ما سنتكلم عنه اليوم لا ينطبق بالطبع على العموم، حيث مايزال الكثيرين على أسسٍ من التعامل الراقي في البيع و الشراء مهما مرّت الأوطان بأزمات و عانى الناس فيه من محن،
إلا أنه أمر يمس كل الناس بلا استثناء، وللأسف أصبح استغلال الظرف الآني قاعدة للتعامل عند البعض من التجار و الوسطاء الذين وجدوا أنفسهم في حالة طلب عالٍ من حيث وجودهم في السوق و تملكهم أدوات التعامل فيه، وأيضا عند البعض من المستهلكين ممن يحاولون تخزين اكثر مما يحتاجون إليه بشكل يضر بتواجد السلع في الأسواق و توفرها لغيرهم.
ولا يخفى على أحدٍ ما تمر به البلاد بل العالم كله من أزمة اشتد وطيسها في معركة الدفاع عن الحياة ضد فايروس كوفيد١٩ الذي جعل الناس يتهافتون بالضرورة إلى طلب مواد التعقيم و النظافة و غيرها، ما يستدعي أن نطرح موضوعا مهما كان من المفترض أن يضبط إيقاع الجشع سواءًا من التاجر أو المستهلك إذا ما تم فهمه بجلاء،
و هو مفهوم الرزق و كيف أنه لن يزداد بحال إذا ما سلك التاجر سلوك رفع الأسعار ليستجمع المزيد من الرزق، ظنًا منه أن ذلك بابًا يجعله أكثر ربحا وأكثر أموالًا.
وأيضًا لن يزداد المستهلك انتفاعًا، إذا ما جمع أكثر مما يحتاج طاغيًا على حق غيره في توفر السلع بالأسواق.
وفي هذا الصدد، وما يجب أن يعرفه التاجر و المستهلك على السواء، هو أن لكل منا رزقٌ محددٌ و مرصود منذ الأزل وقبل الخلق، محددٌ في النوعية والكمية سواءًا كان مالًا أو صحةً أو سلعًا يقتنيها أو أبناءًا أو غير ذلك، ولا يمكن أن يزداد هذا الرزق ولا أن ينقص قبل موت الإنسان، مهما ازداد جشع التاجر في رفع الأسعار، و مهما ازداد نهَم المستهلك في جمع تلك السلع و خزنِها.
ولا يخفى علينا ما نشاهده في كثيرٍ من الأحيان من خسائر تحدث أحيانًا دون سبب، أو تلفٍ لما تم تخزينه أيضًا، في تحقيقٍ واضحٍ لما نطرحه، بما يعمق مفهوم عدم التوصل إلى زيادة حقيقية لربحٍ في الجشع، و لا زيادة انتفاع حقيقية بما نخزنه بنَهَمٍ أكثر مما نحتاج.
ويكون علينا حتما الآن، إجابة سؤال قد يبرز بقوة بعد هذا الطرح، وهو لماذا إذًا نسعى ونعمل إذا كان الرزق لن يزداد ؟؟
حيث تكون الإجابة المباشرة هي، لأن العمل عبادة، ولأن رفعة وتنمية وإعمار الأوطان والسعي في إعلائها، وانتفاع الناس بما نعمل أيضًا عبادة، وأنَّ جزءًا أصيلًا من مسئوليتنا في رعاية وتربية الأبناء يكمن في العمل، وقد أمرنا الله بأن نقوم بكل ذلك من خلال العمل، وهو بعد ذلك الذي يرزق الرزق المرصود المحدد سلفًا، والذي لا يزداد بجشعِ تاجر مهما زاد جشعه، ولا بنَهمِ مستهلك مهما ازداد نهمه.
بمثل هذه المفاهيم، نقول للجميع: لا تحاول أن تتحصل على جزء من رزقك المرصود لك سلفًا بأي طريق تضر به الآخرين، لأنه سيأتيك بالطريق الذي ستتحرى فيه عدم الإضرار بغيرك دون نقصان.
و بهذه المفاهيم، تنضبط حركة التعامل بين التاجر والمستهلك وتهدأ، فلا نجد تحريكًا مسعورًا للأسعار باستغلال الظروف الراهنة، ولا نُفاجأ بسُعار التخزين من بعض المستهلكين مهما مررنا من أزمات.