يتابع العالم بأسره نتائج الإصابات بفايروس كورونا المستجد (كوفيد 19) والذي ملأ الحياة إرهاقا ومعاناة, بين نتائج إيجابية وأخرى سلبيىة, بين إصابة وشفاء, في جو مفعم بالآمال والآلام المتداخلة في صلب حياة الشعوب في كل أنحاء العالم.
وما تلبث الأخبار تتطاير عن محافظة أو قرية يتم اكتشاف الإصابات بها, إلا وتحوم حول كل من فيها الشكوك, مَن مِن قاطنيها أصيب ومَن منهم نجا و سلِم ؟
حتى إذا ما أُعلِنت النتائج, وما أن يتم تحديد المصاب ويساق إلى الحجر الصحي أو إلى مستشفيات الاستشفاء, إلا ونجد ردود الفعل من البعيدين والقريبين, وبالأخص المحيطين والمخالطين تسفر عن مفاهيم عديدة بين يسيرة وشديدة,
فهناك من يتهم المصاب بأشد الاتهامات ويحمله مسئولية ما حدث, وما قد يحدث للمخالطين ومَن حولهم ويكيل له التعنيف, بل ولا يسلم من جملة ذلك حتى ذويه وأسرته, ممن ليس لهم في ذلك ناقة ولا جمل, فهؤلاء لم يكونوا معه في مخالطة أي مصاب خارج محيط الأسرة, إلا أن آلة التقريع واللوم لا ترحم, ولا تعرف طريقا للإنصاف قولًا ولا فعلًا.
وعلى النقيض تماما, نجد فريقًا آخرًا يستبعد عن المصاب كل مسئولية, ولا يرى في المرض إلا أنه شيءٌ مكتوب مقدر, إذ ليس للمصاب أي خيار حتى لو كان عن مسئوليته متقاعسًا, حيث يجتهد هؤلاء في تبرئة المصاب كأنه ليس للوسائل الوقائية أي أهمية, وليس للإنسان إلا أن يستقبل الإصابة دونما أي مسئولية, و بالتالي فهم لا يرون في ذلك أي ملامة.
و في حقيقة الأمر, أننا دوما في التفكير الجمعي للمجتمع, نميل إلى أحد جانبي الأمر بمغالاة, فيغالي هؤلاء إلى التقريع و اللوم, ويغالي الآخرون في اللامسئولية والإبراء.
ولو نظرنا إلى الأمر بموضوعية, لوجدنا أن على الإنسان مسئولية, وعليه في نفس الوقت يقين, وذلك بعد قيامه بمسئوليته.
فأما المسئولية فتتمثل في وجوب القيام بأخذ كل الاحتياطات الوقائية والإجراءات العملية العلمية والصحية, مما يكون معها قد أدى ما أمر الله به من وجوب الحفاظ على النفس وعدم الإضرار بالغير بنشر العدوى بهذا الوباء الخطير, وعلى الإنسان التعرف على تلك الوسائل والأسباب وجوبًا, وتعلمها والتدرب عليها لأخذ الحيطة والوقاية المطلوبة كما أعلنتها منظمة الصحة العالمية ووزارات الصحة في كل البلدان,
و من يتقاعس في ذلك كله, فهو مسئول -بلاشك- في إهماله لواجباته حيال نفسه, وهو متعدٍ على حق غيره بتهاونه في تلك الاحتياطات الوقائية التي تؤدي حتما إلى انتشار العدوى لغيره ومن ثم للمجتمع كله.
وأما اليقين الذي يجب أن يكون عليه بعد قيام الإنسان بمسئولياته, فهو يقين بأن النتائج تأتي من عند رب الناس, وهو القادر على أن لا يضر حتى في وجود الوباء, وهو الذي ينجّي الكثيرين في حين يلقى البعض حتفه أو يقع في الإصابه,
و بالتالي, فإن اليقين سيرقى بالإنسان إلى الإطمئنان النفسي, مما يقوي مناعته الذاتية في مواجهة هذا الوباء, لكن بعد أن يكون قد عمل ما عليه من مسئولية تلبيةً لنداء رب الناس الذي يهبُ السلامة من الداء والوباء.
إننا في حاجة ماسة لأن نتعرف على الطريق الصائب للخروج من هذه الجائحة, لنكون مساندين للمصابين بوعي وفهم لقواعد المسئولية الواجبة, وبيقينٍ قلبي بالتسليم لأي نتائج, دونما لوم وتعنيف للمصاب, ولا تبرئة لمن تقاعس منهم في مضمار الإحتراز والاحتياط.