نعرف جميعا أن الموت هو انفصال الروح عن الجسد، وهو ليس انتهاء ولا عَدَم ولا فَناء، بل إنه انتقالٌ من حياة الدنيا إلى حياةٍ أخرى مختلفة عن الدنيا تماما، وبقوانين ومحددات ليست كما نعرفها في دنيانا، لكن يظل سؤال الموت هو سؤال الأمس واليوم وغدًا، سؤال الشباب والكبار، والصحيح والمريض، فهو لا يفرق في اختياراته بين كل هؤلاء.
فإذا ما وقع الموت على أيٍ ممن هم حولنا، نعيش الموت بواقعٍ مؤلم حزين، ونلمَسه بدموعنا وأحزاننا وآلامنا التي تجري على ألسنتنا ومسامعنا، نتجرع معها "الألم" الثقيل الذي يجعل الدنيا لا تساوي عندنا شيئًا، ونتبارى في إنهاء إجراءات الدفن لنواري فقيدنا التراب، ثم نذهب وكأن شيئًا لم يكن.
ننتبه قليلًا ثم نعود للغفلة العميقة التي تلبي هاتفٌ في أعماقنا يهتف بأن ما حدث سيحدث للجميع لكنني لست منهم،!!
نرجع لدنيانا خائفين، هاربين من فكرة الموت في ذاته، نهرع إلى الذات والملذات والشهوات، أو حتى للعمل والاجتهاد، متناسين هذا الموت الذي يرعبنا، ومجرد ذِكرَه يُشقينا.
لكن، ترى ما الذي يخيفنا من الموت بهذا الشكل، ؟؟ لدرجة أن مجرد ذكرَه يجعل الناس تنتفض ليقول لك أحدهم: "افتكر شيء حلو" ممتعضين من مجرد سيرته.
أعتقد بأن "الجهل" بما يحدث في لحظات الانتقال وخروج الروح من الجسد، والغشاوة التي تحيط بعالم البرزخ ومن ثم الحياة الآخرة، هو الأصل في هذا الرعب الشديد من فكرة الموت، رغم أنه سيمُر على الجميع لا محالة.
لابد لنا من التعرف على معلومات ثرية عن الانتقال بالموت إلى الحياة التالية، وهي أمور بينتها الرسالات السماوية، ونحتاج لتدارسها وتدبرها لمحو جهلنا عنها،
ولابد لنا أيضًا من سبيلٍ لمعرفة فلسفة الموت التي تقوم على ضبط سلوكيات الناس في تعاملاتهم اليوميه كي لا يجور القوي على الضعيف ولا الكبير على الصغير، وهكذا تنضبط الحياة وتسير على وتيرةٍ متزنة غير موتورة.
وحين لا تتزن الحياة، ونجد فيها الظلم والتعدي والطغيان، فلابد وأن نعلم بأن حقيقة الموت أصبحت غائبة، وأن دروس الموت لا تجد لها مكانًا بين البشر.