ترجل محمود من السيارة بعد أن وصل القرية وسار حاملاً حقيبته وهي يلقي السلام على كل من يقابله .. ولكنه لاحظ شيء غريب وغير عادي في نظرات الناس .. إشفاق .. تأثر .. مواساة .. لايدري ولكنها نظرات جعلت القلق يعتري قلبه , فأسرع عائدا إلى داره وطرق الباب ففتح ليطالعه وجه عارف ابن عمه وهو يتطلع إليه وفي عينيه نظرة انكسار وقال وهو يتحاشى النظر إليه : حمدالله على سلامتك يا محمود .تطلع إليه محمود في توجس وتساؤل وخاصة حينما التفت إلى ذراع عارف ووجده ملفوف بجبيرة ومعلق في عنقه فقال : سلامتك يا عارف هل أصابك مكروه .. وتلفت حوله قائلاً : أين أمي ؟ .. أمي .. أمي ,ثم أسرع إلى غرفة والدته وفتحها على عجل فوجدها منطرحة على فراشها وقد إعوج فمها وتنام بطريقة فهم منها على الفور أنه قد أصابها الشلل ..صرخ محمود : ماذا حدث .. أخبرني يا عارف ماذا حدث ؟قال عارف : عبد القادر الجابري جاء ليستولي على الأرض مقابل الدين .. فاعترضت خالتي طريقه لتمنعه في هستيرية قائلة : لا أحد يضع قدمه في أرض صالح إلا بعد موتي .. .. فأمسسك محمود بكتفي عارف يهزهم في قوة فائلا : فماذا .. ماذا حدث يا عارف .عارف : .. صفعها على وجهها .. فلم تحتمل الإهانة فسقطت فاقدة النطق .كان محمود ينظر إليه مشدوها وقد أخرست المفاجأه لسانه ... فقال عارف : وعندما رأيتها كذلك جن جنوني فهجمت عليه وأوقعته على الأرض عازما على قتله ولكن الكثرة تغلب الشجاعة .. لقد تكالبوا عليّ رجاله وخارت قواي أمامهم ولم يتركوني إلا لخوفهم لآموت ... سامحني يابن عمي .شعر محمود بالدم يغلي في عروقه وبغضب شديد يجتاح نفسه فقال من بين أسنانه : سوف تدفع الثمن غاليا يا جابري .. والتفت إلى أمه التي كانت تبكي في صمت وأردف : أقسم لكي يا أمي بحياتك وبرحمة أبي لأقتلع قلبه من بين ضلوعه ولأجعله يأتي إلى هنا ليقبل قدميكي لتعفين عنه .هزت رأسها معلنة رفضها أن يلقي بنفسه في طريق ذلك الطاغية خوفا عليه إلا أنه أصر قائلا : سأريكي يا أمي أنكي قد أنجبتي رجلا وسأريكي كيف سأبر بقسمي هذا .. واندفع خارجا من المنزل .وصل إلى منزل الجابري ودق بابه في قوة حتى فتحت الخادمة الباب فقال هاتفا : عبد القادر يا جابري .. عبد القادر يا جابري ........... وهنا ظهر الجابري وقد ارتسمت على وجهه جميع علامات الغضب وهو يقول : كيف دخلت إلى هنا أيها القذر .محمود وهو يكاد يهجم عليه : القذر من يستولي بالنصب على مال غيره .. القذر من يتطاول على سيدة ذنوبك كثيرة يا عبد القادر لكن أنا أمنحك فرصة أخيرة لبعد الغد لتخرج من الأرض وإلا لا تلوم إلا نفسك .استشاط الجابري غضبا وقال : ماذا تقول يا ولد .محمود : أقول ما سمعته بالضبط .. أخرج من أرضي وإلا سأجعلك تقتل نفسك ندما وتسترحمني ولن أرحمك ... تذكر كلامي جيدا .شيء ما في كلام محمود أخرس الجابري .. ربما لهجته الصارمة أو ربما الثقة التي يتكلم بها .. المهم أنه قال ما قال وخرج دون أن ينطق الجابري بنصف كلمة ..........عاد محمود إلى المنزل وعندما قص لعارف ما حدث , لم يصدق أذنيه وقال : هل تركك تخرج هكذا بعد ما قلته له ؟ تم ما الذي يجعلك تتكلم بهذه الثقة .محمود في غموض : سترى , وسيرى هو إن لم ينفذ كلامي , عاارف : ولما لاتقول لي ألست تثق فيّ .. أخبرني ماذا ستفعل لأكون معك .. محمود : سأقول لك .. فقط ساعدني لكي ننقل والدتي لكي تسافر معي للقاهرة لأدعها في مستشفى خاصة بصديق لي لتستكمل علاجها ونعود نحن لنستكمل حربنا مع الجابريأودع محمود أمه لدى مستشفى صديقه وهو في العودة إلى البلدة مع عارف سأله عارف : وماذا بعد يا ابن عمي .محمود : طالما اطمأننت على أمي وخاصة إنها كانت نقطة شعفي الوحيدة التي ممكن أن يتصيدني منها الجابري لذلك فضلت أن أبعدها حتى أتفرغ له وأقسم بالله إن لم يلبي طلبي فسأجعله يبكي ندما يوم لا ينفغه الندم ..عارف : أتمنى أن أعرف من أين أتيت بتلك الثقة .محمود : هل تريد أن تعرف حقا ؟ حسنا سأريك .. ثم قال لسائق السرفيس : بإذنك سننزل قبل هنا .عارف : ما هذا ؟ لم نصل البلد بعد .محمود : أعرف .. ولكن أردت أريك ما سيجعل الجابري يأتي زاحفا غلى ركبتيه .فقط سر وأنت صامت ..سار عارف معه في منطقة بعيدة عن السكان حتى وصل لطاحون قديم مهجور ودخل بها مناديا عارف قائلا : أقبل .. .. قال عارف : أقبل إن هذه الطاحون مهجورة ويقال إنها مسكونة أيضا .محمود : أقبل لترى ... .... تقدم عارف في توجس وفجأة سمع صوت ارتعدت له فرائصه
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة