أعتقد وبكل ثقة أن المرأة المرحة خفيفة الظل أهم ألف مرة من تلك الجميلة ثقيلة الدم قليلة الابتسام بليدة المشاعر،
ومنذ طفولتي لم يأسرني في المرأة المصرية مثل خفة ظلها وقدرتها على رسم الابتسامة والضحكة في عز الحزن، لأن ميزة خفة الظل ان بها ذكاءا فطريا مدهشا.
سافرت لأكثر من بلد عربي وخصوصا سوريا كانوا يرون أن هناك خفة ظل غير طبيعية في المرأة المصرية، يرون فيها ذاكرتهم السينمائية، لدرجة أنهم كانوا أحيانا يضحكون مقدما وقبل أن أفتح فمي بعد ظهور تعبير معين على وجهي وعلى أساس أني مصرية وأكيد سأقول "إفيه" بلهجتي المصرية وفوجئت إنهم "حافظين" إفيهاتنا في أفلامنا ومسلسلاتنا مثلنا تماما،
فكنت أنسجم معهم جدا وخصوصا حين يطلبون مني أن أنطق كلمة ما بلهجتي المصرية، مثل كلمة "جوزي" التي ينطقونها "جاوزي" ويعطشون الجيم أي زوجي، واشتهرت الكلمة وكان لها موقف مضحك جدا، فكان كل من يقترب ليحدثني يطلب مني أولا أن أنطق كلمة "جوزي"بعد أن انتقلت حكاية الواقعة المضحكة بين الموجودين.
فتصوروا في مهرجان للاحتفاء (باللغة العربية) تنتصر اللهجة المصرية بذكائها وخفة ظلها وسلاستها على اذان جميع العرب، ويحاول الجميع ان يتحدث باللهجة المصرية محاكين الافلام والمسلسلات التي كونت طفولتهم وشبابهم !
سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم أحب السيدة عائشة وكانت ذات شعر احمر قصيرة جميلة وكان أكثر ما يميزها بحسب رأيي وقراءاتي هو خفة ظلها وانطلاقها فقد كانت في أوقات الصفاء مثلا تحلف قائلة لا ورب محمد واما اذا غاضبته تحلف قائلة لا ورب ابراهيم فيتبسم سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم،
كما كانت تحب العاب السيرك وهي العاب يقوم بها الأحباش فيتركها النبي صلى الله عليه وسلم تشاهدها وقد فرد لها رداءه تشاهد من خلفه، كما كانت تحب اللاستماع للغناء وتحب الجري، رضي الله عنها ولم يمنعها النبي صلى الله عليه وسلم من كل ذلك بل شاركها بعضه،
ورأيي انها - رغم نصف الدين الذي تمتلكه - الا ان روحها المرحة الوثابة كانت كلمة سر حب النبي صلى الله عليه وسلم لها، فقد كانت له زوجات جميلات مثل السيدة صفية اليهودية وابنة عمته السيدة زينب وكذلك السيدة جويرية بنت الحارث وكانت من اجمل نساء العرب، وظلت عائشة المرحة الذكية الفقيهة على حالها في قلبه.
وبالنسبة لي المرأة المرحة ليست هي الأراجوز التي تضحك طول الوقت فتتحول خفة الروح إلى خفة عقل ولكن خفة الظل عبارة عن "تحبيشة" متكاملة من وجهة نظري.
فالمرأة خفيفة الظل هي التي تستطيع أن تخرجك من حالة حزن ليس بالمزاح فقط ولكن بمشاركة الفكر أو الطبطبة أو طرح الحلول، او التهوين عليك بأي شكل وبسلاسة وذكاء وسرعة بديهة.
والرجل يعتاد زوجته سواء جميلة أو قبيحة فزوج نانسي عجرم مثلا مع الوقت لن يجدها باهرة الجمال نتيجة الاعتياد وستنتصر روحها وطباعها
وكذلك من يتزوج سيدة غير جميلة مع الوقت سيعتاد ملامحها وسيكون الفيصل لروحها وطباعها.
والمثل المصري يقول "وحشة بس نغشة" والنغشة هي المراة المرحة التي تستطيع أن تخلق حديثا فكاهيا جميلا بينها وبين من يجالسها، فالكلام ثلاثة أرباع الجمال بالمناسبة.
المرأة خفيفة الظل لديها حس فكاهي طبيعي لا تتكلفه ولا يكلفها أنوثتها بالعكس يزيدها سحرا وجاذبية فالبعض يعتقد ان خفة الظل لا بد ان تلتقي مع قلة الجمال او "الدهولة"،
لكن بشوية نظر هنلاقي ان شويكار مثلا التي أسميها "الأنوثة الضاحكة" كانت قادرة على انتزاع الضحكات بشكل هستيري من المشاهدين في المسرح أو السينما رغم جاذبيتها وأنوثتها المفرطة ورقيها وشياكتها.
وكذلك شادية في أفلامها الخفيفة مثل الستات ميعرفوش يكذبوا ومراتي مدير عام وعفريت مراتي "إيرما لادوس" كانت مذهلة بجمالها ودلعها وحلاوتها وخفة دمها وصوتها وعيونها الحلوين.
استمعت ذات مرة لحديث بينها وبين زوجها صلاح ذو الفقار واحد الاذاعيبن المشاهير وقتئذ.
اقسم بالله لم اسمع بحياتي صوتا خفيف الظل وضحكات غاية الرقة وكلمات خفيفة مرحة ذكية مثل شادية، لا بجد ده ايه ده يا خوانا؟
ورغم ذلك وللصراحة فإن شويكار بالنسبة لي نموذج لا يتكرر فقد خرجت عن نمط باقي الكوميدانات الستات مثل زينات صدقي وجمالات زايد وماري منيب وغيرهن ممن اقترنت لديهن الكوميديا بتعبيرات وجه مضحكة أو إفيهات معينة أو ملابس غريبة "زينات صدقي" بالذات كانت سيدة جميلة جدا وتعمدت إخفاء جمالها بملابس مضحكة وإفيهات بتقتلني ضحك.
خلاصة القول إن المراة خفيفة الظل كنز لا يفنى حين يفنى الجمال بفعل الوقت أو السن أو المرض لأن خفة الظل هي خفة الروح والروح لا تشيخ ولا تمرض. بس كده.