الألم ،
هذا الشعور الذى يدركنا بدرجات متفاوته ،
هذا الشعور الذى نختبر معه أعراض جسمانية كإضطراب ضربات القلب إذا كان سبب الألم نفسى...
و نختبر معه أعراض نفسية كالخوف و الإكتئاب إذا كان سبب الألم جسمانى أو عضوى...
هذا الشعور المضطرب الذى يدركنا فجأه ...
و أحيانا بدون أسباب معروفة ... فنعانى منه لفتره حتى نتعافى...
و لكنه يظل يلازمنا طوال هذه الفتره ،
نحاول نسيانه أحيانا ...
الهروب منه أحبانا أخرى...
علاجه عندما ندرك اننا لن ننساه و لن نهرب منه...
هذا الشعور الذى حينما وجد ( سواء فينا أو فى شخص عزيز أمامنا ) نستشعره و بقوه ...
و نتلمس قوته أو ضعفه كأنه ملموس ، مع إنه مجرد شعور غير ملموس...
هذا الشعور الذى نخشى الكلام عنه ...
نخشى البوح به حتى لأعز الناس...
و نخشى مواجهه أنفسنا بعدم قدرتنا على المساعدة أمام من يبوح لنا بالامه...
هذا الشعور الذى نختبر أمامه عجزنا التام ...
عجزنا على تسكينه ، حتى بأعظم الأدوية...
عجزنا عن نسيانه ، حتى بأعظم مشاغل الحياه
نختبر معه ضعفنا البشرى ، ضعفنا الجسمانى ، و ضعفنا العاطفى ...
فالأمر لا يحتاج سوى لحظة واحدة فقط ... يحدث ما يحدث ..... فنتألم
نختبر معه أبعاد جديدة فى علاقاتنا البشرية ...
نكتشف فيه مدى حب بعضنا لبعض...
فها هو ألم يُقرب بين أشخاص ...
و أخر يُبعدنا جدا عن أشخاص أخرى...
هذا الشعور الذى نختبر معه إيماننا ...
نختبر معه مدى مصداقيه أفعالنا و أقوالنا تجاه الله...
فها هى مشاعرنا على المحك...
و وحدها المشاعر لا تكذب...
هذا الشعور...
الألم...
هل من معنى؟؟؟
فمن منا لم يختبر الألم أو لم يقابل أشخاص يتألمون ؟
و أمام الألم نطرح كثيرا من الأسئلة ، و بالرغم من محاولة الوصول لبعض الإجابات ، ( أومحاوله إقناع أنفسنا بالأسباب أو ما يريحنا و يجعلنا نتقبل فكره وجوده ) الا أنه تظل هناك أسئلة بلا إجابات ، او تظل هناك إجابات غير شافيه لمثل هذا الألم ...
الحقيقة أن موضوع الألم ، كبير جدا ، و يعيد إكتشاف نفسه ، و نعيد إكتشاف أنفسنا معه كل فتره ، و بعد كل تجريه نعيشها ...
من هذا المبدأ ، ما نفكر فيه الأن ، أو ما توصلنا له الأن ، من إجابات أو مجرد أفكار لفكرة الألم ، ما هىى الا "مرحلة" من الفهم ، لأن تظل مسيرة حياتنا تتغير ، و نظل نكتشف أنفسنا ، و نكتشف معانى أعمق للحياه يوما بعد يوم...
غالبا ما يعجز الناس عن فهم معنى ما يصيبهم من الألم، و يغرقون فى مشاعر الحزن و الغضب و اليأس ، و كثيرا ما نكتشف أما الإنسان المتألم ، خوفنا من مواجهته ، و قله حيلتنا و خجلنا أيضا...
فنهرب منه و نحن بالقرب منه ، لاننا نشعر أن الكلمات تفقد جدواها و معناها، و تتحول الى مجرد "ثرثره" تسعى الى تناسى الأسئلة التى يطرحها الألم علينا ... و نتعثر فى الرد عليها ، فيكون حالنا و حال من يتألم ، إما الخرس أو الثرثره..
و لكن هل نبقى صامتين أمام الألم ؟ هل نقف مكتوفى الأيدى أما الإنسان المتألم . لا علينا أن نجازف بالكلام و أن نخاطر بالبحث عن معنى لحياتنا ...
لان الكلام يعتبر محاوله للخروج منه و تخطى "الخرس" الذى أصاب الإنسان ، و يمثل محاولتنا و سعينا لإسترجاع "الحياه" التى فقدناها بسبب الألم ، و لكن يبقى الحديث عن الألم ، مهمة صعبة و حساسة ، لأننا عندما نتحدث عن الألم ، فنحن نتحدث عن أشخاص متألمين يستوجبون الإحترام العميق لشخصهم ، و التقدير الكبير لمشاعرهم. . و قد تتحول مهمتنا فى كثير من الحيان الى مجرد الحضور الصامت بجوار المتألم .
عندما يصيب الألم الإنسان فى كيانه الجسدى ، تتأثر حياته كلها ، و حضوره أمام الله و حضوره أما الأخرين ، و أى كان سبب الألم ، عضوى أو بسبب جرح نفسى أو روحى ، فهى إصابه فى صميم حياه الإنسن تدفعه الى الصراخ ..
و ربما تتغير أعراض الألم ، من شخص لأخر ، و لكن يبقى اللم ، شعور مدمر للإنسن جسديا و معنويا و روحيا..
و يبقى الأم مؤثرا فى حياه الفرد الشخصيه و علاقاته بمن حوله ... فنتيجة للألم ، يشعر الإنسان بأنه غريب ، يريد أن يرجع كما كان ، ولكنه لا يقدر ، و كل محاولاته للرجوع إذا بائت بالفشل ، يكون الشعور بالغربه أقوى ، و بعد حين يصبح غريبا فى عيون الأخرين أيضا ، و يزهق من هم بجانب المتألم ، لان الألم متعب و مُرهق ... فنشعر بوحدتنا ... فلا نجد من يفهمنا أو من يستطيع ان يريحنا أو حتى يُقدر ما نشعر به ، او على إستعداد للصمود معنا حتى النهاية ..."
من كتاب يتحدث عن الألم ...
فى لقاء مؤخرا لـ"منى حلمى" فى التليفزيون مع "منى الشازلى" كان يظهر من صوتها و من أشعارها ، ألم المرحلة التى تمر بها الأن ، وشعورها بالوحدة ، و ظهر عجز "منى الشاذلى" فى عمل أى شئ لها .. فنحن عندما نكون متألمين ، نتألم وحدنا ... و تبقى مشاعرنا خاصة جدا ، مهما شعر بها الأخرون ، و حاولوا إراحتنا بالكلام ، فلا نشعر براحة ، لاننا لابد ان "نختبر الراحة" داخليا مثلما نختبر الألم أيضا داخليا ...
ولكن بالرغم من مرارة الألم ، و قسوة الشعور به ، الا أنه يبقى جزء مهم جدا من الكيان البشرى، و
يبقى هو قمة الإنسانية ، قمة إختبار إنسانيتنا أمام أنفسنا ، قمة إكتشاف الإنسان لنفسه ، لضعفه ،
يبقى هو الإحساس المقدس بأننا "نشعر" و لا نزال "نحس".
و لكن ما هو هدف الألم ، و هل يوجد معنى لألمنا ، أم هو مجرد "شعور" لابد منه ؟؟ أو "تجربه" من الله لابد أن "نتقبلها" ؟
فى الحقيقة ليس عندى إجابات واضحة لمثل هذا التساؤل حاليا ، خصوصا بعد إختبار ضعفى و عجزى التام أمام أحد أصدقائى المتألمين جسديا بسبب حادث.
و ربما لا يعى الإنسان هدف المه أو الم من حوله الا بعد الشفاء أو بعد الوصول لشئ أخر ، او بعد تخطى مرحلة الألم ، التى غالبا ما تكون مُرهقة جدا .. و حائرة جدا ...
الا انى أحاول الوصول لمعنى ، و إن كان على مستوى معين من الألم ، أو على مستوى نظرى...
لانه يظل الواقع و إمكانيه فهم معنى الألم مهمه شخصية ، مرتبطة بكل موقف على حدى...
و دعونى أشارككم و أذكر نفسى فى هذه الأيام بتجربة شخصيه لى فى موضوع الألم...
فانا لا أنسى أبدا تجربه صعودى لجبل "موسى" بسانت كاثرين - البحرالأحمر ....
كيف ساعدتنى على الصبر .... فمسيرة الصعود التى تستغرق حوالى 5 ساعات فى الصعود ، فى الظلام ، تكون مرهقة جسديا جدا و نفسيا أيضا، و أتخيل ان جزء من حكمه صعوده فى الظلام ( بجانب إعتدال الجو) هو عدم رؤية طول الجبل الذى نصعده ، فأنا اتخيل إذا نظرت له قبل أن أبدا ، سأتردد كثيرا فى الصعود ، و ربما لن أجرؤ...
الا أنه حتى أثناء صعوده فى الظلام ، و بالرغم من تحديك لإرادتك ، يبقى التحدى الأكبر لجسدك و عضلاتك ، بدء من عضلات أرجلك ، الى عضله قلبك ..
أتذكر مدى شعورى بالتعب ، و الألم فى جميع أجزاء جسمى ، و محاوله الوقوف عند مستوى معين ، و عدم الصعود لأعلى القمة ...
أتذكر عدد المرات التى أخاطب فيها نفسى "لن تقدرى" " لماذا كل هذا الألم ؟؟ " ما الفائدة ؟ و ما المعنى؟ "
الا إنى لا أكتشف المعنى أو قيمه الألم ، الا عند الوصول الى قمة الجبل و الإستراحة...
الوصول الى الهدف ...
"الفجر"...
رؤيه لحظة شروق الشمس...
و "معجزة" الله فى منحنا يوم جديد ...فرصة جديدة لنبدأ من جديد...
تظل تجربه الجبل تعنى لى الكثير و تعيننى فى أوقات كثيره...
فما حياتنا الا صعود مرهق لقمة جبل ، صعود حتى نرى قدره الله فى أخر الطريق ، نرى معجزة "الفرصة الجديدة" "البداية الجديدة" التى يمنحها لنا الله ...
فرصة جديدة تصبح لها معنى أعمق ، و طعم أحلى ، بعد مجهود قاسى ، و طريق طويل من الألم ، و التساؤل ...
فرصة جديدة تثبت فيها لنفسك أن الله خلقك قوى، برغم ضعفك...
قادر أن تصعد الى منطقة بعيدة ، و الى هدف صعب ...
قادر أن تتحمل بعض الألم فى سبيل سعادة "التجديد" و منحك "فرصة جديدة"
فرصة جديدة تثبت لنفسك أنه بالرغم من ضعقك الجسدى ، و المعنوى ، الا أنه إذا أستمريت فى الصعود بإيمان، ستلقى النتيجة ، و تلقى إجابه جميع تساؤلاتك ... و تشعر بمعنى المك ...
ستشعر أنت فقط بمثل هذه الشعور بالسلام ... مثلما شعرت أنت فقط بمثل شعور الألم ...
و ستظل تقول لنفسك قبل أن تقول للأخرين ، أنى قادر على التحمل ، و قادر على النجاح ... قادر على تخطى شعورى بالألم ... والوصول الى السلام ...
من الممكن أن تطول فترة الصعود ، أو تطول فترة الألم ... و لكن إذا علمت أن الله يريد أن يقويك من هذا الألم ، إذا علمت أن الله ينتظرك فى أخر هذا الجبل ،فى أخر هذا التجربة ، فى أخر هذه الحياه ...
فستستمر فى الصعود ، و ستستمر فى الصمود ...
لن تقف عند أول "إستراحة" و تقنع نفسك انك "وصلت للقمة"
ستظل تصعد ، طالما يوجد المزيد منك لتقدمه ، ستظل تتألم الى أن تصل الى القمة ، و تصل الى هدفك "الواضح" و المريح ، هدفك الذى يعطيك فعلا كل الإجابات عن تساؤلاتك ، هدفك الذى يعطيك القوة أن تنزل من قمة الجبل ، لتمارسك حياتك مرة أخر ، و عندما يحين ميعاد صعودك لجبل أخر ( تجرية الم أخرى)
تصعدها بإيمان ان هناك معنى لهذا الألم ، معنى لهذا الصعود ...
لا نتوقع من حياتنا ان تكون سهلة ، و لا نخاف من مواجهه الآمنا سواء الجسدية او النفسية ... بل نختبرها بمنتهى العمق و الى أقصى حد ، فلا طريق للوصول الى القمة سوى بالألم ...
لا تظنوا انى أطبق نظريتى هذه بسهوله على واقعى ..
الا أن وجود نظرية شخصية نتيجة تجربه فعلية و قناعة شخصية تساعد ...
فلنستمر فى الصعود .....
مستعينين بالله .....
محتملين الألم.....
راجيين الوصول للراحة.....
حين يأتى "الفجر الجديد"....