جدلٌ كبير وخلط عسير, يتمثل في البحث عن إجابة سؤالٍ يفرض نفسه عن ما الذي علينا من مسئوليةٍ تجاه هذا الوباء, هل هي السعي بالوسائل أم نركن إلى أنها أقدار ؟ , حيث يقفز هذا الجدل حين الحديث عن الوباء الدائر في العالم الآن, والذي يمثل جائحة لم نَرَها في زمننا من ذي قبل,
ولا نكاد نرى في وطننا جلسةً حوارية أو جمعًا للناس إلا ونجد هذا الجدال حاضرًا بقوة بين المتحاورين عن هذا الوباء, بين مسئوليتنا في السعي وتسليمنا للأقدار.
فقِسم يَعرض الأدلة والبراهين العَقَدية والمنطقية على أن النتائجَ بيدِ الله كأقدارٍ مكتوبة لا يد لنا فيها, ويستعرض الآيات الكريمات ليقدمها للناس, بُغية الإطمئنان و التبشير بأن غُمة الوباء المنتشر هي في نتيجتها بيد الله, وما يصيبنا هو ما كتبه الله علينا أو لنا, ولا مناص من تلقي النتائج التي هي مكتوبة قدريًا بقلوبٍ راضية, و أن علينا ترك الأمر لله تعالى للقضاء عليه باعتبار أن ذلك هو التوكل.
وقسم آخر يتهم هؤلاء بالدروشة, وأن النتائج ما هي إلا تبعًا للوسائل والسعي في الأسباب كي نقضي على انتشار هذا الوباء, عبر الوسائل الوقائية والصحية, وبغير ذلك لن تكون هناك نتائج إيجابية, بل فإن أي تقاعس سيؤدي إلى نتائج تضر المجتمع وتقضي على الأفراد المتواكلين.
وفي حقيقة الأمر فإن كلا الفريقين يتكلمون بجزءٍ من الصواب وببعض الصحيح من القول في موضوع مسئولية السعي وما تمثله الأقدار من نتائج, غير أن خلطا بيّنًا يقع حين يغفل هؤلاء عن ذاك, وأولئك أيضا عن ذلك.
إذ أن نتائج الأعمال ونتاجها هو لا محالةٌ بيد الله, بشكل لا شك فيه إلا لجاحد, وقد رأينا من النتائج التي تنتج دونما سعي ولا أسباب في مواضع كثيرة, مما يتعجب له المرء ويَدهش, ولا يكون لذلك تفسيرٌ إلا بأن الله قد قضى ذلك.
لكنّ الله أيضا, قد أمر العباد بأن يسلكوا مسالك السعي والاجتهاد والأخذ بأسباب الحياة العلمية, التي ستُنتج لهم النتائج طبقًا لنواميس الأرض التي تمثل إرادة الله في الكون, ومَن لا يسعى فيها فإنه مؤاخذٌ عند الله كمقصر في أمرٍ من أوامره.
وبالتالي, فإن حالة مثل الوباء المنتشر تحتاج منا جناحين اثنين لا يجب أن يفترقا, يمثلان "اليقين والعمل" في نفس الوقت وذاته,
يقينًا في أن النتائج مكتوبة منذ الأزل كقدرٍ كتبه الله على العباد, قد يتغير بالدعاء و التضرع إلى الله, فتطمئن لذلك القلوب ولا تتوتر,
وعملًا يوجب القيام بكل الأسباب الوقائية والإجراءات الصحية العلمية السليمة, كي ندرأ ذلك الوباء عن وطننا بكل الوسائل المعروفة علميا دون تقصير, امتثالًا لأمر الله.
فإذا ما كانت النتيجة القدرية هي نجاة الناس من تلك الأوبئة, في حين أنهم لم يفعلوا ما عليهم من مسئولية السعي في الوسائل الوقائية, فهم في ذلك مذنبون, لكن إذا فعل الناس ما عليهم من ذلك السعي والإجراءات الوقائية ثم جاءت النتائج –لا سمح الله- غير ما نتمناه, فهُم في ذلك غير مذنبين لأن النتائج بقدَر الله.
وبهذا المفهوم الواضح والتركيز عليه, نفُك الاشتباك و نُبعد شبح الخلط بين الجناحين الصحيحين للتعامل مع أحداث الحياة دونما تواكلٍ أو ضعف يقين.
إن شعبًا يجثم على صدره وباء مثل جائحة فايروس كوفيد-19, لفي أشد الحاجة إلى وعيٍ وارتقاءٍ في إدراك تلك المفاهيم, التي تضمن للوطن أبناءًا يتوازنون بين التوكلِ و السعي الجاد, بين الإطمئنانِ والجد في العمل بالوسائل الوقائية والأسباب.
حفظ الله وطننا مصر و أبناءه و سائر بلاد العالم أجمعين.