بالفعل إنها إساءات، تلك هي بعض التعاملات من بعض الآباء للأبناء، والتي قد يتذكرها الكثيرون منهم حين الشباب في لحظاتٍ عابرة، ثم يمضي قطار الزمن فلا نجد لهذا التذكر مكان،
لكن، هل امَّحت تلك الإساءات من العقل اللاواعي لدى هؤلاء الأبناء في الشباب،؟ بالطبع لا.
فتلك الإساءات التي حدثت في مراحل الطفولة المختلفة، تتجذر داخل النفس لتشكل وجدان الإنسان، وتُوَجّه ملامح تعاملاته مع الآخرين، مما ينعكس على المجتمع سلبًا أو ايجابًا.
وفي تصوري، أن تلك الإساءات ليست فقط من الآباء تجاه الأبناء، بل تحدث أيضا من المعلمين تجاه تلاميذهم، ومن زملاء المدرسة ضد زملائهم ومن الجيران الأكبر سنًا تجاه الأطفال، وغير ذلك.
هذا كي لا نحصر الإساءات في الآباء وحسب، لأن البيئة بعمومها تتدخل في فرض تلك الإساءات على الأطفال والأبناء حيثما كانوا، وأينما كانت هذه الطفولة التي تصل إليها أيادي الإهانات والتعدي.
ويبقى السؤال، هل نعاقب الآباء اليوم على ما اقترفوه من إساءاتِ الأمس تجاه الأبناء، ؟ وهل هم بالفعل مذنبون حين مارسوا بعض الإساءات في رحلة تربية الأبناء،؟
اعتقد بأن هناك قسمٌ كبيرٌ من الآباء، لم تصل إليهم علوم التربية إلا بما مارسوه على أبنائهم من إساءات، كانت المعلومات حينها تفيد بأن هذه هي التربية الحسنة، والطريقة المُثلى، فمثلًا مقولة: "اكسر للبنت ضلع يطلع لها ٢٤ ضلع" ومِثل: "عيب ترد على حد" وأيضًا مِثل: "الراجل ميبكيش" إلى غير ذلك من المعلومات المتوارثة والمتواترة والتي كانت تحكم الفكر وتوجهات المجتمع للتربية الحسنة، لذا لا أستطيع لوم الآباء على تلك الإساءات، حيث أن هذه الطرق كانت مدى عِلمهم.
والتعافي من تلك الإساءات أساس للصحة النفسية، وأول خطوات التعافي أن نتذكر تلك الإساءات وأن نتذكر كل من قام معنا بإساءة، وأن نقبل بوجودها ونعترف بحدوثها ونقوم بكتابتها ولا نهرب من تذكرها، بل وننوح عليها بشكلٍ رحب، ثم يكون علينا إيجاد التبريرات لمن قاموا بها، مثل أن هذه الإساءات كانت بنيّة حسنة لتربية أفضل، رغم قساوتها.
نحن نحتاج إلى تعافي الجميع من الغرق في إساءات الماضي، فالإنسان الذي يتعافى من إساءات الطفولة، يكون أكثر وعيًا وأقدر على التعامل السويّ مع ذويه ومن هم حوله ويصبح في مجتمعه إنسانًا مضيفًا.