منذ أن استولت الست حكومة على جراج ماسبيرو وقد تفرقت دماؤنا "نحن العاملون في التليفزيون" بين السايس وال"الخرائب" المتاخمة للمبنى العتيق حيث نضطر لركن السيارة ودفع مبلغ وقدره مع ترك المفاتيح للبيه السايس حتى يستطيع تحريكها وقتما يشاء.
ولما تعبنا اضطررنا جميعا للاستعانة بالمواصلات والأوبر.
بالنسبة لي فإن الأوبر في الصيف رحمة، ولكن في الشتاء أفضل دوما أن أركب أتوبيس 66 وأختلط "بملح الأرض" من محطة بينها وبين بيتي ثلاث دقائق مشيا، وهما ألطف ثلاث دقائق في اليوم، نظرا لبرودة الجو صباحا،
وربما يكون الجو ماطرا فأستمتع بالرائحة الجميلة للبيوت والأشجار بطريقي حتى أتوقف عند البناية التي أركب الباص من أمامها,حارس البناية رجل عجوز له شعر أبيض وذقن ثلجية وهو على كبر سنه نشيط، مهندم يرتدي دوما قميصا فوقه صديرية صوفية،
أجده كل يوم يعتني بالورود والأشجار القصيرة المتنوعة التي زرعها على جانبي البناية ويرويها ويشذبها,نشأت بيني وبينه مودة صامتة نظرا للقائنا الصباحي المعتاد في الشتاء،
أقبل عليه، فيفسح لي مكانا على مسطح رخامي محاط بالورود أجلس منتظرة الباص، والحارس واقف عاقدا يديه خلف ظهره المحني يحرسني بعيني اب، وما إن أركب الباص حتى يستدير ليعود لمكانه داخل البناية الدافئة.
اليوم، وبعد أن غبت عنه طيلة الصيف وهل الشتاء علينا ليفاجئنا بروائحه الجميلة حتى عدت لركوب الأتوبيس، وما إن اقبلت عليه اليوم حتى هش وبش وأفسح لي مكاني المفضل على المسطح الرخامي وبادرني لأول مرة قائلا "صباح الورد والياسمين" ثم قطف لي ياسمينة وناولها لي،
محسوبتكم بقى تاسرها تلك اللفتات الإنسانية الجميلة التي لا تحدث إلا في بر المحروسة حيث الناس الحلوة وكمان الناس الحلوة، وقررت أن اشارككم تلك اللفتة الجميلة. وابلغكم بالمرة أنني بصدد بدء مجموعتي القصصية الجديدة "أتوبيس 66" والتي أحببت أن أبدأها بهذا الموقف الذي أسعدني وصنع سعادتي الصباحية،
يا صباح البونجور يا أهل المحروسة حبايبي