غرام في الشارع - سيميط وبيض ودقة" - السيميت التركي - على كوبري أكتوبر ماشية وماشية الناس
---
منذ فترة طالت لأشهر وأنا أبحث عن بائع السميط الذي كان يقف في الإشارة أمام مبنى التليفزيون فأتوقف بسيارتي أمامه أو أناديه فيهرع من الرصيف الثاني يصارع نهر السيارات المنساب بلا توقف حتى يلحق بي ويقبل نحوي بالسميط الذي يملأ به "سبت خوص عليه ثلاث خشبات يعلق فوقهن السيميط المدور وبداخل السبت قراطيس أو أكياس"الدقة" وأحيانا بيض مسلوق (ايام كان البيض طعام الغفير والوزير).
وقد أتأخر قليلا فأجري بالسيارة كي أستطيع اللحاق به في وقفته بجانب عسكري المرور في مطلع كوبري أكتوبر من ناحية التحرير.
أسمع أبواق السيارات "تشتمني" فأتجاهلها وأنا أبتسم للشرطي ببراءة تهزم حرارة الشمس وطابور السيارات من خلفي فيستسلم لوقفتي وأشتري بدم بارد وقلب ميت سميطات مسمسمة وكيس دقة يسد معي لثاني يوم وأكاد من فرط الحلاوة أذوب،
جميع السيارات والميكروباصات والموتوسيكلات الذين يمرون بجانبي وكعادة المصريين فإنهم يدققون النظر في راكبي السيارات وعندها ينظرون ليدي وأنا آكل بكل تلذذ بنظرات فضول واستغراب وربما حسد، أضحك في سري وأدندن بصوت خفيض للرائع عدوية أغنيته الخالدة "على كوبري عباس" ولكني أرتجل قائلة "على كوبري أكتوبر ماشية وماشية الناس.. ماشية تبص عليكي يا دينا وانت بتاكلي سميط".😁
ولأني لا أستطيع أن أقاوم رائحة السميط وطعامة منظر السمسم فإنني أبدأ فورا في التهامه و تغميس الدقة بيد وأمسك طارة القيادة بيدي الأخرى "الديريكسيون" مستغلة الزحام الذي يجبرني على التوقف لدقائق مستلهمة من منظر النيل وأغاني أم كلثوم التي تبدأ في الثالثة عصرا "SHARP" على إذاعة الأغاني متعة بسيطة تكاد تكون مجانية خالصة.
نعم أعلم جيدا أن القانون يمنع الأكل أثناء القيادة، وكثيرا ما كنت أعتقد أنني نجوت من "المخالفة" لكن فجأة تهزمني رائحة السميط فلا أستطيع مقاومتها لا هي ولا الدقة.
تلك المتع الصغيرة البسيطة تزين حياتنا دون أن نستشعر بهجتها في كثير من الأحيان وتثير سخرية عيالي من فرحتي بها ومن بساطة رغباتي وعجائبيتها.
والغريب أنني حين كنت في تركيا لم يعجبني الأكل التركي وشعرت أنه تم الترويج له بشكل مبالغ فيه بالضبط كمسلسلاتهم المتواضعة فكرا المبهجة مناظرا والتي لا تعبر إطلاقا عن الأتراك الذين رأيتهم في تركيا.
وأن الحقيقة أبسط كثيرا وأن المطبخ المصري أو "الشامي" والمغربي يضرب المطبخ التركي - باردون يعني "بالقلم" - أكرمكم الله.
لكني بالأمانة وقعت في غرام "السيميت" التركي الذي ذكرني بالسميط بتاعنا "ويبدو أن الأتراك غشوا منا الاسم والطريقة ببعض الرتوش والحركات بتاعتهم، حيث إن السيميت التركي غارق في السمسم والعسل الأسود وأكثر سماكة "مدملك يعني" واستدارته أصغر حجما من السميطة الغلبانة بتاعتنا.
وصرت أتناوله في ميدان تقسيم، تارة في محل فاخر مخصوص اسمه "سيميت" وتارة من بائع جائل يجلسني بجانبه ويقدم لي "استكانة الشاي" "والاستكانة هي كوب شاي زجاجي صغير يظهر من خلاله لون الشاي ودرجة ضبطه إذا كان خفيف أو ثقيل أو مضبوط..كما تختلف رائحته عن رائحة الشاي في المدعو "مج" أو الفنجان وفي رأيي أن الشاي في الفنجان له طعم وجو مختلف...
ونعود لكوب الشاي الاستكانة الذي اعتدت شربه في الشارع بتركيا...فهذا الكوب كان يقدم لي أيضا "محبة كده" لأني " ميسريت " يعني مصرية حيث اكتشفت أنهم يحبون المصريين أكثر من معظم الجنسيات بلا سبب معلوم لي، ربما خفة الظل التي تميزنا أو بساطتنا في التعامل دون عنجهية، فالكل سواسية أمام خفة ظل المصريين ويستوي لدى معظمنا الوزير لو كان متعجرفا فنسخر منه ونعامله بازدراء والطيب نعامله كالباشا حتى لو كان بائع "سيميت" متجول.
وهكذا يا حبايبي تظل أسطورة السميط في حياتي عابرة للقارات وتصاحبني أينما كنت لدرجة أني تعلمت طريقة عمل "السيميت" التركي في البيت ورفضت تماما أن أتعلم طريقة السميط المصري مفضلة أن أشتريه من أصدقائي الباعة الجائلين.
بونجور يا حلوين
وعلى فكرة..مصر الحلوة
وفلسطين حرة من النهر إلى البحر