بالأمس فقط طلب منى (مصطفى) أن احكي له حكاية..ولكنى لا اعرف أية حكايات.. ماذا سأحكى له؟.
. ولكن شاء الله أن أتذكر تلك الحكاية الخفيفة ..فقررت أن احكيها لكم أيضاً.
" كنت فالصف الرابع أو الخامس الابتدائي على الأكثر ..وكان بيتنا حينها(بيت العائلة) والذي انفصلت عنه بعد زواجي..
أقول كان وقتها تحت الإنشاء فحتى ذاك الحين كنا نقيم قريبا منه فشقه صغيره ملحقه ببيت جدي..المهم أننا-كصغار- كنا نذهب يوميا هناك. وفى تلك الفترة التي توقف العمل فيها فجأة لعده أيام كانت فرصتنا فالرجل(النجار مسلح) لم يأخذ أخشابه بعد ,بل أخشابه ما شاء الله مليانة مسامير!!..لا اعرف كيف بدأت هوايتنا في جمع المسامير !!..بل و اقتلاعها من الأخشاب بل والاحتفاظ بها حتى لو نكن نحتاجها !!.. ولا اعرف أيضا كيف بدأ السباق بيني وبين (عبدالسلام)!!
سباق جمع أكبر عدد ممكن من المسامير . ورغم انه فبداية الأمر كنا نستخدم أساليب أصعب فاستخراج المسامير من الأخشاب بالدق عليها بأي حجر من الناحية الأخرى إلا انه و بعثورنا على (الشاكوش) المخصص لهذا أصبحت المهمة أسهل نوعا ما.. كنا نستخدمه أنا و(عبدالسلام) بالتناوب !!
الم أخبركم بعد من هو (عبدالسلام)؟
انه عيل من عيال الشارع (في ذلك الوقت)!! وقريبي حتماً!!.. فكلنا فالبلدة قرايب سواء اشتركنا فالجد الثالث أو السابع ..كلنا عيال عم !!..و(عبدالسلام) هذا كان من سني أو اكبر قليلا.. ولكن مدرستنا كانت فترتين فهو فهذا الوقت كان يذهب صباحا ويعود بعد الظهر وأنا اذهب بعد الظهر وأعود مساءًا ..كنا نتناوب على استخراج المسامير.. كل فالوقت الغير مشغول بالنسبة له
ففي كل يوم يخبرني انه وصل لعدد كذا مسمار 325 أو 434 أو أياً كان .. فأعود من مدرستي محملاً بعب أن أتجاوز هذا الرقم!!.. وليس هذا فحسب بل أن أتخطاه بكثير لكي لا يتمكن (عبدالسلام) من تخطيه حتى بعد عمل الغد ..
كنت اعمل فالصباح وبعد المدرسة أيضا وحتى الإظلام(بعد المغرب) المهم أن لا يتخطاني (عبدالسلام) فى عددي!!
..ولكن كل يوم يعود (عبدالسلام ) ليخبرني انه تخطاني بالفعل .. لقد وصل ل724 مسمار اليوم!!. يا الهي كيف فعل هذا!!..لقد كنت أتخطاه بأكثر من 150 مسمار بالأمس !!
بعد أيام قررت أن أضع حدا لهذا الأمر..نعم اقتلعت اكبر عدد ممكن من المسامير .. ثم خبأت ( الشاكوش) !!
ويبقى يورينى سى (عبدالسلام) هيعدينى ازاى المره دى ؟ (أتصور انه كان عمل غير شريف منى)
طب اعمله أيه بس؟
ذهبت مدرستي فهذا اليوم (الفترة المسائية) وأنا فبطني بطيخه صيفي لأن (عبدالسلام) لن يجد (الشاكوش)
وان فكر أن يستخدم الأحجار فلن يجمع سوى عدد ضئيل جدا (فهو يوفر وقتا كبير) وعامه لم يكن الأمر سهلا عالاقل بالنسبة لعمرنا . اذكر أنى تخطيت الألف ومائه مسمار في ذاك اليوم(إجمالي الأيام) .
وعندما عدت من المدرسة وجدت الدنيا مقلوبة على؟
ليه؟
لأن نجار المسلح أتى اليوم ليأخذ عدته وقلب الدنيا على ( الشاكوش) ولم يجده!!
يعنى حبك النهارده ييجى؟
والشكوك حامت حولي بعد أن علم الجميع بقصه المنافسة بيني وبين (عبدالسلام)
فمن له مصلحه غيري في إخفاء( الشاكوش)!!
عامه مر الأمر مرور الكرام والحمد لله
الأدهى أنى اكتشفت أن(عبدالسلام) كان يخدعني!!.. فهو لم يصل لرقمي ربما ولا حتى نصفه فانا لا أراه وهو يخلع المسامير ولم اطلب منه أبدا ن أرى مساميره أو أعدها بل اخذ كلامه بثقة !! وهو ايضا لم يكن يطلب منى للصراحة.. ولكنى فعلاً كنت صادق دائما فكلامي وبياناتي معه فعندما أقول أنى وصلت ل 954 مسمار فأنا وصلت ل954 مسمار فعلا لا واحد زيادة ولا نقص
خدعني (عبدالسلام) ولم يكن صادقاً معي لذا كان يتجاوزني فكل مرة و بسهوله وبدون عمل فما أسهل الكلام!!

ورغم أن علاقتي به استمرت فالمرحلة الإعدادية فكنا نذهب سويا للمدرسة ثلاثتنا أنا وهو وآخر اسمه أيضاً (عبدالسلام) !! يسكن فالشارع المجاور لنا ومعنا فنفس الصف
وقد كنت منضبطا جداً فمراحلي السنية تلك ومبكرا فكل شيء فدائما اسبقهم فالمواعيد إلا لماما.
فكنت انتظرهم لارتداء ملابسهم أو تناول طعامهم قبل المدرسة مهما تأخروا فلا اذهب بدونهم إلا فيما ندر وغالبا أعود معهم رغم انه لا يمكنني القول أن أيهم كان لي صديق بالمعنى الحرفي .
إلا انه فالمرحلة الثانوية تهمشت العلاقة بيني وبينهم وذهب كل لحاله فتوجه كلاهما للثانوي الزراعي و ذهبت أنا للثانوي العام ومع نهاية ثالثه ثانوي مرض (عبدالسلام)-بطل الحكاية- بالغدة الدرقية(عافاكم الله)
حتى إن ملاحمه تغيرت جذريا فأصبح وكأنه شخص آخر مختلف تماماً.
وعندما كنت فعامي الجامعي الأول وفى احد الأجازات اخبروني أن (عبدالسلام) توفاه الله !!
رحم الله (عبدالسلام ) وتجاوز عنه ووسع في قبره وجعل مثواه الجنة !!
فاقرأوا معي الفاتحة على روحه وادعوا له معي بالرحمة والمغفرة..
.عذرا للنهاية الحزينة ولكنها قصه حقيقية من صندوق الذكريات .
والله يجازى مصطفى (الذي لم أكمل له النصف الثاني من الحكاية)...حكاية (عبدالسلام) ومسامير بيتنا!!.