من التساؤلات التي تدور في ذهن الكثيرين، لماذا يمنعنا الله تعالى من النعم والملذات وشهوات النفس ومتع الحياة، ليكتب علينا صومًا ومنعًا يبعدنا عن كل ذلك، ؟؟
بل، إن هذا الصوم يمنعنا أيضًا من المتع الحلال وليس فقط الحرام، مما يجعل الأمر محيّرٌ للبعض، ممن يفكرون بتلقائية.
وفي الحقيقة أخي القاريء الكريم، إذا نظرنا لمراد الله فينا نحن بني آدم، فسنجده إعمار الأرض بهذا الخليفة الذي استخلفه الله في أرضه، وأمره بالإصلاح فيها والتعمير والبناء والتطوير، والبعد عن التبديد والتدمير والإساءة وإيذاء الغير، وأوجب عليه حفظ حقوق الغير من النفس والمال والعرض ووو،، إلخ.
هذا النموذج للإنسان الذي سيستقبل تعاليم الخالق، لابد له من خصائص وصفات ليست هينة ولا عادية، بل يحتاج هذا الإنسان -كي يكون نموذجًا- إلى قوة دافعة تمكنه من أن يؤدي وظيفته على الأرض بشكلٍ إيجابيّ ناجح، ويحتاج أيضًا لتدريبات خاصة على مستويات متعددة، وعلى مدد زمنية متباعدة تركز على جعله نقيًا خالصًا، يستطيع أن يكبح جماح مُتعِه وشهواته وملذاته، ليقوم على إدارة إعمار الأرض بقوة ذاتية لديه، يكون فيها ممتنعًا عن شهواته اختياريًا وليس ممنوعًا عنها جبريًا.
وقد يقول قائل: لماذا جعل الله تلك الشهوات والرغبات موجودة أصلًا داخل الإنسان ثم يمنعني عنها، ألم يكن الأجدر أن لا يضع فينا تلك الرغبات كي لا نقع في معصيته من خلالها، ؟؟
وهنا نقول ردًا على ذلك: هل من المنطق أن نسأل مخترع السيارة -التي يمكن أن نستخدمها في الخير أو في الشر- ونسأله لماذا اخترعت لنا هذه المركبة، ؟!!
بالطبع ليس من المنطق، لأنه سيجيبنا بأنه اخترعها لنقودها بشكل صائب، ونتدرب على أن نكبح جماحها ونصبر أثناء استخدامها بإحسان، وليس لأن تقودنا تلك المركبة كيفما اتفق.
فمجرد وجود الملذات والشهوات هو شيء من الترويح على النفس حين تكون في مسار التوازن وعدم الحرام، ولتحقق وظيفية كونية بالأرض، وليس لأن تقودنا ملذاتنا دون ضبطها في الحياة، التي تعتمد على الجد والجهد والاجتهاد وعلى كبح تلك الشهوات وقيادتها.
وهنا، يكون الصوم أحد أدوات كبح جماح الشهوات، وهو المدرب العملي والتطبيقي للتدرب على قيادة ملذاتنا ورغباتنا، ولنستطيع أن نقول للرغبات: ليس الآن، حين نكون في حالة الصوم، ليكون مراد الله في الصوم بأن نقوى ونتدرب ونزداد مثابرة وجلد في قيادة الشهوات، وليس مجرد منع قصري.
وهكذا تصبح ثمرات هذا الصوم أن نمتنع أيضًا عن أذى الآخرين، وعن التعدي والظلم، والبعد عن إهمال جودة العمل، وإيقاظ الضمير داخل كل إنسان ليشكل وازعًا للسير في طريق الرشد والاستقامة طوال العام.
كل رمضان وأنتم بخير.