عندهم ولكنه يرفض ويطير بعيدا ثم يعود إليّ مرة أخرى،
إذ أستغرق وقتا لا بأس به خلال إفطاري، ذلك أني أتمتع بفضل الله بأفضل مزاج صباحي لبشر خلقه الله على وجه البسيطة، الأمر الذي يثير ريبة من يعاشرني.
وتوصلت إلى أنه لاحظ بذكائه المذهل أني الوحيدة التي تعد له طبقا خاصا أضعه على زاوية المائدة أثناء إعدادي لأطباقي، فآنس لي واستراح لصحبتي التي أحترم فيها خصوصيته وهو يتناول طعامه وأتبادل معه نظرات الإعجاب دون محاولة مني للاقتراب أكثر.
هذا الطائر الذي لفرط وسامته وغروره كنت أدندن له بصوت هامس "يا يا يا واد يا تقيل يا اااه يا مجنني انا بالي طويل وانت عاجبني"
وسألت كيف يتحمل هذا الطائر الرقيق هذا الجو الحار، فعرفت أن الدولة تأتي بهم من مواطنهم وتطلقهم في سمائها كل عام وهم يتحملون لوقت معين وبعدها يفرون إلى حيث موطنهم الأصلي.
هنا شعرت بإعجاب خفي، فالدولة التي تحرص على الجمال وتقدره، بل وتلجأ لاستيراده إن استطاعت لجديرة بأن أحترمها وأرفع قبعتي لتجربتها، وأعطي نفسي فرصة أخرى، كي أتفهمها.