أتظنّ أنك تعرف معنى الصبر لمجرد أنك تقول: "الصبر مفتاح الفرج"، أو تتلو: "إن الله مع الصابرين"، وتتنهد قائلًا: "الصبر طيب يا أخي"؟
أين الصبر وأنت، عند كل مصيبة، تيأس وتجزع؟
أين الصبر وأنت تشكو همومك إلى صاحبك، أو حين تطلب حاجتك من أحبابك؟
أين الصبر وأنت تمشي متثاقل الخطى، منحنيَ الظهر، كأنّ هموم الآخرة جُمعت على كتفيك؟
أين الصبر عندما تذرف دموعك عند أهلك، أو حين تتذمّر على معيشتك، وتسبّ بلدك ومن حولك؟
تذهب صحتك بقلقك، وتسوء نفسيتك على وضعك، وأنت لا تجد فائدة!
أتظنّ أنك فارس جَلْد، وأنت كالثكلى حيثما حللتَ تشكو وتندب؟!
صدق سيّدنا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) إذ قال:
غِنَى النفس يكفي النفس حتى يُكفّها،
وإن أعسرتْ حتى يضرّ بها الفقرُ،
فما عسرةٌ فاصبرْ لها إن لقيتها،
بدائمةٍ حتى يكون لها يُسرُ.
فالصبر ليس مجرد كلمات، بل أن تصمت عند قضاء الله، وأن تستقبل أقدارك بكل حبّ لفعل الله، وأنت تحتسب أجرك وثوابك عنده، وتدعوه وتسأله كل شيء — حتى أصغر حاجة؛ فهو الجواد الكريم، حاشاه أن يقنطك أو يخيبك.
الصبر أن تبقى متمسّكًا بحبل الله، الذي هو نجاتك، وأن تتفاءل بعوضه وجبره لفقدانك، وهمّك، وكَسرك.
وأن تبقى على يقين بزوال كل ملمة ألمّت بك، وبراحة بعد كل بلية جارت عليك حتى أنهكتك.
واعلم أن لكل مشكلةٍ حلًا، ولكل كسرٍ جبرًا، ولكل ضيقٍ فرجًا، إلا مصيبتك في دينك؛ فهي كسرٌ ليس له جبر.
فادعُ الله دائمًا وأبدًا ألا يفتنك في عبادتك، وألا يجعل مصيبتك في دينك.
واستحضر عند الملمات حكمة أمير المؤمنين (عليه السلام):
اصبر قليلًا فبعد العسر تيسيرُ،
وكل أمرٍ له وقتٌ وتدبيرُ،
وللمهيمن في أحوالنا نظرٌ،
وفوق تقديرنا لله تقديرُ.
فمهما كانت مصيبتك، ومهما كان حجم بلائك، فاعلم بديع حكمة الله في عباده.
فإن الله، أيها المؤمن، يسلبك أحبّ ما لديك وأعزّ ما تملك؛ ليمتحن صبرك، ويشدّد على قلبك، ويُمَحّصك، ثم يبهرك بواسع رحمته وفيض جوده.
يأتي العطاء على قدر البلاء، بل وأجمل وأقرّ للعين.
واعلم أن كل شيء يخبّئه الله لك يأتيك في وقته المناسب، وفي مكانه المناسب.
إن الذي رتّب الكون لا يعجز عن ترتيب حياتك الصغيرة بتدابيره اللطيفة… كابتسامتك هذه.





































