اقبض على يدي وتشبث،
مازالت في جعبة الزمن دقائق يمنحنا إياها قبل أن تتطاير أشلاؤنا، رائحة البارود تزخم أنفي.
وهذا الدخان الرمادي تغلغل في خصلات شعري، فلقد نسيت خماري قبل أن نهرع سويا خارج حجرتنا، ولما وجدنا الرصاص يتطاير احتضنتني بقوة وعدنا لحجرتنا،
غبنا في حضن طويل ونسينا القصف لكن يدي وهي تحتضنك صادفت قميصا رطبا،...بدمائك !
أوتعلم؟ أوصتني أمي منذ شهور ألا أخلع غطاء الرأس أبدا استعدادا لملاقاة الموت في أية لحظة، قبّلتني ولثمت كل خصلة فيه قبل أن تتخاذل يداها وتغلق عينيها للأبد.
استطيع أن أهمس لك الآن أن زفافنا كان اسطوريا غريبا، بقعة ضوء وسط ركام الهدم يزفنا أطفال الحي المتبقين رغم انوفهم وبعض الجيران الملتاعين على ذويهم، يزغردون رغم حرقتهم ويبكون فرحا بالانتصار على الموت ولو لدقائق أخرى، يزفوننا لحجرة عبقرية لا ندري كيف أفلتت من الحطام في بيت مهدم تجاهلها الدمار بأعجوبة فنجت كما نجونا نحن "ساعتها".
كيف حولنا نهمنا للسعادة ولو لمرة اخيرة إلى عفريتين صغيرين يتقافزان على سرير مجهد ينتظران أن يتخطفهم الموت في اية لحظة، لذا نهلنا من السعادة كما لم ينهل أحد،
مازلنا نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا، هكذا قال الدرويش !
الآن يا حبيبي،
ها انت الآن بين ذراعي كما أحببت دوما أن تكون، مستسلما تماما، أخبئ وجهك الحبيب في صدري وشبح ابتسامة يلوح على شفتيك المطبقتين على اسمي، آخر ما نطقت به،
اتفهم ابتسامتك فلقد نجوت أخيرا، اهدأ بالا، اشتد القصف ولم يبق بالحي سوى حجرتنا، مازال بالجوال نفس أخير مثل صاحبته،
التقط لنا صورة اخيرة، .....