من ملاحظاتي الشخصية ان ردود الأفعال في الغضب والفرح عند الناس بتتناسب عكسيا مع مستواهم الثقافي، يعني الطبقات البسيطة أو العشوائية تلاقيهم في الحزن صراخ وتصرفات هوجاء حتى تتنافى أحيانا مع جلال اللحظة أو صعوبتها، زي مثلا (حزلقوم لما زعل ووقف يرقص على السرير)
كذلك في الفرح تلاقي زيادة مفرطة في التعبير عن الفرح بشكل يكاد يكون هستيري، أو مضحك.
ايه اللي فكرني بالموضوع ده اني امبارح كنت اجازة، فقعدت اتفرج على اعلانات(بروموهات) المسلسلات، يا نهار ابيااااض على كمية الصويت والصريخ وال....(باردون يعني) الشرشحة والألفاظ الخارجة التي ملأت الشاشات،،
الممثلون كلهم إلا من رحم ربي نازلين (زعيق وحزء) ، معلش مش لاقية كلمة فصحى تعبر عما رأيته بجد، شيء مسيء للمصريين وكرامتهم حرفيا.
كنت في سوريا في بداياتي في 2010 لتمثيل مصر بمهرجان الاحتفاء باللغة العربية في دمشق،
وما قابلته من حفاوة كان فوق مستوى تصوري الحقيقة من كل من قابلني بدءا من موظفي المطار مرورا بسائق التاكسي وصولا للجيران حيث كنت استأجرت شقة لطيفة أنيقة "محندقة" في منطقة "حرستا" إحدى ضواحي دمشق الهادية الشاعرية(تم.دكها بالارض) حاليا ولا حول ولا قوة الا بالله .
المهم كان الناس مبهورين، يعتقد كل من يراني أني نسخة من ممثلة مصرية ما، ف مصر هي الفن في مخيلتهم.
وكان البعض يندهش لأن مفرداتي مختلفة تماما عما توقعوه وعما يسمعونه في المسلسلات ولأني أصدم حين يتلفظون بها !
ويستغربون حين يحمر وجهي وهم يذكرون أغاني بعينها أعتبرها أنا أغاني سوقية جدا وأقسم لهم أني لا أحفظها. رغم ان التدني لم يكن وصل لما هو عليه الان،
وحين أقسمت لهم اننا في مصر لا نتلفظ بتلك المفردات وانها خاصة بشريحة معينة جدا وسط آلاف الشرائح، استغربوا جدا !
وكان أغرب رد فعل تلقيته حين خبطت على بابي جارتي "أم غالية" والست فوجئت اني افتح لها الباب مرتدية ملابسي !
وحين صارحتني باستغرابها صوت بالبلدي مثل بهيجة بنت صلطح بابا حين صوتت بالبلدي وقلت لها "ياختاااي، يا نصيبتي، انتو فاكرين المصريات ايه" فأغرقت في الضحك، وقالت انت شبه سعاد حسني عنجد جدا على فكرة.
قلت لها ألا تعرفي ان سعاد أصولها سورية؟ والدها محمد حسني البابا من سوريا، طبعا الست فوجئت. وان اصرت ان تهبني هذا الشرف الواهم بأن أكون شبه سعاد رحمات الله عليها، مع كامل الاعتذار لحبيبة قلبي.
وبالمناسبة، السوريون شعب مهذب (يقدس) المرأة، كنت مذهولة من احترامهم وتبجيلهم لكل ما هو أنثوي.
أذكر بالخير رجلا شابا كان من رعاة المهرجان، كان لا يحدثني وانا جالسة إلا إذا ركع على ركبتيه امامي واستند بيده على ركبة (ابو اولادي) الذي كان مسافرا معي وقتها،
هو لم يكن يركع إلا لسطوة مصر وحبها الذي رآه متمثلا في العبدة لله، ذلك الحب الذي كان متأصلا في قلوب الملايين من أبناء الوطن العربي.
وكان الرجل يتبسط في الحديث مع جميع الاديبات والادباء ويناديهم بأسمائهم، الا انا، لا يناديني إلا ب (ست دينا).
وكم.كان يضحكني حين يقول لي: (ولوووو ما أشبهك وانت تتحدثين بالست حنان في مسلسل اوبرا عايدة!)
طبعا يقصد حنان ترك.!
ثم يقول لي ضاحكا اتمنى عليك. فأقول له تمنى. فيقول انطقي كلمة (جوزي) حيث انهم ينطقونها (جاوزي) بتعطيش الجيم وفتحها، وكان سألني في أول لقاء، هل الاستاذ هو زميلك المصري الفائز معك؟ فقلت ببساطة (لا ده جوزي) وانتشرت القصة.
وصار كل من يمر بي من الأصدقاء الأدباء والاديبات من جميع أقطار الوطن العربي، يشير لأبو الاولاد ويسالني من الذي بجانبك، فاضحك.
لهذه الدرجة كانوا يعشقون العامية المصرية ويستسيغونها، حتى حين قدموني على المسرح اختاروا نصا بالعامية للتعريف بي وكم كنت فخورة بمصريتي وبمحبة الناس.
هكذا كانت قوتنا الناعمة، تضفي علينا هالة من حب واعزاز، الان ترى لو تحقق الحلم وذهبت لسوريا، بمن سأذكرهم؟ ياختاااي، اخاف ان اتوقع.
زمان كان لدينا قوة ناعمة ترفعنا ولا تحط منا، كانت افلامنا ومسلسلاتنا وممثلين اكواد للذوق والمبادىء والرقي وخفة الظل، حتى وهي ممتلئة بمشاكل المجتمع.
الان أشاهد المسلسلات فأشعر بالخجل. اي والله، حاجة تحزن. احزن على مصر الحلوة التي جار عليها ابناؤها وانسحب البساط الناعم المخملي من تحت قدميها التاريخيتين وذهب متجها للخليج العربي الذكي المتباهي، الذي لا لوم عليه، بالعكس، اغبطه لذكائه وحسن تصرفه.
نهايته، شكرا يا مصريين.