("شا رون" المجرم ابن المجرمين، غرفة تكريم الإنسان"، عبدالفتاح القصري"خليهم اربعة يا حاجة"، اضحكي يا استاذة، )
أشعر اني أعمل في مجال ممتلىء بالجثث والضحايا وان كل ما يدور حولي هو مفردات لا تخرج عن"اندلع/ انفجر/ قتل/ لقي مصرعه/ "
قال لي زميل مخرج مرة، - وانا في قناة النهار- هل سبب "وجومك" انك تعملين في الاخبار؟ هل لو عملت بإعداد برامج منوعات سيختلف الوضع؟
ضحكت كثيرا حتى أنه شعر بسعادة بالغة انه انتزع مني تلك الضحكة الطويلة، قلت له ولكني اضحك كثيرا في غرفة الأخبار؟ قال بعفوية"أين؟ لا اصدق"
بالمناسبة هذا الزميل صار معي على فيسبوك ويرى اني على فيسبوك شخص آخر تماما، ولا يصدق أصلا هذا التناقض الرهيب،
ولكني اصبحت منذ صارحني هذا الزميل برأيه اتعمد ان "أفرد وجهي" بابتسامة محددة لا تفتر ولا تزيد ولا تقل طوال الوقت تقريبا، حتى لا أرعب السادة الزملاء الذين يظنون حتما بعد وصولهم لصفحتي على فيسبوك اني شخص "سكتسوفرينيك" بامتياز.
اليوم، داخل غرفة الأخبار أو ما اسميها"غرفة تكريم الإنسان" في مبنى "التليفزيون المصري العريق" صرت أتندر مع زملائي وتذكرت عبدالفتاح القصري في فيلم" القلب له أحكام " حين كان يقف وسط الحفل يتابع الضرب والركل وال"التورتات" الطائرة وهو بالمناسبة "أجمل حفل في تاريخ السينما" وقف القصري يعدد ضحايا الضرب ويتصل بزوجته لإعداد النعوش حتى فاجئته زينات صدقي بضربة عاجلة تناولت بعدها سماعة التليفون وقالت لزوجته"خليهم اربعة يا حاجة" :)
كان لنا زميل نطلب منه تحرير خبر فيسألنا كم عدد القتلى فنقول مثلا 8 فيقول بجدية تضحكني في سري، لا، لا آخذ أقل من عشرة، كان متصالحا مع عملنا كحانوتية في غرفة الأخبار، اعتقد ان الموضوع أعمق كثيرا من هذا البوست الضاحك الباكي، لكني حقيقة استثقل الإسهاب في هذا الموضوع
ورغم ان المشهد ساخر وأنني أسخر من نفسي في نفسي، ويسخر كذلك زملائي في غرفة الأخبار من طبيعة عملنا التي صارت مثل متعهد محارق ومجازر وفيضانات وحروب وصواعق وحرائق غابات، لذلك صرت اشعر أني "أتنشق" على طعم الحياة، على الكلام الحلو، على مظاهر البهجة، على الامل،
ومع ذلك هناك أحداث لا استطيع تجاهلها،
مثلا مذبحة صابرا وشاتيلا "1982" التي حدثت على مدار 3 ايام في مخيم للفلسطينيين بلبنان في مثل هذا اليوم وقام بها جيش الاحتلال وبعض عملائه بلبنان
التفاصيل التي جمعتها " لنفسي" قتلتني.!
ففي صمت وتكتم شديد وقف المجرم "شا رون" ليلا ومن أحد اسطح البنايات يشاهد عمليات الذبح وتقطيع الأوصال والاغتصاب وبقر بطون الحوامل وخصوصا الاطفال والنساء حتى تم القضاء بالأسلحة البيضاء و"البلط" والفؤوس والمسدسات والقنابل الفسفورية على نحو "3 آلاف فلسطيني" تقريبا ومعظمهم نساء وأطفال وفي جنح الظلام لم يستطع أحد النجاة إلا أفرادا معدودين أدلوا بشهادات مروعة حول أسوأ مجزرة في التاريخ/
امتلأت الشوارع بالجثث والبيوت بأشلاء الأطفال والنساء وتم اقتياد اطباء وممرضي مستشفى عكا لمكان بعيد وتم تصفيتهم ، كنت أبحث عن الصور فأشعر بغثيان شديد، رباه ماذا فعلنا بإنسانيتنا؟؟ وكيف لا أكره تلك المهنة البائسة التي تجعلني رغم كل شيء ارى الجمال حولي مهما كان ضئيلا واقدر السعادة واخترعها مهما تكاتفت الاحزان، ولكن...
هل ننسى؟ هل ننسى ؟
هل نستطيع أن ننسى "شا رون" المجرم الذي امل ان تكون( المح - رقة ونار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة ) هي مصير عظامه وان يبدله الله لحما طازجا كلما تفحم لحمه في النار ليتفحم مرة أخرى وهكذا لأبد الآبدين وكل من شارك في تلك المقتلة العظيمة ، يا رب يا رب
عموما سامحوني لو شاركتكم شجوني، ولكن احب ان اتذكر واحكي لأولادي ويجب ان تحكوا لأولادكم حتى لا ننسى اعداءنا ، حتى لا ننسى وسط هذا السيرك، الذي سميناه حياة !
دينا عاصم