استيقظت فجرا، ها هي نسائم سبتمبر تتسلل من بين ثقوب شباكي "الشيش" وتبشر باقترابه، نعم اقتراب الشتاء، حبيبي !
كنت قد رفضت تماما أن أضع في ببتي - خصوصا حجرات النوم - شبابيك ألوميتال، فليس أجمل من الشيش والزجاج، ولذلك ما أجمل أن يتسلل نسيم الفجر تصحبه تمتمات المصلين من الجامع الملاصق لبيتي، وانسلال ضوء سماوي ليلكي خفيف وهادىء يضيء حجرتي.
بعد الصلاة وطقوس الإفطار المبكر على صوت قرآن الفجر المشهود، جلست اشرب الشاي باللبن بجوار الورد في بلكونتي حين فاجئتني نسائم سبتمبر، حانية، رقيقة تزيل بعضا مما فعله بي يوليو وتوأمه أغسطس،
رفعت قدمي وتربعت على الكرسي البامبو وتكورت ساندة ظهري على حائط كنت قد لونته الرسومات نوبية مع بناتي فترة الكورونا كنوع من شغل أوقاتهن - واستكنت في جلستي ببلكونتي سعيدة بروائح الفل والياسمين والريحان.. لم تطلع الشمس بعد ولكن الصبح تنفس وأشرقت الأرض بنور ربها وصوت العصافير صاخب ومبهج..دندنت لنفسي رائعة فيروز "ياحلو يا حبيبي مابيعك بالدني" .
نظرت ل "مسك الليل"، كان قد استسلم للنعاس فهو لا يهمس برائحته الخيالية إلا ليلا، حواره الهامس لي من أهم طقوس المساء عندي، أشرب الشاي بالنعناع في بلكونتي ليلا فينشر رائحته حولي احتفاءَ بي.
أجلس بجانبه فيدفعه النسيم دفعا ناحيتي ليميل علي متدللا ويقترب مزهوا برائحته الملائكية، يقترب بفروعه وأوراقه من رأسي كأنما يود أن يُسِّر لي ب سر خطير.
في الضحى، اتصلت بعم عبد العزيز "الجنايني" أطلب منه أن يأتي لإزالة بعض الحشائش الضارة ولأن ريحانة من رياحيني كادت تذبل ، فوجئت بعم عبدالعزيز يقول لي بمصريته الخالصة (تؤمريني يا وردة)، سرحت راجعة للوراء حين كان رئيسي يناديني "يا ورد" ي قناة "أون تي في"
كان ياما كان، كان لي مدير غرفة اخبار عراقي الجنسية يحبني كثيرا، وأعتبره صديقا واخا أكبر ومَعلما في مجالنا "بفتح الميم وتشديد اللام".."أسطى يعني"
قال لي يوما (دينا، تعرفي لم اخترتك للعمل هنا؟ قلت، لاني شاطرة في الصياغة الإخبارية قال لا ، الشطارة بتيجي غصب عنها لكني أتخير لفريقي فتيات لا أخشى عليهن "ولا منهن"، بسيطات مثل الورد جميل والأجمل أنه محاط بأشواكه مثلك، لذا تدللي يا ورد ..!
وهكذا صار يقولها لي دوما كلما طلبت منه شيئا،(تدللي يا ورد) الله يسعد مساءه بالخير يا رب ويجزأه عني وعن زميلاتي خير الجزاء، تعلمت منه خبرات حياتية وعملية لا تقدر بثمن.
عم عبدالعزيز: ريحانتك الصغيرة، خسارة والله، ما هذا؟؟ أين الورد البلدي..آه ها هو... وأين القرنفل، حبيبك الذي لا تعدلي به أي زهرة أخرى؟ آآه ازدهرت وروده البيضاء فقط؟ أين " البمبي؟ "
أنا: تفتحت منها وردتان وقطفتهما .
أنقذنا الريحانة، لكنه حين رأى حزني عليها، أشفق علي، يعلم ارتباطي بتلك الشجيرات البسيطة التي أعتبرها جنتي على الأرض على صغر مساحتها.
طلب مني أن أتمهل قليلا قبل أن يحضر لي إصيصا جديدا به زنابق شتوية، لا أدري هل خاف على الورد مني وأنا بهذا التشتت؟ أم يعطيني فرصة لاستوعب الدرس !
شتوية انا كالزنابق والقرنفل والورد البلدي، يخنقني الصيف، انزوي انغلق على ورودي، إذ حتى إنتاجي الأدبي يقل صيفا، ربما يزدهر في الأسبوع الذي نسرقه على البحر في الساحل الشمالي، لكنه يعود للانزواء ونحن نقترب من القاهرة.
أفقت على كلمات عم العبدالعزيز وهو ينادي مصفقا قبل أن يترك البلكونة عابرا الصالة التي تفضي للبلكونة: الطريق يا ورد... انتبهي للنعمة !
أحيانا كثيرة علينا أن ننتبه لأنفسنا، ذلك أنه حتى في غمرة الارتباك، علينا أن نسقي ورودنا، ونحيط أنفسنا ببعض الأشواك، لكي لا تجرحنا يد مرة أخرى.