منذ أزمنة عديدة, ومصر تقع في براثن المخالفات في كثيرٍ من مناحي الحياة في ربوعها, تارةً لزيادة الأرباح بغير وجه حق, وأخرى لتسيب ولا مبالاة وعدم تقدير لتلك المخالفات, مرورًا بترهل حدث لبعض المسئولين في الإدارات الحكومية المنوطة بمتابعة تلك المخالفات وعدم تقديرهم لنتائج تلك المخالفات وتبعاتها على مستوى وجه مصر الحضاري,
ذلك الوجه الحضاري الذي ترسمه أيادي أبناء الوطن بما يشكلونه من أعمال في وطنهم إيجابية أو سلبية, وبما تمثل في مجموعها الصورة الحضارية عن مصر لدى الآخر في العموم, ولدى أبناء مصر أنفسهم على وجه الخصوص,
بما يشكله ذلك من خطورة حين تنعكس تلك الصورة وتستشري داخل ثقافة أهل هذا الوطن, فيقومون بنفس المخالفات مكررين, معتبرين أن ذلك هو الطبيعي المستساغ, وما عداه هو الزائد عن الحاجة,
وعلى مر العصور, فإن أكبر شاهدٌ على وجه حضارة الوطن في أي زمان أو مكان, هو عمارة هذا الوطن ممثلة في مبانيه ومنشآته التي تشكل صورة هذا الوجه الحضاري الذي يدوم ويدوم طوال عقودٍ بل قرون, لتظل هذه المباني أمام الأجيال المتعاقبة تحكي عن وطنهم في هذه الفترة الزمنية, فضلًا عن ما يشهد به العالم تجاه هذا الوطن بحسب هذا الوجه الحضاري.
ولقد ظللنا طويلًا نتابع ونشاهد مخالفات المباني وتلاعب البعض من المستثمرين العقاريين ومن يعملون في مجال التطوير العقاري, والذي كنت أُسمّيه كثيرا "بالتدمير العقاري", حيث دخل هذا المجال بعض ممن ليس لهم فكر ولا استراتيجيات تتعلق بمستقبل وطنهم الذي هم فيه يعبثون,
لتطل علينا مخالفات بنائية تمثلها أبراجًا في حاراتٍ ضيقة أو على أراضٍ لا تتحمل هذه الإرتفاعات الشاهقة حيث لا تقارير لميكانيكا التربة عبر متخصصين تُعرّفهم بمدى تحمل التربة وبالتالي تصميم الأساسات,
ولا اهتمام لدى هؤلاء البعض نحو مدى استيعاب المرافق والخدمات العامة لهذه الكثافة السكانية المتفجّرة والمتكاثرة جراء هذه الارتفاعات المخالِفة, وما يستتبعها من إشكالات اجتماعية وثقافية واقتصادية تضر تماما بالوطن وتعصف بوجهه الحضاري.
وهناك من يعبث بواجهات لا ترقى لأن تكون في أدغال الوغى, فيبتلون الوطن بتنفيذها لتظل شاهدةً على ظلم بعض الأبناء للأم مصر, وهناك أيضًا من يتجرأ على الأراضي العامة التي هي ملك الدولة,
وما الدولة إلا مُمثلة عن ملكية أكثر من مائة مليون مصري يسرقهم هؤلاء البعض بسرقة أراضي الدولة والبناء عليها, ممن لا يرعَوَوا ولا يرتدعوا ولا يحركهم إلا مصالحهم الشخصية رغم وجود القوانين المنظمة لكل ذلك.
وما تركيزي الشديد هنا على مخالفات البناء بالصور السابقة أو غيرها, إلا لعلمي بمدى خطورة هذه المخالفات مما تم ذكره آنفًا, والتي أيضًا تتسبب في العشوائيات في كثيرٍ من الأحيان, مما يشكل ضغوطًا اقتصادية كبيرة على الدولة حين تعمل مشكورة على تطوير تلك العشوائيات كما نتابعه ويحدث الآن في عصرنا هذا.
كم كنا في حاجة إلى قوة رادعة شديدة تستطيع أن توقف تلك المخالفات, وكم كنا ننادي كثيرًا في هؤلاء البعض بأن استيقظوا وأيقظوا ضمائركم التي لم تردعكم حين المخالفات, ونحمد الله أن هبت الدولة ممثلة في رئيسها المحترم بالتصدي لمثل هذه المخالفات البنائية التي أعتبرها أخطر مخالفات لقوانين الدولة المصرية, لأنها تعبث بوجهنا الجمعي المجتمعي والحضاري أمام أنفسنا وأمام كل الشعوب.