يختلف تعريف الحب من شخص لآخر ومن أسرة لأسرة، بل وتختلف قوته من سلسال إلى سلسال،
وعندنا في عائلتنا تكون أجمل لحظات الحب وأعمقها، حين نشاهدحبايبنا يأكلون من عمايل إيدينا أو ينامون "نوم العافية" كما نسميه في عائلتنا،
هنا نشعر بالارتياح وبقمة النشوة، فالحب عندنا مرتبط ارتباط تراثي وراثي بالأكل والطهي.
منذ سنوات قليلة وفي صباح أحد أيام العمل وكنت ساعتها في قناة"النهار" ولأني استيقظ فجرا، طلبت مني لي لي بنتي أن يكون الغداء مسقعة.-مسقعة يا ظالمة؟
-والنبي يا ماما..وحشتني أوي
- يا لوللا المسقعة يعني ميت صنف وميت خطوة...ملامح وجهها الأسمر المسمسم وطعامتها وهي تستعطفني بدون كلام تفعل مفعول السحر على قلبي، وخصوصا أن الكلام على طعام يعني الحب كله.
- هييييح حاضر يا لوللا..
وهكذا كان القرار الصعب بطبخ المسقعة صباحا، لأن المسقعة قراااار، والمسقعة لمن لا يعرفون ما المسقعة وما أنواعها، هي قرار بأن تسعد من تحب بطاجن سواء باللحم المفروم أو بدون لحم أو باللحم المفروم والبشاميل،
وقد تزيد من الدلع فتضع لها البطاطس المحمرة.
وقد تقرر أن تستمتع بها دون شريك من باقي الخضروات، فالمسقعة مدارس وأسرار عائلات لا ينبغي الخوض فيها على الملأ وإفشاء أسرار طهيها لأنها ستخدش حياء هؤلاء المساكين من تابعي الدايت.
وفي ذلك الصباح الباكر، ولأني أحب رائحة الخبيز تملأ البيت في الصباح،فقد قمت بخبز رغيفين بالدقيق الأسمر والينسون قبل أن أبدأ.
ولأني لا أحب الزيوت في الطعام فقد قمت ب شي "يعني شواء" الفلفل الحامي والباذنجان الرومي الأسود والفلفل الرومي الأحمر والأخضر والأصفر وقرون الفلفل الحامي في الفرن بعد أن مسحت عليهم بمسحة رقيقة من زيتالزيتون،
ثم رق قلبي لهم فقررت أن لا أتركهم حتى تمام النضج وقبل أن يتحولوا للون البني المحبب لمعظم الناس قمت بإخراجهم من الفرن بعد أن أعطاهم قبلته باللون الذهبي المذهل.
وهنا انتحيت بهم جانبا في صحن ملون بنفس ألوان الفلفل "وأنا أفضل الالوان الزاهية في أواني الطبخ أو الأبيض السادة لكي يظهر لون الطعام ورونقه،
وأزحتهم بعيدا بعدأن مزجتهم بتتبيلة خاصة من الثوم والخل والشطة الحمراء وتركتهم يتجانسون بعيدا عن أعين المتلصصين، بينما تداعبهم رائحة الثوم المفروم على النار الهادئةبزيت الزيتون عديم الرائحة مضافا إليه مكعب زبد صغير خصوصا بعد أن أضفت له قطرات من الخل فصارت رائحة الخل والثوم جريمة متكاملة الأركان ولها بهجة و ذات مذاق خاص جدا على صباح ربي.
ولم تكد الطماطم التي تم عصرها ودمجها مع معجون الصلصة و مفروم البصل تشم رائحة الخل والثوم والفلفل الأسود والأحمر حتى قفزت داخل الحلة الاستانلس"المقبية" ورقصت الطماطم المعصورة بلونها الأحمر الملكي وظلت تتقافز بفقاعاتها الحمراء معلنة انتهاء "التسبيكة".
وساعتها، احترق قلب الفلفل بكل ألوانه وصديقه الأسمراني (الباذنجان) غيرةً من الطماطم،
فقررت أن أحسم المعركة لصالح الآنسة لي لي وقمت بغمس الباذنجان والفلفل بألوانه الثلاثة والفلفل الحامي في التسبيكة وتركتهما على نار هادئة ليمتزج الجميع وتقف لي لي على يدي ترجوني أن تفطر من المسقعة فلا صبر لها على الانتظار حتي أعود من العمل لنأكلها سويا مع أرز أبيض بالسمن البلدي.
و طبعا.. لي لي تكسب، ولكنني لم أنس زملائي بالعمل فاحتفظت لهم بنصيبهم منها و...
وذهبت للعمل ومعي "المسقعة" والعيش البلدي الساخن.
ولكم أن تتخيلوا، وقع الجميع في غرامها، داليا أبو عميرة صديقتي المذيعة الجميلة وسمر غانم المخرجة اللهلوبة ورحمة خالد المحررة العفريتة وإسلام محمد المونتير المجتهد، وتهافتوا عليها جميعا وهم أحب لناس لقلبي،
وأكدوا لي أني أنافس فيها كل المطاعم التي تقوم ببيعها بمدينة الإنتاج الإعلامي وخارجها.
كنت أنظر لهم بحب شديد وهم يأكلونها، مش بقول لكم... أسعد لحظاتي أن أشاهد من أحب وهو يأكل..وفعلا..الحب بهدلة.
دينا سعيد عاصم
فل سطين حرة من النهر للبحر 🇵🇸🔻🍉