لم نواجه في أزمنتنا الأخيرة حالة من الخلاف الذي ينبني على الاختلاف, عبر العلاقات الإنسانية في مجتمعنا المعاصر, مثلما نواجهه الآن من تلك الأزمة الثقافية و الفكرية التي نعاني منها في كل مساحة من ساحات الحوار و النقاش الذي يدور بين أي مصري و آخر, سواءاً كان على مستوى الأسرة أو دائرة العمل أو الحياة الاجتماعية في النوادي أو المؤسسات أو الأمسيات, بما نراه من عامل مشترك, يتجلى في أن أي اختلاف يفسد قضايا للود لا تندمل.
و في الحقيقة أجدني لا أتوجه باللوم لهذه الجموع التي تمارس رفض أي اختلاف بل و استتباع الرفض بالإساءات أحيانا, و بالإتهامات أحيانا أخرى, بغية التقليل من قيمة صاحب الرأي المخالف و بالتالي الانتصار للذات المُمثَّلة في رأي و فكر هذا الذي لا يطيق تواجد من يختلف عنه,
ذلك لأن تلك الجموع لم تتدرب على كيفية التعامل مع من يختلف معها, و لم تتلقَ أي جرعات ثقافية تحث على أن الاختلاف شيء حتمي حاصل لا محالة, و أنه إذا كان هناك اثنين فهناك رأيين, و لم تتعلم أنه قد يكون في الرأيين صوابين و ليس بالضرورة أن يكون أحدهما خطأ, و لم نركز معها على أن الاختلاف الحتمي لا يجب أن يؤدي إلى خلاف مهما كبرت هوة ذلك الاختلاف.
و في هذا الاطار أجد عليّ و على كل المؤسسات و الأفراد و من قبلها الدوائر الثقافية للدولة مسئولية ثقيلة مفادها وجوب أن نعيش من أجل نشر تلك الرسالة, رسالة قبول وجود الآخر المختلف, و أن قبول تواجده لا يعني إطلاقا "الاقتناع" بما يطرحه أو يعتقده, بل هو قبول "تسامُح" في أن يظل من يخالفني الرأي أو العقيدة متواصلاً معي و متواجداً معي في نفس المساحة التي عليها أعيش.
و أنه ليس بمجرد طرح رأياً مخالفاً لي, أن اتلقفه على أنه عداء أو استعداء, فوجوب تحسين الظن في الآخرين يستوجب أن أقبل فكرة حق الآخر في طرح الرأي الذي يخالفني, لأنه ببساطه رأيه, و هذا حقه الذي لا يجب أن اتململ منه, فإذا ما وجدت في نفسي شيئا من تواجد من يخالفني, فعليّ أن أُراجع نفسي و أدربها أكثر على مفهوم قبول تواجد المخالف, و السماح له في نفسي بأن يطرح ما يراه و لا أراه.
و في الحقيقة إن مجتمعاً لا يلتفت إلى تلك الرسالة, التي أعتبرها الأهم في حياتنا اليومية, لمجتمعٌ يتنازل عن تأصيل أسس التواصل بين أفراده, و يتخلى عن مسئوليته في بناء الجدار المجتمعي القوي, و عليه أن ينتظر خلافاً بين أبنائه و عناصر مؤسساته على كل اختلاف في رأي أو فكرة أو توجه, بما يحتم -للأسف- عدم الوصول بالوطن إلى البناء الجماعي و السلام الاجتماعي و مفاهيم فريق العمل الذي نحتاج.