آخر الموثقات

  • المتحدثون عن الله ورسوله
  • قصة قصيرة/.المنتظر
  • قصتان قصيرتان جدا 
  • سأغير العالم
  • كيف تعلم أنك وقعت في الحب؟
  • التأجيل والتسويف
  • فأنا لا انسى
  • احترام التخصص
  • 2- البداية المتأخرة لرعاية الفنون والآداب
  • يعني إيه "الاحتواء"؟
  • يا عابرة..
  • رسائل خلف السحاب
  • صادقوا الرومانسيين
  • ربي عيالك ١٠
  • من بعدك، كلامي بقى شخابيط
  • إيران من الداخل بعد الحرب.. 
  • معضلة فهم الحرب على إيران
  • نصر سياسي ايراني
  • قصة قصيرة/ وصاية الظل
  • ق ق ج/ سرُّ الشجرة والقوس
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة مني أمين
  5. هى و الأقدار

خرجت الأم من حجرة الجراحه وبعد أن اطمئنا عليها أشرف وعليه شقيقا أمنيه حتى تركاها وأنصرفا .
مكثت أمنيه مع والدتها بمفردها حيث أخلدت والدتها للنوم ، كانت تشعر بوحده وملل رهيبين وكيف لا وهى لا تجد من تتحدث معه أو من يشاركها وحدتها .
نهضت من على الفراش المجاور لفراش والدتها واتجهت الى الشرفه وجلست على المقعد الذى فى الشرفه تنظر الى السماء وكأنها تستأنس بربها من تلك الوحده البغيضه .,. . شردت بخيالها وهى تقول لنفسها : لو كان أبى مازال حيا لكان الحال غير الحال بالمره ، فقد كان سيشاركهما محنتهما هى ووالدتها ثم ان معاملة شقيقاهالها ستكون غير ذلك بالمره .
آه . . لقد كان أبى ملاذى وأمانى فى هذه الدنيا والأن ليس لى سوى الله سبحانه . . نعم ليس لى سوى الله ، وكيف لا وهو الذى أعاننى على تجاوز أزمتى بعدما أحيلت كل السبل بينى وبين طبيبى فكان جل شأنه هو الطبيب وهو الآمان .
تذكرت حينما ضاقت عليها الدنيا فى العام قبل الماضى عندما اشتدت أزمتها مع المرض وكالعاده لم تستطع حتى التفوه بحاجتها للطبيب وكانت المشاكل التى تقع فيها بسبب هذا الانفصام تعود عواقبه عليها بعد ذلك ، فالشخصيه الثانيه كانت تسبب لها الكثير من المشاكل حتى تبلغ درجة التورط ، وكانت بالطبع تخفى تورطها حتى لا يزداد اضطهاد أهلها لها . وتضطر أن تجد حلولا لتلك المشاكل بعيدا مما كان يرهقههما نفسيا وعندما أطبقت عليها الدنيا ظلت تصرخ . . وتصرخ . . وهى لا تجد حلا لما هى فيه ولا حلا لمشاكلها حتى أنها وصلت آنذاك لحد الكفر بالله كانت تحدث ربها وكأنه شخص أمامها قائله : ان كنت موجود فلما تفعل بى هكذا ولما تحملتى مالا أطيق ولما أخذت منى أبى ؟ ولما لا تسمع دعائى ؟ ولما لا تقف بجانبى ؟ ولما . . ولما . . ولما . . حتى وجدت نفسها وصلت لحالة الكفر ، من أنه لا يوجد رب ولايوجد معين فى هذه الدنيا . وكان ذلك فى شهر رمضان - - وجدت نفسها وهى الأنسانه المؤمنه العالمه بتعاليم دينها المؤمنه بقضاء الله أصبحت كافره بكل شئ وكان ذلك فى أول يوم من الشهر الكريم .
عندما وصلت لهذه النقطه هزت رأسها بقوه كمن ينفض عن رأسه ذكرى بغيضه وهى تقول : استغفر الله . . . سامحنى يالله . لا أدرى لما وصلت أنذاك الى هذه الحاله من الجنون .
ثم كسى وجهها الخشوع وهى تقول لنفسها وهى تنظر الى السماء ولكنك برغم كل شئ وبرغم كفرى بنعمتك لم تتركنى وحدى ولم تدعنى أضل بل أهديتنى سريعا الى سبيلك مره أخرى . وشردت بفكرها الى هذه الذكرى وكان ذلك فى اليوم الرابع لنفس الشهر الكريم أى بعد ذلك بيومين فقط ، كانت مدعوه لمؤدبه افطار عند أحد أقربائها هى ووالدتها ووجدت عندهم سيده كانت هى أيضا مدعوه على الأفطار وقالت لها : ألا تسمعين ذلك الداعيه الأسلامى الذىيتحدث فى التلفاز وقت السحور .
فأجابت أمنيه فى تبرم : أنا لا أسمع ذلك ولا غيره ثم ان اسلوب هذا الداعيه يثير فى نفسى الضجر فأسلوبه مستفز .
قالت السيده : ان الشيطان الذى يصور لك ذلك حاولى أن تسمعينه ان كلامه يثلج الصدور .
لم تهتم بكلام السيده وأخذته فى شئ من الأستهتار واللامبالاه ، وعندما عادت الى المنزل جلست أمام التلفاز تتصفح برامجه ، واذا بها تجد ذلك الداعيه الذى حدثتها عنه السيده وأرادت أن تغير البرنامج الا شئ ما منعها لاتدرى ماهو وجلست تستمع اليه وكان يتحدث فى تلك الحلقه عن الحب . . حب الله . . كيف نرى الله . . وكيف نحبه.
ووجدت كلماته تنسلب الى أذنيها ثم تنفذ الى قلبها مباشرة فلمسته وكلما طال انصاتها اليها زادت نفسها هدوءا ورق قلبها وروحها حتى وجدت نفسها تذرف الدمع رغما عنها .
لقد كانت كلماته صادقه نافذه تريح النفس الحائره المكلومه وبعد ما أنتهى الحديث نهضت وكأن قوه خفيه تقودها فتوضأت وصلت واستغفرت ربها وناجته قائله : ربى لا أجد لى فى هذه الدنيا سواك وقد ضاقت بى كل السبل وليس لى حيله وابتليت بمرض ليس لى فيه أى ذنب ولا وسيله لدى للشفاء سوى الدعاء سأدعوك ربى عسى أن تستجيب لمن هى قليلة الحيله .
انحدرت العبرات من عينيها وهى تذكر تلك اللحظه والهدوء النفسى الذى اعتراها بعد ادائها لصلاتها .
ظلت طوال عام ونصف تصلى وتبتهل وتتوسل حتى من الله عليها بالشفاء وأفاض عليها من كرمه ورحماته وقدسعدت كثيرا بهذا الشفاء ، ولكن ظلت المشاكل التى تسببها تلك الشخصيه الأخرى موجوده وآه من تلك المشاكل التى تسببها تلك الشخصيه اللعينه فبقدر ما كانت أمنيه شخصيه قانعه هادئة الطباع بقدر ما كانت الشخصيه الأخرى شريره مسرفه تهوى البذخ والعربده ، فقد كانت تستغل تلك الشخصيه محبة الناس لأمنيه وعلاقاتها الطيبه بهم فتلجأ الى الأقتراض مبالغ ضخمه منهم وانفاقها ببذخ فى أشياء لا معنى لها كأنها تريد أن تورطها فقط لا غير ، وتجد أمنيه نفسها فجأه أسيرة دين كبير لا تملك سداده فتضطر للاقتراض هى أيضا لسداد من يتعجل السداد وتشترك فى جمعيات مع الأصدقاء والمعارف لسداد الدين .
ومنه ما كان يوفقها الله فى سداده قبل أن يعلم به أحد من أهلها فيأخذه قرينه عليها ويستمر فى اضطهاده لها سواء كان شقيقها أو عمها ولا تلقى سوى التوبيخ والتقريع على ذنب لم تقترفه وهم يصرون على عدم تصديقها .
تنهدت أمنيه وهى تتطلع بعينيها الى السماء قائله : ربى اعنتنى على الشفاء ووهبتنى اياه والآن أريدك أن تعيننى على قضاء ما تبقى على من ديون وأنت تعلم وحدك أنى لا ذنب لى أن أغفر وأسامح من ظلمونى فأنا أحمل لهم بعض العذر الا أننى لا أستطيع أن أسامحهم ولكنى أرجوك أن تساعدنى .


[3]
---------
جلست أمنيه فى مساء ذلك اليوم تتناول طعام العشاء هى ووالدتها حيث قالت لها والدتها : ماذا بك يا أمنيه . . أراك مهمومه جدا هذا اليوم .
أمنيه : لا شئ ياأماه أنا بخير اطمئنى فقط أنا ما زلت قلقه عليك .
الأم : لا تقلقى يا بنيتى فأنا أصبحت بخير وكما قال الطبيب سأخرج من المستشفى بعد غد ان شاء الله وسيكون كل شئ على ما يرام فلما القلق .
أمنيه : حمدالله على سلامتك
نظرت اليها الأم نظره متفحصه وقالت : أعتقد أن ليس هذا فقط هو ما يجعلك مهمومه الى هذا الحد . . أليس كذلك ؟
أرادت ألا تقلق والدتها وتكذب عليها الا أنها وجدت نفسها تقول على الرغم منها : أنت تعلمين المشكله التى أنا بها .
قالت الأم فى انزعاج : هل حدث شئ جديد ؟ هل اكتشفت شئ جديد ؟
أمنيه على الفور : لا لم يحدث شئ جديد . لقد أتم الله على الشفاء والحمدلله ، ثم تنهدت وهى تقول : ولكن أليس ما أنا فيه بكاف لقد أصبحت لا أحتمل ما أنا فيه.
قالت الأم فى اشفاق : اصبرى يا أبنتى وتمسكى بالله وسيساعدك .
قالت أمنيه : انى صابره ياأمى ولكن غيرى لايصبر فالسيده التى أنا مدينه لها لاتصبر لقد أصبحت كالصداع المزمن وأخشى ما أخشاه أن تفضحنى عند اخوتى وفى نفس الوقت لا سبيل لدى لتدبير المبلغ لها .
كانت والدتها تشاركها مشاكلها بنفس الدرجه ولكنها بطبيعة أى أم تحاول التخفيف عن ابنتها فقالت مطمئنه : لن يتركك الله أبدا وسيفرج كربك باذن الله ، فهو جل شأنه يعلم أنك ليس لك ذنب فى كل ما يحدث ولكن ثقى أنه بجانبك .
ابتسمت ابتسامه شاحبه وأومأت برأسها مؤيده لكلام والدتها ثم نهضت من على المنضده الصغيره .
فقالت الأم : انك لم تتناولى عشاءك بعد .اجلسى لتكملى طعامك .
أمنيه : أكملى أنت طعامك يا أمى فلم يعد لدى رغبه فى الطعام .
أمنيه : لاأرجوك يجب أن تأكلين جيدا حتى تأخذين الدواء وسأذهب لأستدعى الممرضه حتى تعطيك الدواء .
انصرفت أمنيه لتستدعى الممرضه ومضت تسير فى الممر المؤدى الى حجرة التمريض عندما سمعت صوتا يقول اذا سمحت التفتت اليه ,فوجدت أمامها شاب شديد الوسامه له قوام فرسان الأساطير نظرت اليه متطلعه الى وسامته وابتسمت فى هدوء قائله
ك أتحدثنى أنا ؟ . , قال : نعم . . أين حجرة التمريض ؟ قالت : انها فى نهاية الممر وعموما أنا كنت فى طريقى اليها .
سار بجوارها الى حجرة التمريض وهو يقول : لاأدرى كيف مستشفا كبير كهذا ويكون مستوى التمريض فيه هكذا .
قالت : ليس الذنب ذنب الممرضات ولكن ذنب الاداره فعدد الممرضات الليليات يكون قليل ولذلك يكون العبء عليهن كبير .
وصلا الى حجرة التمريض فوجداها فارغه فقال لها : الم أقل لك مستوى التمريض سئ فالممرضه ليست فى حجرتها .
هزت كتفيها قائله : هذا أكبر دليل على أنها لم تقصر فى واجبها فهى بالتأكيد مع احد المرضى وهذا ليس ذنبها كما قلت لك .
ابتسم ابتسامه رقيقه وهو يقول : أأنت هكذا دائما تلتمسين الأعذار للناس .
قالت وكأنها تحدث نفسها : بل ألتمس ألف عذر .
قال فى شئ من المغازله : ليس بغريب على من تملك وجها ملائكيا مثلك أن تملك قلبا ملائكيا أيضا .
اندهشت لجرأته فى الكلام الا أنها قالت : ليس هناك ملائكه على الأرض كل ما فى الموضوع أنى ألتمس ألف عذر كما قلت لك ولكن اذا ما غضبت بعدها فلا تسامح ولا غفران عندى أبدا وأعتقد أن هذا ليس من شيم الملائكه .
عند هذه اللحظه أتت الممرضه فقالت لها أمنيه : آنسه أحلام جئت أذكرك بموعد دواء والدتى فقد تناولت عشاءها وتريد أن تنام .
أحلام : حسنا . . اسبقينى وسألحق بك .
اتجهت عائده الى الحجره وهى تتعجب من نفسها لماذا تساهلت معه فى الحديث هكذا . ماله هو ان كنت تستطيعين التسامح مع البشر أم لا . . ماله هو . أمعقده أنت ؟
جاءت الممرضه لكى تعطى والدتها الدواء ، قالت أمنيه : عظيم لقد أتيت سريعا ، لقد تصورت أنك ستنشغلين بعض الوقت مع السيد الذى كان فى الحجره فأعتقد أنه كان بحاجه ملحه لك.
قالت وهى مستمره فى أداء عملها : تقصدين الأستاذ ايهاب ، ثم أردفت فى شئ من التبرم : انه كان يريدنى أن أذهب الى والدته وهى سيده مسنه ومصابه بارتفاع شديد فى السكرمما تتطلب حجزها فى المستشفى وتحتاج الى رعايه خاصه لأنها مصابه أيضا بالشلل النصفى وارتفاع السكر جعلها لا تستطيع التحكم فى البول ولذلك فهى تحتاج الى تبدل ملابسها كل يوم مرتين على الأقل وفى الواقع أنا لاأستطيع أن أفعل ذلك بمفردى فكما ترين بسبب الحادث والمصابين المنقولين الى المستشفى لا يوجد وفره فى الممرضات فكلهن فكلهن ذهبن الى العمليات ولم يبق سواى وأنا بمفردى لا أستطيع لذلك قلت له انتظر حتى تأتى من تعاوننى . . . .
أمنيه : ولم لا يعاونك ابنها .
أحلام : انها ترفض أن يراها ابنها على هذه الحاله .
أمنيه فى اشفاق : مسكينه .
فرغت أحلام من عملها وقالت لوالدة أمنيه : والأن وبعد أن أخذت المحقن المنوم عليك بالنوم والراحه فليس لك أيه أدويه الليله ، دثرتها بالغطاء وهمت بالأنصراف .
حتى قالت أمنيه فجأه : آماه . . سأذهب لأجلس مع أحلام فى حجرة التمريض .
ابتسمت الأم قائله : اذهبى يا بنيتى بدلا من أن تجلسى هكذا بمفردك وما أن خرجا معا من الحجره حتى قالت لأحلام : ما رأيك لو أتيت معكى لمعاونتها .
أحلام : ولكن هذا مجهود شاق فهى ممتلئة الجسم بعض الشئ .
ابتسمت أمنيه قائله : لاعليك . . هيا بنا
ابتسمت أحلام بدورها : هيا بنا .

{4]
----------
طرقت أحلام حجرة والدة ايهاب ففتح لها الباب وأطل بوجهه الوسيم فقالت الممرضه : الآنسه أمنيه تتطوعت أن تعاوننى .
نظر اليها فى امتنان وحرج قائلا : ولكن هذا شئ مرهق ولا نريد أن نشق عليك .
قالت فى رقه وحنان : لا عليك انها مثل أمى . . فقط انتظر بالخارج .
انصرف وهو يتمتم بعبارات الشكر .
بعد أن فرغتا من عملهما شكرت السيده أمنيه قائله فى امتنان شديد قاله : لا أدرى كيف أشكر لك صنيعك يا أبنتى .
ابتسمت لها ابتسامه حنون عذبه قائله : ليس هناك ما يستدعى الشكر يا أماه فأنك مثل أمى .
قالت الأم : جزاك الله عنى خيرا . . . برفقة من هنا يا أبنتى
أمنيه : برفقة أمى لقد أجريت لها صباح اليوم جراحه فى العظام .
- وما حالها الأن
- بخير والحمدلله
- شفاها الله لك يا بنيتى
- أشكرك يا أماه . . . باذنك
أستأذنتها وأنصرفت خارجه هى وأحلام الممرضه فناداها ايهاب فانصرفت الممرضه الى عملها .
تقدم منها قائلا : أنا لا أدرى كيف أشكرك
ابتسمت فى هدوء قائله : ليس هناك ما يستدعى الشكر .
ايهاب : كيف ؟ انك أرهقت نفسك فى خدمه انسانه لا تربطك بها أية صله .
أمنيه : ليس من الضرورى أن يكون بينى وبينها صله ، يكفى انها انسانه كما قلت أنت ، وفى حاجه لمساعده وأنا بامكانى أنا أساعدها فلماذا أتاخر عن مساعدتها .
نظر ايهاب الى عينيها مباشرة قائلا : هذا ليس بغريب عليك ألم أقل لك أنك ملاك .
أمنيه : وقد قلت لك أنا أيضا أنه لا يوجد ملائكه على الأرض فلا تبالغ . . . اسمح لى
تركته وأنصرفت عائده الى الحجره .
فى ظهيرة اليوم التالى جلست أمنيه فى الأستراحه تتناول قدحا من الشاى فوجدته أمامها يقول : صباح الخير يا آنسه أمنيه .
ابتسمت فى هدوء : صباح الخير .
ايهاب وهو يجلس : لقد كنت فى طريقى لكى أبحث عن حجرتك .
قالت فى انزعاج : حجرتى أنا . . لماذا ؟
قال فى حرج لأنزعاجها : لاشئ . . فقط لأشكر لك صنيعك ولكى أطمن على والدتك .
هبت من مكانها قائله : لا داعى للشكر كما قلت لك ووالدتى بخير والحمدلله . . لكن أرجوك اذا كنت تريد أان تسدى لى صنيعا فلا تسأل عنى ولا تأتى الى حجرتى .
ايهاب فى دهشه : ولما ؟
أمنيه : أهلى عقليتهم منغلقه ولا أريد مشاكل معهم أرجوك .
ايهاب : حسنا . . حسنا أنا لا أريد أان أسبب لك أى حرج وسأنفذ ما طلبته منى على شرط . نظرت اليه فى تساؤل .، فأردف قائلا : أن تعدينى بمجرد انتهاء موعد الزياره وبعد أن تخلد والدتك للنوم سأنتظرك هنا الساعة الثانية عشر أى عند منتصف الليل لنتحدث سويا فأنا أريد التحدث معك .
لاتدرى لماذا لم ترفض .، ربما لأنها تفتقد الأهتمام من أى شخص خلاف والدتها أو ربما تريد أن تعيش مغامره لأول مره فى حياتها كباقى بنات جنسها أو ربما تريد أن تعيش احساس انها مرغوبه أو ربما كلهم جميعا المهم أنها لم ترفض ومضت على وعد بلقاء .
{5}
------
فى المساء اتجهت الى الأستراحه فوجدته فى انتظارها وعندما رآها هب واقفا واتجه ناحيتها مرحبا ، وقال : كنت أخشى أن تنسين الموعد ولا تأتى .
قالت وهى تجلس : فى الحقيقه أن الوقت فى المستشفى يمر مملا وخاصة أنه ليس من عادتى النوم مبكرا ولذلك لا ضير من تضييع بعض الوقت .
قال وهو يجلس بدوره : تقصدين أنك أتيت لتضييع الوقت فقط .
قالت وكأنها لم تسمع عبارته : أنت هنا بمفردك مع والدتك .
ايهاب : نعم . . فوالدتى ليس لها غيرى بعد أن تزوج شقيقاى وهاجرا أحدهم الى كندا والأخر الى هولندا ولم يعد سواى ولذلك (وأكمل فى أسلوب ذات مغزى ) ولذلك لم أتزوج حتى الآن
بدا وكأن زواجه أو عدمه لا يعنيها وقالت : جميل أن يضحى الأنسان من أجل الآخرين وخاصة اذا كان هؤلاء الأخرين هم الأم .
قال فى اعجاب : أنت انسانه مثاليه للغايه
قالت : وأنت شئ من الأثنين اما انسان طيب للغايه وتحكم فى سرعه على الأشخاص أو انك انسان مجامل للغايه وفى الواقع أنا أرجح الثانيه .
ايهاب : افهم من ذلك أنى انسان شرير فى نظرك .
أمنيه : لا . . لم أقصد ذلك ، كل ما قصدته أننى لا أعرفك بعد حتى أجكم عليك ان كنت طيب أم شرير .
ايهاب : اذن لنتعرف . . اسمى ايهاب أحمد عبدالله ، والدى توفى وأنا فى المرحله الأعداديه ولى أيضا شقيقان أكبر منى . خالد وعمرو ، والدى كان يعمل فى شركه سياحيه وبعد أان تزوج شقيقاى وهاجرا لم يبقى سواى مع والدتى التى داهمها المرض وأقعدها فى الفراش ولم يكن بامكانى أن أتركها وخاصة أنها كل شئ فى حياتى ولم أستطيع أن أتزوج وأتى بمن تضيق بوالدتى أو لا نتحماها فوالدتى تحتاج معامله خاصه .
ملأت عينيها نظرة اعجاب وتقدير وهى تقول : ان كنت فعلت ذلك كما تقول فأنا لست المثاليه بل أنت .
ابتسم ايهاب قائلا : أشكرك أنا لا أتفاخر بما فعلته ولكن هذا واجبى وقد قصصت لك ذلك لأننى أحسست أنك تنظرين الى على أنى شاب مستهتر أو أفاق .
أمنيه مستنكره : أنا لم أقصد هذا مطلقا يبدو أنك فهمتنى خطأ ., أنا . . .
قاطعها قائلا : أنا أريد أن أعرف من أنت . . أعنى أنى أريد أن أعرف عنك كل شئ .
ابتسمت فى حرج قائله : أنا . . أنا أنسانه عاديه جدا ظروفى تقريبا شبيهه بظروفك .، غير أنى فقدت والدى منذ سنوات قليله ، ثم كسى صوتها المراره وهى تقول :وفقدت معه كل شئ الحب والحنان والآمان كل شئ . . كل شئ .
شعر بالأشفاق عليها الا أنه سألها فجأه : ولما لم تتزوجين حتى الآن .
بهتت من سؤاله ولا تدرى ماذا تقول له فلا يمكن أن تقول له أن مرضها هو الذى منعها ، فقالت : ومن أين علمت أنى لم أتزوج .
ايهاب : لقد سألت عنك أحلام وأخبرتنى بالحقيقه تعجبت كثيرا فأنت جميله بل باهره الحسن ورقيقه فما المانع الذى جعلك تظلين بدون زواج .
شعرت بحرج لهذا الأطراء وحرج لأنها لاتجد جواب مقنع سوى أن قالت : لقد كنت مشغوله بعمل معارض للفن التشكيلى وكنت أريد أن أثبت نفسى فى هذا المجال فلم يكن لدى الوقت لأفكر فى شئ آخر وكان أبى يعوضننى عن كل حنان أحتاج اليه فلم أفكر فى الزواج من قبل .
ايهاب : والآن .؟
وقفت أمنيه فجأه قائله : لقد تأخرت على والدتى كثيرا ، أستأذنك الأن .
اعترضها قائلا : أرجوك لا تهربى من سؤالى فأنا أشعر ناحيتك بميل وأعتبرينى أعرض عليك الزواج ما رأيك .
قالت فى دهشه : ألم أقل لك أنك متسرع جدا .
ايهاب : أمنيه صدقينى هذا ليس تسرع فأنا أحتاج اليك وأشعر أنك بحاجه الى انسان يحبك ويعطيك الحب والحنان والآمان فلما لا تفكرين فى الموضوع .
أمنيه : أنت . . .
قاطعها : أرجوك لاتعطينى جواب الآن فقط فكرى وسأنتظر ردك غدا فى نفس الموعد .
استلقت على الفراش وشردت تفكر فى ما حدث كانت أول مره تعيش مثل هذه الأحسايس ، عاشت حياتها كلها حبيسة مرضها فلم تعش تلك المشاعر من قبل مثل بنات جنسها حتى أن أى محاوله من أى شاب للتقرب منها كانت تلاقى منها بالنفور ، ولكن الآن وبعد أن شفاها الله أصبح بامكانها أن تمارس حياتها كسائر البشر .
ولما لا أليس فتاه مثل كل الفتيات أليس بصدرها قلب ينبض ، أليس من حقها أن تحب وتتزوج ، أنها كثيرا عندما كانت تضيق بها الدنيا تتخيل أن هناك شخص فى هذه الدنيا يحتاج اليها كما تحتاج اليه ، يتوق الى حب فتاه مثلها مثلما تتوق هى الى حبه . كانت تعلم أن هذا الشخص موجود ويبحث عنهما مثلما تبحث تبحث عنه ولكن اراده الله لم تشأ بعد بالتلاقى .
كانت تلك الفكره تعطيها بعض الراحه ، والآن هل يكون هو ذلك الشخص الذى كثيرا ما أنتظرته .
ثم استعادت صورته وكلامه استعادت وجهه الوسيم وكلامه الحنون وقالت لنفسها : هذه أول مره أشعر أن هناك من يهتم بى ويشعرنى بأنوثتى وبأننى انسان مرغوب فيه ، انى الآن أشعر بهدوء و براحه واطمئنان فى نفسى أول مره أجد من أتحدث اليه ويسمعنى وأسمعه ويشكو لى وأشكو له ، ليته يكون مثل ما بدا لى ولا يكون كله مجرد تهيؤات ، نعم . . حذار يا أمنيه أن يكون من الأشخاص الذين يتلاعبون بالمشاعر ويوقع الفتيات فى شباكه خاصة وقد حباه الله بوسامه شديده وحدديث منمق آخاذ ، فتجدى نفسك فجأه أسيرة أحزان جديده أنت فى غنى عتها كفاك ما أنت فيه .
ثم نفضت تلك الفكره قائله : لا انه ليس كذلك لقد كان صادقا فى كل كلمه ثم أنه عرض عليها الزواج وان كان غرضه التسليه ليس الا لما عرض عليها فكرة الزواج .
اتركى نفسك تخوضين التجربه ، اتركى نفسك لتعيشى شيئا جديدا يدخل بعض البهجه على حياتك الكئيبه ، لقد أرسل الله لك من ينير ظلمة حياتك ويحتويك بحبه وحنانه فما كل هذا التحفظ وكل هذا الخوف لاضير من التجربه ولن تخسرى أكثر مما أنت فيه ولعل يجعل الله فى وجوده غى حياتك الأمان الذى تفتقدينه .
{6}
---------
استيقظت أمنيه على صوت الممرضه وهى تتحدث مع والدتها . فقالت : كم الساعه الآن ؟
الممرضه : الحاديةعشر .
أمنيه : لقد تأخرت فى النوم كثيرا .
الممرضه : يبدو أنك كنت متعبه أو طال بك السهر البارحه .
أمنيه : ولماذا لم توقظينى يا أمى .
الأم فى حنان : لقد تركتك كى تأخذين قسطا من الراحه .
انتهت الممرضه من عملها وقالت قبل أن تنصرف : سوف يمر عليك الطبيب الأن وأعتقد أنه سيوقع لك أمر بالخروج ، حمدالله على سلامتك .
الأم أشكرك يا بنيتى .
التفتتت الأم الى ابنتها فوجدتها وقد بدا على وجهها الأنزعاج ، فقالت : أمنيه . . مابك ألست سعيده لخروجنا ؟
أمنيه فى ارتباك : بل بالطبع سعيده لخروجنا وسعيده أيضا لأنك أصبحت الأن بخير .
الأم : اذا ماذا بك ؟
أمنيه : لاشئ يا أمى . . فقط انى هنا أشعر أنى فى أجازه من المشاكل والديون وستعود المشاكل بمجرد عودتنا الى المنزل .
شعرت الأم بالأشفاق والضيق لضيق ابنتها وقالت محاوله التخفيف عنها : يا أبنتى أنت والحمدلله أصبحت بخير ولذلك لن تكون هناك مشاكل أخرى أما بالنسبه للديون فلا تقلقى سأتصل بتلك السيده وأحاول أؤجل معها لعل الله يرقق قلبها ولا تألب علينا المشاكل فلا تقلقى .
أمنيه : وعلى فرض أنها وافقت على التأجيل فماذا بعد ذلك ؟فأنا لا حيلة لى قد أستنفذت كل السبل ولم يعد لى سبيل آخر .
الأم : دعى الأمر لله ولن يتركنا أبدا ان شاء الله .
كانت تعلم أن أمنيه هذا هو ليس السبب الوحيد فهى لا تريد أن تترك المستشفى حتى لا تبتعد عنه كيف تعلقت به هكذا سريعا وجدت فيه ارتواء لنفسها العطشى للحنان .
قالت لنفسها : آه لو أراد الله وجمعهما به الى الأبد ساعتها ستكون قد كتبت لها الراحه والسعاده بعد التعب والحزن .
فى المساء التقت به ولقيها بشوق ولهفه أثلجت صدرها وأسعدت قلبها الوحيد .,وقال فى لهجه حنون : كيف حالك اليوم ؟
أمنيه : بخير والحمدلله .
ايهاب : لقد أوحشتنى كثيرا , لقد أصبحت ش هام جدا فى حياتى .
ابتسمت أمنيه فى حياء صامت .
ايهاب : هل فكرت فيما عرضته عليك .
أمنيه : نعم
ايهاب فى لهفه : هاه . . وما رأيك ؟
أمنيه : أنك لم تعلم عنى أى شئ بعد .
ايهاب : أعلم عنك ما رأيته منك وهذا يكفينى .
أمنيه : ولكنى لا أعلم ماذا تعمل حتى الآن .
ايهاب : أنى أعمل فى شركة السياحه التى كان يعمل بها والدى , فقد كان رئيس الشركه صديقا لوالدى رحمة الله عليه وقد وعدنى بمجرد تخرجى من كلية السياحه والفنادق أن آتى اليه ليعيننى فى الشركه وبالفعل تم تعيينى فى الشركه وقد أثابنى الله على اجتهادى واخلاصى فى العمل , فقد أصبحت مدير ادارى فى الشركه وأحصل على راتب كبير وليس لى فى هذه الدنيا سوى أمى وعملى وأمنيتى أن تشاركينى المتبقى من مشوار حياتى , هذا كل شئ عنى والآن ماذا تريدين أن تخبرينى عن نفسك ؟
أمنيه : أنا ظروفى مختلفه تماما عن ظروفك انى متحرجه من كلية الفنون الجميله قسم الديكور وهوايتى الأساسيه هى الرسم وقد أقمت ثلاثة معارض فى أكبر دور العرض ولكن كما تعلم فبلدنا لامكان للفن التشكيلى بها فكرزت كل مجهودى فى عملى بالديكور , وكانت الحياه تسير بحلوها ومرها حتى توفى والدى فجأه فتوقفت حياتى عند هذا الحد بل وأدارت لها وجهها اللعين وتوقفت عن العمل وأصبحت الأيام شبيهه بعضها كئيبه ممله .
ايهاب : وما الذى جعلك تتوقفين عن العمل .
نظرت اليه وتنهدت كمن عقد عزمه واتخذ قرار بالبوح بسر معين وقالت فى هدوء : لماذا تركت العمل . . . هذا أهم ش لابد أن تعلمه عنى .
ثم نهضت واتجهت ناحية شرفة الأستراحه وهى تنظر الى الفضاء الفسيح كلما تعودت عندما تتحدث مع نفسها , وقالت : عندما كنت صغيره وبالتحديد فى السنه الأولى من المرحله الأبتدائيه كان لى صديق طفوله , كنا دائما نلعب سويا وكان يجلس بجانبى فى الفصل وذات يوم كنا نلعب سويا فى فناء المدرسه قبل بدء اليوم الدراسى , وكنت طفله شقيه جدا ولذلك اقترحت عليه أن نصعد السلالم فى غفله من المعلمات وننزلق على سور السلم .
وأعترض هو خوفا من أن ترانا المعلمه فتعنفنا ولكن أفهمته انها لن ترانا وانها لعبه جميله وصعدت أنا قبله لأشجعه وانزلقت أمامه مره ومره حتى أعجبته اللعبه فصعد مثلى الى الدور الثالث وانزلق مره وعندما أعاد الكره وضع قدمه ليركب السور وينزلق عليه لكن اختل توازنه وكاد أن يهوى فى بئر السلم لولا أنه تشبث بأسياخ الحديد المصنوع منها السور .
أصابنى الذهول وتسمرت مكانى وظل هو يصرخ : أنقذينى أو أصرخى مناديه أحد ليساعدنى ., ظل يصرخ ويصرخ وأنا لاأدرى ماذا حدث لى وقفت متجمده مكانى وكأن جسدى أصابه الشلل وظللت على حالى هكذا وفجأه صرخ صرخة رعب هائله و . . وهوى . .
صمتت لتلتقط أنفاسها وأغمضت عينيها وهى تستعيد تلك الذكرى الأليمه , حتى شعر هو بالأشفاق عليها وتقدم منها وهو يربت على كتفها فى حنان ويبدو أنها كانت مستغرقه فى الذكرى حتى أنه بمجرد أن لمس كتفها انتفضت كمن أفاق من غيبوبه , فقال فى اشفاق حنون : اهدئى . . ما الذى جعلك تتذكرين تلك الذكرى الأليمه ؟
تنهدت قائله : لأن تلك الحادثه كالمطرقه التى هوت على جدران حياتى فصدعتها وأصبح كل شئ فيها مهزوز ومشروخ تغيرت شخصيتى بزاويه مائه وثمانون درجه .
ايهاب : وكيف ذلك .
أمنيه : بعد الحادثه كانت تحدث لى حالات اغماء كثيره , اغماء يستمر لساعات وبعدها أفيق وكان شئ لم يكن وعرضنى والدى على الطبيب فأرجع ذلك الى أنه رد فعل طبيعى للحادثه وسيزول بمرور الوقت وبالفعل بدأت الفترات بين نوبات الأغماء تقل حتى انعدمت وأعتقد أهلى أنى شفيت تماما ولكن للأسف هذا كان غير صحيح .
صمتت وقد خنقتها الذكرى حتى قال ايهاب فى اشفاق : ان لم يكن لديك رغبه فى الحديث فلا تحملى نفسك فوق طاقتها .
أمنيه : بل لابد أن أكمل لك حكايتى لتعلم كل شئقبل أن تتخذ أى قرار ولا تفهم من كلامى أننى مازلت مريضه على العكس فقد شفانى الله عز وجل ولك أن تسأل لتعرف .
ابتسم ايهاب فى حنان : أنا أصدقك ولا أحتاج أن أسأل أى شخص .
أمنيه : أتصدقنى حقا ؟
ايهاب فى حماس : بالتأكيد أصدقك , فما الذى يرغمك أن تقصى على كل ذلك لولا أنك انسانه صادقه وتمقتين الخداع والكذب .
أمنيه : أشكرك جدا لاتدرى كم يسعدنى كلامك هذا .
ايهاب : ستكون معى حياتك كلها سعاده .
أمنيه : انتظر حتى تسمع بقية الحكايه وسنرى ان كان لنا حياه مع بعضنا البعض أم لا.
عادت تنظر من الشرفه وأخذت نفس عميق حتى تستجمع ذاكرتها وقالت : بدأ بعد ذلك تحدث لى أشياء غريبه , على سبيل المثال اذا كتبت واجبى المدرسى وأذهب الى المدرسه فى اليوم التالى لا أجده أجد الأوراق التى كتبت عليها قد قطعت ولذلك ألقى العقاب من المدرسين والمدرسات رغم قسمى لهم بأننى قمت بعمل الواجب وليس ذلك فقط بل كان يأتى الينا من يشكو لوالدى سوء سلوكى مع أطفاله أو من مشكله تسببت فيها وكنت لا أتذكر أنى فعلت ما يتهموننى وأظل أقسم لوالدى ووالدتى أنى لم أفعل ذلك ولكنهم كانوا لايصدقوننى ويظلا يعنفوننى بالكلام حتى أصرخ أصرخ فى هيستيريا فينزعجا ويبدؤا فى تهدئتى وعندما تقدمت فى العمر وأنا فى سن العشرين وجدت بعض الأصدقاء والمعارف يأتون الى ويطلبون منى سداد ما أقترضته منهم وعندما أنفى عن نفسى الدين يظهرون لى ايصال الأمانه الذى حررته لهم وكنت أجد نفس الخط هو خطى , وأضطررت لمصارحة والدتى بما يحدث وفى البدايه لم تصدقنى وظللت أقسم لها وخاصة أن والدى لم يكن يحرمنا أنا وشقيقاى أى شئ , وساعده فى ذلك أنه كان ميسور الحال وأخبرت والدى فقرر عرضى على طبيب نفسى وعندها اكتشفنا السر أنى مريضه بمرض انفصام فى الشخصيه مزمن صعب الشفاء منه وهو أنى أعيش بشخصيتين والشخصيه الأخرى تحاول الأنتقام منى لآن العقل الباطن ترسب بداخله احساس بالذنب تجاه الطفل الذى توفى ولذلك تريدالآنتقام بأن توقعنى فى مشاكل ليس لى ذنب فيها وقد عرض عليه والدى ألا أخرج من المنزل سوى برفيق حتى يتم السيطره على الشخصيه الأخرى ولكن الطبيب منعه من ذلك لآنه يمكن أن يتسبب فى انهيار عصبى يصل لحد الجنون .
وبدأت العلاج وكلما يأسنا من طبيب ذهبنا الى آخر , حتى هدانا الله لطبيب بدأت أتماثل للشفاء على يديه ولكنه كأى مرض نفسى يحتاج لوقت ولم يكن الوقت هو المشكله أنما المشكله كانت فى شقيقاى , بدئا فى اضطهادى واتهامى بالكذب وبأننى أفعل هذا على دون وعى منى بل وأكثر من ذلك اتهنا الطبيب بالنصب وأمام اصرار والدى على أن يستمر فى علاجى كانوا على وشك عمل حجر عليه لولا أن وافته المنيه رحمه الله وتركنى وحدى . . .
انحدرت العبرات من عينيها على الرغم منها وهى تقول : ولك أن تتخيل حياتى بعد والدى أقل وصف لها انها جحيم فقد فقدت حمايتى الوحيده وأصبحت وكأنى قطعة لحم لم يكد صاحبها يبتعد عنها حتى انقضت عليها الكلاب المسعوره تنهش لحمها ., فرضوا على الحراسه وقطعوا صلتى بالطبيب بل وأكثر من ذلك أقاموا دعوى حجر على وحكمت لهم المحكمه , لأن تلك المحكمه كانت العائله المكونه من أخوتى وعمى وبقية العائله ولم نستطع نحن أنا وأمى التصدى لهم لأنهم كانوا الأقوى والأكثر , وظللت بعدها أعيش ذليله محرومه حتى من حقوقى الشرعيه التى كتبها الله لى , ووالدتى كانت ضعيفه لا تستطيع التصدى لهم تظل معاملتهم لها طيبه طالما هى ليست فى جانبى أما اذا شعرا انها بجانبى تلقى منهم التقريع والأهانه وكنت أشفق عليها وأوهمها انى بخير ولذلك لم أجد لى ملاذ سوى الله سبحانه وتعالى اتجهت اليه بعد أن ضاقت بى السبل وشكوت له ضعفى وقلة حيلتى وهوانى على الناس وتقربت اليه بالقرآن والصلاه والصوم والأبتهال اليه حتى أفاض على من كرمه وشفانى والحمدلله ولكن ظللت المشاكل التى لابد لها من حلها والديون التى على قضاءها وكنت أحاول عمل جمعيات والأقترا من هذا لأعطى هذا , أحيانا كان يسترها الله معى وأحيانا أخرى ينكشف أمرى وطبعا ألاقى منهم الأهانه والذل وبأننى سأجلب لهم العار وسأجلب عليهم الخراب وأحيا أيام شديده السواد أيام ما أنزل الله بها من سلطان .
ايهاب فى ذهول : كل هذا عانيته .
أومأت أمنيه برأسها ايجابا من خلال دموعها .
ايهاب : وهل قضيت جميع ديونك .
أمنيه فى ارتباك : نعم . . نعم والحمدلله.
لا تدرى لما أخفت عليها أنها ما زالت عليها ديون لا تدرى لما لم تخبره بالحقيقه مع انها قصصت عليه كل شئ برغم انها لم تتعرف عليها سوى من يومين .
لعلها كانت تريد أن لا تفقد احترامه لا تريد أن تسوء نظرته لها أكثر من ذلك .
أطبق على المكان صمت رهيب بعد أن انتهت من سرد روايتها , كانت تحاول تجرع مرارة الذكرى وتترك له الفرصه ليستوعب قصتها وأخيرا تحث ايهاب قائلا : ألم تقولى أن كل هذا انتهى أمنيه : نعم . . أقسم لك .
ايهاب فى سرعه : لا تقسمى أنا أصدقك أنا فقط اطمئن عليك .
ثم كسا صوته حنان الدنيا وهو يقول : انسى ما فات وكأنه لم يكن ولننظر لحياتنا المقبله .
أمنيه : أرجوك امنح نفسك فرصه للتفكير .
أراد أن يعترض الا أنها منعته قائله : لأجل خاطرى .
ايهاب : حسنا ولكنى سأراك غدا أيضا .
أمنيه : نسيت أن أقول لك اننا سنخرج من المستشفى غدا .
انزعج ايهاب وقال : كيف ؟! لقد اعتدت على رؤياك كل يوم فكيف تغيبين عنى كذلك سأفتقدك كثيرا .
أمنيه : حقا . . حتى بعد ماعرفته عنى .
ايهاب : ماعرفته عنك لن يغير من مقدارك عندى أى شئ وأنت لاذنب لك فيما حدث .
ثم ابتسم فى حب قائلا : وأنت ألن تفتقدينى .
وجدت نفسها تجيب فى سرعه : جدا .
ثم أصابها حرج شديد واخفضت عينيها فى حياء مما جعل الابتسامه تعلو وجهه , ثم قال لذلك يجب أن أراك دائما .
أمنيه : تحركاتى محظوره جدا , ايهاب : اذن سأحدثك فى الهاتف اعطنى النمره .
أمنيه : لا أرجوك . . أنا . . .
ايهاب : حسنا . . حسنا . . أليس لديك هاتف خلوى .
أمنيه : لا
ايهاب بعد تفكير : اذا دعى هذا الأمر لى .
همت بقول شئ , فأشار لها قائلا : اطمئنى فلن أفعل أى شئ يسبب لك احراج .
أمنيه : والأن يجب أن أمضى لأننى تأخرت على والدتى ايهاب : فقط عدينى أن أراك قبل أن تغادرى المستشفى أرجوك .
أومأت برأسها وهى تبتسم ثم أنصرفت وهى تشعر بسعاده لم تشعر بها من قبل .

{7}
--------
استعدت هى ووالدتها للخروج وجاء أشرف ليصطحبهما الى المنزل , كانت أمنيه فى غاية الضيق لأنها لم تراه ولامت نفسها ألف مره على أنها تأخرت فى النوم ولم تستيقظ مبكرا لتراه قبل أن يأتى أحد , وبينما هى هكذا دخلت أحلام الممرضه وقالت : آنسه أمنيه تعالى معى لأعطيك العلاج وأشرح لك مواعيد استخدامه فذهبت معها وعندما دخلت حجرة الممرضه وجدته بانتظارها وقالت أحلام : أستاذ ايهاب كان يريد أن يسبب لك احراج فأرسلنى لأتحجج بالأدويه , ثم ضحكت قائله : والا كان بامكانى أن آخذ لك الأدويه الى الحجره فهى ليست ثقيله لهذه الدرجه . , ثم تشاغلت عنهم بالعبث بالأوراق التى أمامها وأقترب منها وقال فى صوت خفيض : كان لابد أن أراك قبل أن تغادرى المستشفى وخذى هذا .
أمنيه : ما هذا ؟
ايهاب : هاتف خلوى لقد اتبعيه لك اليوم وفد وضعته على الوضع الصامت فلن يشعر به أحد اذا وضعته فى ملابسك وعندما تشعرين أن لا أحد حولك اتصلى بى و سأتصل بك بعدها .
أمنيه : حسنا . . والأن يجب أن أنصرف .
ايهاب : أرجوك لا تنسين الأتصال بى .
توالت الأتصالات بين ايهاب و أمنيه حتى أصبحت الأخيره شديدة التعلق به ولا تتصور الحياه بدونه لم يكن يعكر صفو حياتها الآتلك السيده الدائنه التى أصبحت تمثل خطر حقيقى عليها وقد حادثتها والدتها وبالكاد أعطتها ميعاد بعد شهرين لتعطيها العشرين ألف جنيه وهى لا تملك كل هذا المبلغ ولا منتظر أن تملكه , ولم تكن تملك سوى أن تتوجه الى الله أن يعينها ويجعل لها مخرج , فى الوقت ذاته لم ترد اقحامه فى مشاكلها , كانت تريد أن تعيش حياتها معه بعيدا عن أى مشكله أو أى شئ يذكرها بما تعانيه كانت تريد أن تعيش معه فى غيبوبه من كل شئ كانت تعيش مشاكله هو خاصة وأن حالة والدته الصحيه بدأت تسوء وكان كلما شكا لها حاله خففت عنه وواسته حتى أنه ذات يوم اتصلت به فوجدته مهموم للغايه فسألته فى قلق : هل حدث شئ .
ايهاب : لقد أصبحت لا أتحمل ما أنا فيه بمفردى .
أمنيه : ليتنى بجانبك لكى أشاركك همومك .
ايهاب : اننى أتمنى ذلك وأنت من تضع العراقيل .
أمنيه : واذا قلت لك لقد آن الأوان , ماذا تقول ؟
ايهاب : اذا فلنحدد موعدا لكى أتقدم لك .
أمنيه : ولكن ماذا سنقول عن كيفية تعرفنا .
ايهاب : عادى جدا سنقول ما حدث .
أمنيه منزعجه : لا أرجوك لن يقبلوا ذلك وسيؤلونه الى أشياء أخرى .
ايهاب : وما المشكله فى أنى رأيتك فى المستشفى وأعجبت بك وسألت عنك وجئت لأتقدم اليك أننى لا أتحدث عن علاقتنا , فما المشكله ؟
أمنيه بعد تفكير : حسنا . ولكن اتصل بهم أنت ولاتقحمنى فى الموضوع حتى لا يتسرب اليهم الشك أن أعرفك من قبل .
ايهاب : اذا اتفقنا .
بعد يومين جاء أشرف لوالدته متجهم الوجه نظرت اليه الأم فى توجس وقالت : ماذا بك هل حدث شئ ؟
أشرف : انه فقط سؤال ويجب أن تجيبى بصراحه , هل أمنيه تعرفت على شاب وأنتم فى المستشفى ؟
الأم فى غضب : شاب !! أى شاب انها لم تتركنى لحظه واحده لماذا دائما تفترون عليها بالأكاذيب أليست شقيقتكم ؟
ارتفع صوت أشرف وهو يقول : اذا من أين عرفها ذلك الشاب الذى أتى الى فى البنك اليوم لكى يتقدم لخطبتها ويقول أنه رآها فى المستشفى . . هل لمجرد أنه رآها فقط يأتى اليها .
الأم : وما المشكله فى ذلك شقيقتك جميله ومهذبه و . . .
قاطعها أشرف فى صراخ : ومجنونه ولا نريد فضائح أكثر من ذلك .
الأم : حرام عليك . . كفاك ظلما ابها شقيقتك .
أشرف : هى كلمه واحده لا نريد فضاح . تتزوج اليوم وغدا يأتى هو ليشكو الينا جنانها . . سأرفضه وهذا كلام نهائى .
الأم : سامحك الله . . سامحك الله لا أريد أن أدعو عليك .
ترك أمه وأنصرف مغادرا المنزل غير مبال بكلماتها ,
كانت أمنيه تجلس داخل حجرتها عندما سمعت هذا الحديث , شعرت بالحنق والكراهيه لأول مره فى حياتها تجاه هذا الأخ الظالم الى متى سيظل الظلم حولها من كل ناحيه كساتر أسود كئيب يحول دونها ودون السعاده بل ودون الحياه نفسها .
سمعت خطوات والدتها تقترب من باب الحجره فأسرعت الى الفراش تتصنع النوم فلم تستطع مواجهة والدتها لم تكن تريد عطف أو مواساه حتى من والدتها كان هذا يجرح كرامتها كثيرا ويشعرها بالظلم والقهر والدونيه .
فتحت والدتها باب الحجره ونادت عليها فى صوت يحمل مراره الدنيا كلها قائله : أمنيه . . أمنيه هل أنت نائمه .
ثم قالت فى صوت خفيض : حمدالله أنك نامه ولم تستمعى كلام هذا المأفون . ثم خرجت وأغلقت الباب .
اعتدلت جالسه وهى تقول من خلال دموعها : ليتنى كنت نائمه بالفعل فلم أعد أطيق كل هذا العذاب لقد كدت أن أختنق , حتى الأمل الوحيد الذى لاح لى يستكثرونه على وكأن لى ليس لى حق فى أن أعيش حياتى مثل باقى البشر . وتذكرت ايهاب فأسرعت تتصل به وتخبره بما حث . وعندما أخبرته .
أجابها فى لهجه لا تدرى لما أقلقها قائلا : ننتظر حتى نرى كيف سيجيب على طلبى .
أمنيه فى قلق : ايهاب ماذا بك .
ايهاب : لاشئ . . فقط أسلوبه فى الحديث معى لم يعجبنى ولا أكذب عليك أنا لست متفائل .
أمنيه : هل ستتخلى عنى .
ايهاب بعد برهه : أنا . . أنا لم أقصد ذلك دعينا لا نسبق الأحداث سأتركك الآن لأنى مشغول وفى المساء سأتصل بك .
أغلق الهاتف دون أن ينتظر منها كلمه , وتركها للقلق والحزن ينهشاها نهشا .
فى المساء اتصلت به كانت تريد أن تطمئن ولكنها اتصلت مره ومره ومره وفى المره الرابعه أجابها بصوت متجهم قائلا : مساء الخير .
أمنيه : هل أبلغك رفضه ؟
ايهاب فى اقتضاب : نعم
أمنيه : وبماذا أجبته ؟
ايهاب : وبماذا تنتظرين منى أن أجيبه
أمنيه : ما معنى ذلك
أيهاب : أمنيه والدتى متعبه الآن سأتصل بك غدا
لم تقتنع بكلامه وحجته فقالت : ايهاب أرجوك قل لى ما حدث
ايهاب : أرجوك يا أمنيه غدا لأنى الأن فعلا مشغول , تصبحين على خير . . . . . ومره أخرى كما فعل فى الصباح أنهى الأتصال دون أن ينتظر منها جواب .
شعرت عندها أن هناك شئ قد انكسر وأن يدا من حديد تعتصر قلبها عصرا .
حاولت أن تطمأن نفسها ولكن عبثا حاولت لأن القلق قد ملأ نفسها فهى لم تعتاد منه تلك المعامله الجافه هل ستسلب منها الدنيا الأبتسامه الوحيده التى أعطتها لها .
قالت لنفسها : لا . . أنه فقط متعب لأنه قلق على والدته وغدا سيكون كل شئ على ما يرام .
كانت تشفق على نفسها من كثره الهم والحزن فأرادت أن تهون على نفسها .
ظلت لمدة ثلاثه أيام تحاول الأتصال به ولم يجيب هو على أى أتصال عاشت تلك الأيام لم تذق طعم النوم أو الراحه , انطوت على نفسها أكثر لم تعد تخرج من حجرتها أبدا حتى أن والدتها شعرت بالقلق الشديد عليها فدخلت اليها وسألتها : ماذا بك يا بنيتى .
أمنيه فى لهجه تحمل يأس الدنيا : ماذا بى ؟ أنا كما أنا لاجديد .
الأم : هل يضايقك شئ , أقصد هل سمعت شيئا يضايقك .
كانت : تعلم أن والدتها تقصد كلام شقيقتها , فقالت : أنا لم أرى أحد حتى يقول لى مايضايقنى أو يسعدنى .
الأم : اذا ماذا بك ؟
أمنيه : لاشئ ياأماه . . لاشئ فقط أريد أن أجلس بفردى .
الأم : على راحتك يا أبنتى . . فقط أريد أن تكونين بخير .
كانت الأم تشعر بأن أبنتها تعانى من شئ ما ولكنها لا تعرفه وفى الوقت كانت لاتحب أن تثقل عليها بالأسئله ولذلك استدارت لتخرج ولكنها قالت : غدا موعد الطبيب هل ستأتين معى أم أنك لا تستطعين .
أمنيه : بل سأذهب معك بالطبع أنا لا أستطيع أن أتاخر عن أى مطلب لك .
الأم فى حنان : بارك الله فيك يابنيتى .
خرجت الأم وتركتها تشرد لأفكارها مره أخرى , قالت : وماذا بعد يا أمنيه أنه لايجيب على اتصالاتك هل تخلى عنك بهذه السهوله أم أن أمه مريضه بالفعل , لقد تعبت كثيرا من كثرة التفكير وكثرة التقلب بين الأمل واليأس ولكن لا يجب أن أقطع الشك باليقين يجب أن أضع حدا لكل هذا ان كان خيرا فخير وان كان غير ذلك فأكون قد عرفت النهايه على كل حال .
{8}
-----------
فى ظهيرة اليوم التالى ذهبت هى ووالدتها الى الطبيب وبعد أن خرجا من حجرة الطبيب قال أمنيه لوالدتها : أمى أن لى رجاء عندك .
الأم : أرجو ما شئتى يا بنيتى .
أمنيه : أريد أن أذهب الى صديقه لى فى عملها لكى أسلم عليها فقد أوحشتنى كثيرا سأسلم عليها سريعا ونمشى وستنتظرينى فى السياره خمس دقائق لا أكثر .
صمتت الأم فى تردد , فقالت أمنيه : أرجوك يا أمى فقط خمس دقائق وأنت تعلمين أن سائق السياره لن يسمح لى بالتأخير .
قالت الأم : حسنا كما تشائين ولكن لاتتأخرى .

وجدها أمامه تنظر اليه فى عتاب فأرتبك فى شده .
قال : أمنيه . . أهلا بك . . مفاجأه أن تأتى الى هنا .
أمنيه : أصبحت لا تجيب على اتصالاتى فجئت لأرى ماذا حدث ؟
ايهاب :أعذرينى فوالدتى . . .
قاطعته فى عصبيه : أرجوك دعك من تلك المبررات ولنتحدث بصراحه فليس لدى وقت فوالدتى تجلس فى السياره ولا أريد أن أتأخر عليها .
استدار ايهاب ليواليها ظهره والتزم الصمت , فقالت فى اصرار : أريدك أن تصارحنى بمشاعرك الآن وما الذى غيرك من ناحيتى هكذا وأين ذهب حماسك لى ووعدك بأنك لن تتخلى عنى .
ايهاب وهو يتحاشى النظر اليها قائلا : أمنيه أنت ظروفك سيئئه وأنت لديك مشاكل وأنا أيضا وليس بامكانى تحمل مشاكل أخرى لننتظر حتى تتحسن الظروف وبعدها . . .
أشارت اليه أمنيه ليصمت قائلا : هذا ما أردت أن أعرفه ثم أخرجت الهاتف من حقيبتها وناولته له قائله : تفضل .
ايهاب : لن آخذه منك أعتبرينه هديه .
وضعته أمامه قائله : ليس لى حاجه اليه . . . , ثم تركته وانصرفت دون كلمه واحده .
أصبحت أمنيه فى الأيام التاليه صوره مجسده للحزن واليأس , أصبحت أسيره حجرتها لا تتحدث مع أحد ولا تقابل أحد . أصبحت صوره مجسده للحزن والأكتئاب كانت تشعر أن الدنيا قد انغلقت عليها ولا يوجد بصيص أمل وحيد فى حياتها وأرادت أن تعتزل الدنيا والناس التى لا مكان لها بينهم , ولكن حتى ذلك الشئ كان يستحيل عليها عمله , فكيف تعتزل الناس ويوجد بينهم من يطالبها بحقه من يطالبها بماله , كان لابد لها أن تسعى فى سداد ما عليها والا لما أكتفت الدنيا بانغلاقها بل ستطبق على أنفاسها أيضا حتى تستحيل الحياه نفسها .
كانت تشعر بوحده رهيبه وبغربه مقبضه ولم تستطع أن تبوح عما فى نفسها من آلام لأى شخص , لم تجد سوى الرسم وسيله لاخراج ما فى صدورها .
أمسكت بالفرشاه لتفرغ ما فى نفسها وقلبها من آلام على اللوحه رسمت لوحه مليئه بقبور موتى وبين تلك القبور فتاه مستلقيه على ظهرها فى استسلام ومكبله بالقيود . . بأغلال من حديد من قدميها ويديها ورقبتها ومجموعه من العقارب الضخمه تقترب منها من كل جانب وهى ترقد فى استسلام . . استسلام . . استسلام اليأس .

دق جرس الباب فى منزل أمنيه ففتحت والدتها الباب ثم هتفت مرحبه بالقادمه قائله : صفاء . . مرحبا بك كم أوحشتنى .
أحتضنتها صفاء فى شوق وهى تقول : وأنت أيضا يا خالتى , لقد أوحشتنى كثيرا .
قالت لها معاتبه : لو كنت قد أوحشتك لكنت أتيت لزيارتنا منذ أن قدمت من الخارج , لقد سمعت أنك فى مصر منذ أسبوعين , صحيح أننى زوجه خالك لكنى أقسم بالله أنك مثل أمنيه عندى
صفاء : وأنت أيضا يا خالتى مثل أمى ولكن أقسم لك أننى كنت مشغوله جدا فى انهاء بعض الأوراق الخاصه بى من الجامعه والوقت أمامى ضيق فالأجازه كلها شهر وبعدها سأعود لأنجلترا مره أخرى لأن الدراسه ستبدأ بعد عشرين يوما من الآن .
الأم : هكذا أنت دائما يا صفاء تأتين كالحلم وتذهبين .
صفاء : هانت . . لم يبق لى سوى سنه واحده وأحصل على الدكتوراه .
الأم فى حنان : وفقك الله يا بنيتى .
تلفتت صفاء حولها ثم سألتها قائله : ولكنى لا أرى أمنيه أليست هنا ؟ الأم : بل هنا انها فى حجرتها .
صفاء فى مرح : ولماذا لم تأتى لكى تسلم على , ألم يخطف بصرها ذلك الضوء المبهر الذى ملأ المكان بقدومى ., ثم اختفى مرحها فجأه عندما رأت مسحه الحزن التى علت وجه الأم , فقالت : مالك يا خالتى هل حدث لأمنيه مكروه .
الأم : لا يا أبنتى . أمنيه بخير ولكنها منذ فتره وهى منطويه وحزينه لا تخرج من حجرتها , ادخلى لها فأنا أعرف أنها تحبك لعلها تقول لك مابها .
صفاء : اطمئنى يا خالتى سأذهب اليها وسأرى ما بها .

طرقت صفاء باب حجرتها ودلفت الى داخل الحجره وهى تقول فى مرح : ماذا بك يا ابنة خالى العزيزه هل أصابك الصمم حتى أنك لم تسمعى صوتى وتأتى لتسلمى على .
ابتسمت أمنيه ابتسامه باهته ووقفت مرحبه بأبنه عمتها وقالت وهى تقبلها : كنت تقريبا نائمه وصحوت على صوتك وكنت فى طريقى لكى أرحب بك .
وضعت صفاء يدها فى رفق حنون على كتف أمنيه وهى تقول : أمنيه ماذا بك وجهك شاحب . . وما كل هذا الحزن الذى يملأ وجهك .
أمنيه : وما الجديد فى ذلك . . حياتى كلها سلسله من الأحزان فلا جديد وان كان هناك جديد فانه اننى أصبحت لا أستطيع الحزن أكثر من ذلك أى أصبح كل شئ عندى يستوى . لم يعد هناك شئ يسعدنى أو شئ يحزننى , فقد وصلت لمنطقة اللاشعور .
رددت صفاء فى تساؤل : اللاشعور ؟!
أمنيه : نعم اللاشعور . . عندها تفقدين الشعور بالفرح أو الحزن تفقدينالشعور بأى شئ حولك فى الحياه حتى أنك تفقدين الشعور بالحياه نفسها وتصبحين ميت بلا كفن .
شعرت صفاء بالأشفاق عليها وتأثرت جدا من كلماتها الا أنها قالت فى نبره أرادت أن تصبغها بشئ من المرح : ما كل هذا , هل أصبحت فيلسوفه ؟
أمنيه : بل يائسه . . فاليأس كالموت راحه .
تحاشت صفاء النظر اليها فقد كانت تحب ابنة خالها كثيرا وكان يعز عليها أن تراها فى هذه الحاله , فأشاحت بوجهها بعيدا فوقع بصرها على لوحه فى ركن الحجره .
وأشارت اليها قائله فى انبهار : أهذا رسمك ؟! أماءت أمنيه برأسها ايجابا .
صفاء : مدهش .
كانت اللوحه لفتاه ملقاه على ظهرها والقيود فى كل جزء من جسدها ومن حولها المقابر من كل ناحيه ويقترب منها مجموعه من العقارب من كل مكان وهى ملقاه فى استسلام .
صفاء وهى تتفرس اللوحه : وماذا تقصدين بذلك ؟
أمنيه فى هدوء : هذه فتاه تعانى من الأضطهاد الذى أرمز اليه بالقيود ويقترب اليها الخطر من كل ناحيه والناس من حولها يرون ذلك ويرون أنها لا حول لها ولا قوة ومع ذلك لا يفعلون لها شيئا فهم بذلك بالنسبه لها أموات .، فالوحده بين البشر كالوحده بين القبور .
صفاء بصوت مرتفع : رائع . . ألم أقل لك أنك فيلسوفه .
ابتسمت أمنيه ابتسامه شاحبه قائله : أأعجبتك لهذه الدرجه .
صفاء على الفور : جدا .
أمنيه : اذافهى لك .
صفاء : هكذا ببساطه انك لا تفرطين فى أى لوحه ترسمينها مهما كانت .
أمنيه : ولكنها أقل شئ ممكن أن أقدمه لك فأنت تعلمين مقدارك عندى ثم اننى كلما نظرت اليها أشعر كأن ليل قاتم قد أطبق على صدرى .
صفاء فى مرح : اذن قولى هكذا وأنا أقول ما نوبة الكرم هذه التى أصابتك , ثم ضحكت وهى تربت على كتف ابنة خالها وأردفت : أنا فقط أمزح معك فأنا أعرف مقدارى عندك .
ثم نهضت قائله : والآن سأنصرف لأن لدى من الأعمال الكثيره التى يتعين على انجازها قبل سفرى .
أمنيه فى انزعاج : سفرك , ومتى ستسافرين ؟
صفاء : بعد عشرين يوما .
أمنيه : هكذا سريعا سأفتقدك كثيرا .
صفاء فى عطف : وأنا أيضا ولكن سأحاول الأتصال بك دائما لأطمئئن عليك وأرجو أن تكونى قد خرجت من هذه الحاله فأنا لم أعتد أن أراك هكذا . أريدك قويه ومتفائله مثلما أنت دائما

[9}
-------
--- أمنيه . . أمنيه . . .
--- لبيك أمى هل تريدين شيئا .
--- من كان على الهاتف .
تجهم وجه أمنيه قائله : انها صاحبة النقود , كالعاده تريد أموالها وقد هددتنى ان لم أدفع لها النقود فى خلال أسبوع فلا ألومها عما ستفعله بعد أن ينقضى ذلك الأسبوع .
الأم : وما العمل الآن .
أمنيه فى ضيق : لا أدرى . . . لاأدرى . . .
وانطلقت مسرعه الى حجرتها وأغلقت الباب وفتحت نافذة حجرتها وهى تنظر الى السماء الفسيحه لتريح صدرها الضيق , ثم قالت مناجيه ربها . . . ربى ليس لى حول ولا قوه ولا حيله , أنا أنسانه وحيده ضعيفه والطوفان من حولى من كل ناحيه وليس لى أمل ولا ملاذ سواك . . كلما ضاقت بى الدنيا تذكرتك حتى أشعر أنى ليس بمفردى وأن معى ملك الكون كله ومالك كل شئ فاطمئن وأستريح .
ربى أشعر أن القوم من حولى لديهم القوه والقدره على فامنحنى يارب القوه والقدره حتى لا يقهرونى .
فأنا قويه بك فلا تدعنى بمفردى يا أرحم الراحمين . ظلت طوال الليل تناجى ربها وكأنها تراه حتى غلبها النوم - وفى الصباح أستيقظت أمنيه على صوت رنين الهاتف , فقالت لنفسها : أيها الهاتف اللعين ياترى ما هى الأخبار السيئه التى تحملها لى فى هذا الصباح .
نهضت من الفراش فى تثاقل وعندما فتحت باب الحجره سمعت والدتها وهى تتحدث فى الهاتف قائله : كيف حالك لقد افتقدناك كثيرا .جميل منك أنك تذكرت أن تتصلى بنا . . . أمنيه . . . نعم لقد استيقظت على رنين الهاتف . . .ها هى ذى ستحدثك .
فأشارت الى أمنيه قائله : صفاء تتحدث اليك من انجلترا .
أسرعت أمنيه الى الهاتف فى لهفه : صفاء كيف حالك .
صفاء فى سعاده : دعك من حالى الآن ودعينى أزف اليك هذا الخبر السار .
أمنيه : خبر سار . . . أى خبر هذا .
صفاء : لقد ذهبت فى رحله أسبوع الى ايطاليا وهناك عرضت لوحتك على فنان ايطالى شهير هناك وقد أعجب بها كثيرا لدرجة أنه أدخلها المسابقه الأوروبيه للفنانين الشبان الهواه التى تعقد على مستوى أوروبا كلها والمفاجأه . . . ,لقد فازت لوحتك بالمركز الأول وأخذت جائزه ماليه كبيره وبما اننى لست صاحبة اللوحه فأتصلت بك لتبعثى للا بتوكيل رسمى موثق لتسلم الجائزه الماليه بدلا منك . وستعرض المسابقه فى البرامج الثقافيه الأوروبيه . . أفرحى أيتها الفيلسوفه اليائسه فقد أصبحت فنانه مشهوره فى أوروبا كلها . . . أمنيه . . أمنيه . . أين ذهبت .كانت أمنيه قد ألجمتها المفاجأه ولا تدرى أتفرح أم تصرخ من السعاده أم تبكى من المفاجأه هل ممكن أن تكون رحمه الله سبحانه وتعالى قريبه الى الأنسان بهذا الشكل وبهذه السرعه . . مال يحل جميع مشاكلها ومركز أدبى يعيد اليها كرامتها ويرفعها وسط الناس . , سبحانك ربى . .
أفاقت من شرودها على صوت صفاء وهى تناديها : أمنيه أين ذهبت ألم تسمعينى .
قالت فى تلعثم : نعم . . ن . . نعم . . .أسم . . . أسمعك .
صفاء فى مرح : اذا ماذا حدث لك أم أن اليأس أكل لسانك ؟
أمنيه : أنا فقط لا أصدق .
صفاء : بل صدقينى لقد ضحك لك الزمان أخيرا والمهم أن ترسلى لى التوكيل فى أسرع وقت .
انتهت المكالمه وانقطع الخط وأمنيه ما زالت واضعه سماعة الهاتف على أذنها وهى تنظر أمامها فى ذهول .
قالت الأم فى انزعاج : ماذا حدث .
قصت أمنيه عليها المحادثه التليفونيه وهى لم تتخلص من ذهولها بعد .
ملأت البشاشه وجه الأم وضمت ابنتها الى صدرها قائله : كنت أعلم أن الله لن يخذلك . . كم طلبت منه ورجوته جل علاه أن يرفع شأنك ويعلو من قدرك حتى يعلم كل من أساء اليك انه قد أخطأفى حقك وها قد استجاب الله لى , فحمدا لله . . حمدالله . .

قضت أمنيه ذلك اليوم وهى تشعر بسعاده بالغه ، فقد ابتسمت لها الحياه أخيرا وقد كانت تؤمن بأن ذلك لن يحدث أبدا ولكن ربها كان رحيما ورؤوفا بها
وفى صباح اليوم التالى ارتدت ئيابها على عجل لكى تدهب لمكتب التوئيق لاستخراج التوكيل , وبعد أن أستأدنت والدتها اتجهت الى باب المنزل وما أن فتحته حتى وجدت أمامها شقيقها , فنظر اليها فى تساؤل وهو متجهم الوجه كعادته كلما راها , وقال فى اقتضاب : الى أين ؟
أمنيه فى ارتباك : الى مكتب التوثيق . . .
قال : مكتب التوثيق ؟! لما ؟!
تدخلت الأم سريعا وما أن قصت عليه الأمر , حتى ثار وهاج وقال قاصدا اهانتها : جميل جدا . . لم يكفيكما المشاكل التى تسببها هنا , بل تريدان فضيحه عالميه . . لكن لا . . انسيا هذا الموضوع وحذارى أن أعلم بأنكما فعلتا شئ من وراء ظهرى . .
أسودت الدنيا فى وجه أمنيه وشعرت بغضب هائل يجتاح نفسها وقلبها وعقلها وتجمع أمامها فى لحظه عذابات ماضيها كله فوجدت نفسها تصرخ فى وجه أخيها صرخه هائله مدويه قائله : كفاك . . كفاك تجريح فى , أنا لم أعد أطيق أسلوبك و أهاناتك تلك لى . . أنا أكرهك كما لم أكره لم أكره أحد طوال حياتى حسيى الله ونعم الوكيل فيك وفى ظلمك .
بهت أخيها وقد فاجأه رد فعلها وهو الذى لم يعتاد منها أن يسمع أى كلمه رد على كلامه و أوامره من قبل , حتى انه كاد أن ينسى صوتها , فصرخ فى وجهها غاضبا : كيف تجرؤين على مجادثتى على هذا النحو , وأنقض عليها يريد ضربها الا أنها كانت أسرع منه وأنقضت هى قبله ماسكة عنقه بكلتا يديها تريد خنقه وهى تضغط على عنقه مستمره فى صراخها وقد أعماها الغضب قائله : سأقتلك . . سأقتلك وأستريح منك
أشتعل الموقف وسط صرخات الأم و أمنيه ما زالت تزيد فى الضغط على عنق شقيقها تريد قتله حتى ولو كان هذا أخر شئ تفعله فى حياتها ووجه أخيها يزداد أختناقا مختلطا بالدهشه , وأستمر هذا الموقف حتى ارتفع صوت رنين الجرس والدق على باب الشقه , وجرت الأم على الباب تستغيث بالقادم وما ان انفتح الباب حتى ظهر رجل غريب على الباب ودلف الرجل سريعا الى الداخل وتدخل سريعا لانهاء الموقف و أفلت أشرف من يد أمنيه التى شعرت كأنها تفيق من تأثير شيطانى عليها سلبها علقها وجعلها كادت أن ترتكب حماقه وجلست تنظر الى يديها فى ذهول وجسدها يرتجف من فرط الأنفعال ,أما أشرف فكان يتحسس رقبته وهو يتوعدها من خلال أنفاسه الآهثه قائلا : سأمزقك أربا لأجل فعلتك هذه وأنسى موضوع اللوحه هذا نهائيا . . قاطعه الرجل الغريب قائلا : ما الذى يحدث هنا ؟ ,فتدخلت الأم شارحة الموقف وهى تنتحب : بنتى فازت بالجائزه الأولى فى الرسم و أخيها يمنعها من عمل توكيل لابنة خالها لكى تتسلم لها الجائزه
قال الرجل فى دهشه : ولما ؟
قالت الأم وهى ما زالت تنتحب : اسأله أنت لما دائما يقف فى طريق سعادتها ويظلمها مما جعلها تفقد صوابها وكادت أن تقتله . , منذ وفاة والده وهو يتحكم فينا هكذا
شعر الرجل بالأشفاق الشديد على المرأه وقال موجها حديثه الى أشرف : لا يليق أن تعامل والدتك وشقيقتك بهذا الأسلوب .
رد أشرف فى غلظه : لو سمحت لا أريد أن يتدخل أحد فى حياتى الشخصيه أنا هنا رجل البيت قاطعه الرجل فى لهجه امرو : ولكنى سأتدخل على الرغم منك
بهت أشرف من جرأة هذا الرجل وهم بقول شئ الا أن الرجل قاطعه للمره الثانيه وبنفس اللهجه الآمره : أنسه أمنيه لن تستخرج التوكيل لأنها ليست بحاجه اليه , لأنها ستسافر بنفسها لتسلم الجائزه . . . لم تكن الدهشه من نصيب أشرف فقط بل كانت من نصيب أمنيه ووالدتها أيضا
وهنا صرخ أشرف فى وجه الرجل : ماذا تقول . من أنت حتى تجرؤ على اقحام نفسك فى حياتنا على هذا النحو ؟!
استخرج الرجل بطاقه من جيبه و قدمها لأشرف فى حزم قائلا : أنا مندوب من وزارة الثقافه , مكلف من جهة الوزير شخصيا باصطحاب الآنسه لمقابلة سيادته لتهنئتها والأتفاق معها على تفاصيل السفر على حساب وزارة الثقافه بصفتها رمز مشرف لفنانى مصر الشبان الهواه .
ثم أردف فى تحد مستخف : هاه ما رأيك ان كان لك رأى .
ألجمت المفاجأه أشرف ولم يستطع أن يتفوه بكلمه , فى حين صرخت أمنيه من فرط سعادتها وأسرعت تحتضن أمها التى لم تكن بأقل منها سعاده وفرحه وأغرورقت عينا أمنيه بالدموع وهى تتمتم قائله فى خشوع : ما أعظمك يا رب . من تكون بجواره لا يهزمه مخلوق . امنت بك يارب . . أمنت بك
تأثر الرجل بكلماتها وقال فى حنو : هيا يا أنسه لا نريد أن نتأخر على سيات الوزير ., وأعتدل موجها كلامه لأشرف : وأنت احمد الله أنى سأتغاضى عما فعلت وذلك من أجل والدتك تلك التى لم تلقى منك سوى العجرفه وسوء المعامله .
{10}
-------
تغيرت حياة أمنيه تماما فى الأيام التاليه , فبعد أن كانت مليثه باليأس و الأحزان والأنكسار , أصبحت كلها أمل وأفراح ونجاح , وأصبحت أخبارها تتناولها جميع وسائل الأعلام المسموعه والمرئيه وسط اعجاب وثناء الجميع مما أكسبها فخر وقوه واعتزاز بنفسها , أصبح كل شئ فى عينيها جميل حتى أنها هى نفسها قد ازدادت جمالا على جمالها .
كل شئ بها تغير ما عدا شيئان : ذكرياتها الأليمه وما تركته فى داخل نفسها من جراح جعلتها لا تستطيع أن تغفر لمن تجنى عليها بالرغم أنها حاولت كثيرا أن تغفر وتسامح , لكن جراحها كانت أقوى من النسيان . والشئ الآخر هو امتننانها الشديد لابنة عمتها صفاء التى كانت سببا فيما هى فيه الآن من نجاح وراحه .
ام يتوقف النجاح عند هذه اللوحه , بل فتح لها المجال لاقامة المعارض لعرض لوحاتها التشكيليه , وصيتها المسموع أفاد عليها كبار الفنانين والكتاب والصحفيين مما أدر عليها ربحا لابأس به , وكانت تتعجب من أفاعيل القدر , فبالأمس لم تكن تملك شئ والأن أصبحت لها دخل لابأس به وهى فى كل الأحوال تشكر ربها وتحمد فضله على تلك النعم .
وذات يوم وهى مستغرقه فى الرسم داخل حجرتها , اذا بها تسمع طرقات على باب حجرتها , قالت وهى منهمكه فى عملها : ادخل
وفتح باب الحجره وسمعت صوتا مرحا يقول : هل تسمح لى الفنانه العظيمه وابنة خالى فى أن أخذ من وقتها الثمين بضع دقائق لأنها أوحشتنى كثيرا .
هتفت أمنيه فى سعاده : صفاء . . وأسرعت تحتضن ابنة عمتها فى شوق قائله : لقد أوحشتنى كثيرا . متى أتيت من السفر
صفاء : منذ ثلاثة أيام , وحاولت أن أراك لكن ماذا أفعل وقد أصبحت نجمه كبيره ليس لديك وقت لأمثالى .
قالت أمنيه فى امتنان شديد : لو أصبحت كبيره على الدنيا كلها فلن أكون كذلك عليك أنت بالذات ,فأنت تعلمين قدرك عندى ,هذا غير جميلك الذى طوقت به عنقى مدى الحياه
قالت صفاء فى تأثر : لا تقولى هذا أكثر من أخت وصديقه بالنسبة لى
تنهدت أمنيه قائله : أخت ! ! صدقينى هنا الكثير من الأشقاء لا يربطهم ببعض سوى شهادة الميلاد .
صفاء : أما زلت لا تصفحين عن أخويك
أمنيه : حاولت كثيرا لأجل ارضاء ربى وأمى , ولكن بالرغم من ذلك وبالرغم من أنهم أصبحوا يتوددون الى ألآن بخلاف الماضى الا أن هناك شئ فى صدرى يمنعننى
صفاء : دعى الأيام تصلح ما أفسده الزمن والظروف وأنا واثقه تمام الثقه أن قلبك الأبيض الطاهر سينتصر فى النهايه
ثم أردفت مغيرة الموضوع : أخبرينى ما هى أخر مشاريعك
أمنيه : هذا ما كنت أحتاجك فيه
صفاء :وأنا رهن اشارت
أمنيه : أنا الآن لدى مبلغ لابأس به جمعته من نتاج المعارض خلال العام الماضى وكنت أريد أن أستشيرك فى عمل مكتب للديكورات استثمر فيها المال لأنى أريد أن أنميه
صفاء : فكره عظيمه وخاصة أنى أعلم أن ذوقك عالى ., ولكن أخيرينى ما هذه اللهفه على تنمية المال هل أصبحت جشعه والا ماذا
ابتسمت أمنيه لدعابتها وقالت : بل أريد أن أنمى المال لأحققبه حلم لطالما ما حلمت به
صفاء : ما هذا الحلم ؟
أمنيه : أتمنى أن أبنى قريه صغيره لرعاية أطفال الشوارع وكل من هو محروم من الرعايه والأهتمام , كما أريد أن شئ جمعيه خيريه للمساعدات الماديه تكون بمثابة فرقة انقاذ لمن هو فى ضائقه ماديه ولا يملك النقود ولا يوجد من يساعده . . أهئ له المشروع المناسب الذى يحل به مشاكله وفى نفس الوقت يسدد هذه النقود التى ستكون دين عليه للجمعيه ثانبة , ولكن على شكل أقساط بسيط وبدون فوائد . ثم قالت وكأنها تستعبد ذكرى أليمه : لأن فيه ناس بتبقى محتاجه قوى ولا تجد العون
صفاء فى دهشه : ماهذا . ماهذا أنت بذلك محتاجه للبنك الدولى
أمنيه : هذا حلمى وسأبذل مابقى لى من عمر فى محاولة تحقيقه أو أموت دونه , حتى ولو بدأت وغيرى أكمل ما بدأته
هزت صفاء رأسها فى دهشه ممزوجه بكثير من الأعجاب : أنت أكيد لست من هذا العالم الذى نعيشه حتى أحلامك رقيقه مثلك
شعرت أمنيه بالخجل لهذا الأطراء وقالت : ما هذا المديح أتطمعين فى عطيه منى
صفاء : بل أطمع فى دعوه على الغذاء فى مطعم فخم بمناسبة المشروع الجديد وبمناسبة حصولى على الدكتوراه التى لم أسمع منك كلمة مبارك عليها حتى الآن
قبلتها وهى تقول فى سعاده : ألف مبارك أنت تستحقين كل الخير .
صفاء : هذا لا يعفيك من الدعوه وفى مطعم فخم
ضحكت أمنيه : وأنا تحت أمرك سنخرج حالا أنا وأنت وزوجة خالك
سعدت صفاء وهى تسمع ضحكة أمنية وقالت : حمدا لله أن سمعتك تضحكين ثانية .
{11}
-------
مضى عامان على اتشاء المكتب وأمنيه تعمل فى جد واجتهاد وكأنها اته مبرمجه للوصول لهدفها فى النهايه وهو تحقيق حلم عمرها الذى طالما حلمت به , لم تكن تكل ولا تمل , يومها كله بين المكتب ومواقع العمل حتى أن مديرة مكتبها قالت لها ذات يوم حينما لاحظت أثر الرهاق الشديد عليها : ارحمى نفسك يا أستاذه فأنت تجهدين نفسك أكثر من اللازم
قالت أمنيه وهى ترتمى على أقرب مقعد : أنت تعلمين أن أمامنا موعد تسليم لابد أن نلتزم به فلا مجال للراحه الأن ,أم أنك مللت كثرة العمل
قالت معاتبه : أهذا ظنك بى . أنا أقسم بالله مشفقة عليك , أم أنك لا تعلمين قدرك عندى
ابنسمت أمنيه ابتسامه شاحبه مرهقه : أعلم بالطبع يا ايمان أنا فقط أداعبك فأنت لست مجرد سكرتيره ,بل اننى أعبرك صديقة لى .
ايمان : وأنت يا حبيبتى بالنسبة لى أكثر من صديقه ولهذا أخاف عليك
أمنيه : لا تخافى كله فى سبيل تحقيق الحلم يهون
ايمان : آه من هذا الحلم أخشى أن يقتلك فى يوم من الأيام
ابتسمت قائله : لا تخافى عمر الشقى باقى
ايمان : سلمك اله من كل مكروه ياحبيبتى , ولكن رويدا على نفسك وخاصة أننا والحمدلله قطعنا مرحله كبيره , فلدينا الأن ثلاث منازل نكفل فيها العديد من أطفال الشوارع , غير أن مبادرتك تلك شجعت الكثير من الجمعيات ورجال الأعمال لمساعدتنا وتقديم الأمدادات لنا
أمنيه : هذا توفيق من الله سبحانه وتعالى لنا ,لأننا أخلصنا النيه فوقف الى جوارنا ولكن مازال أمامنا الكثير
أيمان :لقد أصبح مكتبنا ضمن أنجح المكاتب وأحسنها سمعه بفضل جدك والتزامك
أمنيه : بل كله من فضل الله
أيمان فى اعجاب: ما أجمل ايمانك بالله
أمنيه وكيف لا أننى لم أجد سواه بجانبى دائما . . وفجاءه ظهر على وجهها علامات الآلم الشديد وهى تحسس بطنها
فأنزعجت ايمان قائله : ماذا بك
قالت أمنيه وعلامات الآلم تملأ وجهها : ألم فظيع يكاد أن يقطع أمعائى أشعر به منذ أيام ولكنه رهيب منذ البارحه
ايمان : ألم أقل لك , هذا نتيجة الاجهاد , سأحضر لك على الفور شراب دافئ . . , همت بالانصراف الا أن أستوقفتها أمنيه قائله وهى تستخرج من درج مكتبها أمبول ومحقن : أنى أعلم أنك تسطتعين الحقن ففقط أعطقنى هذه الحقنه وسأكون بخير بعدها فلم يعد يفلح سوى هذا المسكن
تناولت منها الأمبول والمحقن وقالت وهى تحقنها به : لكن هذا ليس بحل لابد من عرضك على طبيب أمنيه : ان شاء الله .
بدأت تشعر بتحسن شيئا فشيئا حتى طرقت باب الحجره فتاه قائله : هناك شخص يرغب فى مقابلتك وهذا الكارت تبعه ايمان : قولى له ان الباشمهندسه لا تستطيع مقابلة أحد همت الفتاه بالأنصراف الا أن أمنيه قالت بعد أن قرأت الكارت :لا بل دعيه يدخل ولكن بعد خمس دقائق
انصرفت الفتاه وقالت ايمان : ولكنك متعبه
أمنيه : ولكن هذا الشخص بالذات لابد أن أقابله وأرى ماذا يريد
ايمان : ومن هذا الشخص الذى أثار اهتمامك الى هذا الحد
أمنيه :ليس اهتمام ولكنه فضول ايمان فى دهشه : فضول !! من هو
أمنيه فى اقتضاب :ايهاب .
[12]
--------
انفتح باب حجرة المكتب وظهر ايهاب وتقدم منها فى خطوات ثابته بنفس قوامه الممشوق وابتسامته الهادئه وان كان يشوبها بعض التحفز , وكانت هى مازالت تعانى من بعض الآلم الا أت شئ منه لم يظهر عليها . هكذا هى دائما لا تريد أن يرى الأغراب آلامها وتقدم منها ماددا يده بالسلام وصافحته فى ثبات ثم دعته للجلوس وهى تقول مرحبه فى دبلوماسيه : مرحبا بك , تحب تشرب ايه
قال فى احراج : أشكرك ليس هناك داعى
قالت دون أن يحمل وجهها أى تعبير : بل هناك داعى فهذه أول مره تشرفنا بالزياره
ايهاب : اذا قهوه مظبوط
والتفت أمنيه الى ايمان قائله : لو سمحت أخبريهم أن يحضروا قهوه مظبوط
ايمان : آه . . حالا هل تريدين منى شئ آخر
أمنيه : أشكرك , تركتهم وأنصرفت ,ثم تنحنح هو قائلا : مبارك على المكتب وفوزك بالجائزه ولو انها متأخره
أمنيه : أشكرك . . وكيف حال الوالده .
ايهاب : لقد توفت منذ بضعة أشهر بعد معاناه شديده مع المرض استمرت طوال عام
أمنيه فى تأثر : رحمها الله , فقد كانت سيده شديده الطيبه , البقاء لله
ايهاب : أشكرك . . فى الواقع شعرت بعدها بوحده شديده أصابتنى باكتئاب نفسى , لقد كانت أمى مصدر الحنان الوحيد فى حياتى وبعدها شعرت بالضياع والحرمان ولم يبق لى سوى بريق أمل واحد أحتاج اليه بشده ليملأ حياتى , ثم أردف فى تحفز هذا البريق هو أنت
أمنيه : أنا ؟! ! وما شأنى أنا بحياتك
ايهاب : أمنيه . أنت تعلمين أننا كنا متحابين ولولا الظروف وقفت ضدنا لكنا صرنا زوجين الآن , وان كانت فرقت بيننا الظروف فيما مضى فالأن الوضع تغير .
كانت أمنيه تستمع اليه دون أن يحمل وجهها أى تعبير , ممادفعه لأن يقول فى ارتباك : أنا أعلم أنك غاضبة منى لكن . .
قاطعته قائله : أستاذ ايهاب أنا لست غاضبة منك أو من أى أحد , أنت الذى تفهم كل المواضيع غلط . أولا أنا وأنت كات بيتتا مشروع لكنه فشل مع أول عاصفه أتدرى لماذا لأنه لم يكن حبا على الأطلاق . , حاول أن يتكلم أو يعترض الا أتها لم تعطه فرصه وقالت مقاطعه فى حسم : أرجوك دعنى أكمل كلامى . التزم الصمت فأردفت:
لم يكن حب بقدر ماهو احتياج , كل منا كان يريد من الآخر شئ معين أنا كنت أحتاج لأنسان يقف بجانبى يساعدنى لأهرب من مشاكلى ووحدتى وأحزانى أستمد من قوته قوه وأحتمى داخله من غدر الأيام وظلمها لى باختصار كنت أريد رجل أشعر معه بالأمان أكثر مما أريد أن أشعر بحبه , وأنت كنت تريد انسانه تعاونك فى اعلة والدتك وتحمل عنك مسؤليتها باختصار أيضا تريد من يحمل عنك المسؤليه لا من يحملك هم آخر . . أرأيت كل منا كان يريد من الآخر شئ ولما لم يجده انهار الموضوع كله
ايهاب : أنت تعاقبيننى على أنى تخليت عنك
أمنيه : مطلقا كل ما هنالك أنى بالأمس كنت ضعيفه أريد أن أتعلق بأى طوق نجاه وكنت أنت هذا الطوق , أما الأن فأنا لاأشعر بالضعف ولا أشعر بالأحتياج لأحد
ايهاب : ولكنى أحتاج اليك وبشده
أمنيه : هذه مشكلتك وصدقنى كنت أتمنى أن يكون بيدى مساعدتك لكنى فعلا لم يعد بقلبى مكان للعواطف , لم يعد لدى شئ أعطيه لك أو لغيرك
ايهاب فى محاوله يائسه : هذا آخر كلام عندك
أمنيه : ياليت كان لدى غيره لأنى فعلا لا أحب أرفض طلب لأى أحد
نهض فى تثاقل ثم انصرف فى هدوء , فى حين دخلت ايمان تسألها فى فضول : من هذا الوسيم
أمنيه : ماضى لا أحب أن أتذكره .
مضى ثلاثة شهور على هذا القاء وأمنيه تواصل عملها فى دأب دون أن تلتفت لهذا الموضوع فقد كان انتهى من حياتها فعلا ولم تعد تهتم به كان كل ما يهمها هو تسليم عملها فى الوقت المحدد وبالفعل عندما أتى موعد التسليم كان كل شئ على مايرام ولقيت استحسان العملاء وحصلت مقابل عملها على مبلغ ضخم وجهته كله لأنشاء بنك الأغاثه كما أرادت أن تسميه وبدأينضم اليها بعض محبى الخير مما أدخل على قلبها سعادة جمه لم يكن ينغصها سوى ذلك الألم العين الذى يعتصر أمعاءها من وقت لأخر .
{13}
--------
هبت أمنيه من نومها تصرخ من ألم شديد , فأتت الأم فزعه ووجدت ابنتها تجلس مقوسه وهى تمك ببطنها وهى تتلوى من الآلم , فقالت فى جزع : ماذا بك يا ابنتى ؟ !! هل أصابك مكروه
رفعت أمنيه وجهها الذى يتصبب عرقا وقالت وهى تعض على أسنانها : ألم . . ألم رهيب يا أماه يكاد يفتك بأحشائى .
الأم : لابد أنك أصابك برد فأنت دائما تفضلين النوم أسفل المروحه ولطالما حذرتك
أمنيه : لا يا أمى فهو ألم يلازمنى منذ فتره وكنت أتغلب عليه بالمسكنات ولكنه اليوم رهيب ولم تفلح معه حتى المسكنات .
الأم معاتبه : كل هذا ولا أعلم شئ .
أمنيه : لم أرد اقلاقك بشئ تافه .
الأم فى استنكار : تافه . . الى متى ستظلين تهملين نفسك هكذا
أرتمت أمنيه فوق الفراش وهى تصرخ وتتلوى من الآلم , فجزعت وأنصرفت مهروله على الرغم من آلآم قدمها وهى تقول سأستدعى لك الطبيب ., وأسرعت الى الهاتف تستدعى الطبيب
خرج الطبيب بعد أن أجرى الكشف وقال موجها حديثه للأم : لابد من نقلها الى المستشفى حالا لعمل أشعه وفوحصات سريعا لأنى أشتبه فى وجود ورم و لابد من التأكد لعمل اللازم على وجه السرعه .
ضربت الأم صدرها وهى تقول : ورم ؟!
الطبيب : لا تنزعجى هكذا يا أماه أنا أعطيتها مسكن وستكون بخير أنا فقط أريد الأطمئنان فما رأيك
الأم على الفور : أفعل اللازم يا دكتور
دلفت الأم الى داخل حجرة الطبيب فى خطوات بطيئه أنهكها المرض والهموم , فأشار اليها الطبيب لتستريح فى حين بادرته هى بالسؤال فى توجس قائله : أرجوك صارحنى . . ما هى نتيجة الأشعات .
تنحنح الطبيب دون مبرر وهو يعدل فى منظاره الطبى وقال : أخبرينى يا أماه هل لديك أولاد غير أمنيه
الأم : نعم . . أشرف وعليه
الطبيب : ولماذا لم يأتيا معك
الأم وقد بدأ القلق ينهش قلبها بلا رحمه : هما فمنزلهما فلم أخبر أى منهما , أرجوك أخبرنى بالحقيقه فأمر ابنتى لن يهم أحد أكثر منى , ثم أرفت والدموع تترقرق فى عينيها : وستجدنى ان شاء اله من الصابرين .
تأثر الطبيب بشده وقال فى هدوء مشفق : فى الحقيقه كنت أتمنى أن أطمئنك لكن للأسف الشديد أمنيه مصابه بعدة أورام منتشره فى منطقة البطن وفى حاله متأخره يصعب معها الجراحه .
شعر بالأشفاق عندما رأى اللوعه التى ملأت وجه الأم وقال محاولا تهدئنها : لكن رحمة الله فوق كل شئ أطمئنى .
أومات رأسها مستسلمه دون أن تتفوه بكلمه وتحاملت على نفسها ونهضت وقد أثقلها الحزن والآلم على ابنتها وخرجت متوجهه الى حجرة ابنتها وقبل أن تبلغ باب الحجره وجدت صفاء مقبله عليها فقالت : صفاء ! كيف عرفت أننا هنا .
صفاء : لقد أتصلت بى أمنيه حتى أكون بجوارك وأوصتنى ألا أخبر أحد ., ولكن أخبرينى ماذا حدث ومالى أراك مهمومه هكذا ؟
أخبرتها الأم بكل ما حدث , مماجعلها تردد فى ذهول : غير معقول . أمنيه . . أمنيه لهفى عليك ياحبيبتى أهكذا تكون النهايه غير ممكن . . غير ممكن
انتحبت الأم وهى تقول : كفاك يا صفاء فأنا لا أحتمل
صفاء : سامحينى يا خالتى فالصدمه شديده على .
الأم : مسكينه يا بنيتى عشت عمرك تحلمين بالراحه والنجاح وعندما تحققا لك ستتركين كل شئ و . .
لم تستطع أن تكمل وانما تمتمت : أستغفر الله . . أستغفر الله .
ربتت صفاء على كتفيها قائله : اهدئى يا خالتى وحاولى أن تتماسكى حتى لا تلحظ علينا شئ عندما ندخل اليها
بذلا مجهودا خارقا حتى تتمالكا نفسيهما ثم دخلا حجرة أمنيه ,
كانت ترقد على الفراش فى هدوء تتطلع عبر النافذه الى الفضاء الفسيح ثم التفت اليهما وراحت تتفرس فى ملامحهما ووجههما المتجهم , ثم ابتسمت وهى تقول فى هدوء : ماذا دهاكما ؟ لابد أن بجعبتكما أخبار غير ساره .
صفاء وهى تحاول أن تصبغ وجهها بشئ من المرح : أمنجمة أنت أم من أهل الخطوه .
أمنيه : بل فطنة المؤمن التى قال عنها رسول الله (ص) , ولو أن الموضوع لا يحتاج لفطنه فكل شئ واضح .
صفاء : أمنيه . . , قاطعتها أمنيه : صفاء أرحمى نفسك من أى أكاذيب , فأنا كنت أشعر أن هذا الألم غير عادى .
صفاء : باذن الله ستشفى وتكونين بخير .
نظرت الى والدتها التى كانت تبكى فى صمت وقالت : لا تبكى يا أماه , فأنا ما أنا فيه لا يدعو للبكاء .
نظرت اليها الأم من خلال دموعها وهزت رأسها فى أسى .
أمنيه : صدقينى يا أماه أنا لا أهذى . . تعالى وأستريحى هنا بجانبى .
أقعدت والدتها بجوارها وأحتضنت يديها قائله : الدنيا يا أمى هى مرحلة انتقال من نشأة الأنسان ووفاته . . جسر بين المهد واللحد مهما طال هذا الجسر أو قصر , وأثناء مرورنا على هذا الجسر تدهسنا الهموم وتفارقنا الأحباب ونبقى بمفردنا نتألم وحتى نتحمل كل هذا تضحك علينا ببعض ضئيل من الأفراح ولكنها أيضا تدفعنا ثمن هذه الأفراح غاليا , فبالله عليك هل هذه دنيا تستحق أن نبكى لفراقها ,
انتحبت الأم وهى تحتضن ابنتها , فربتت أمنيه على كتفيها محاولة تهدئتها وهى تقول : أماه أرجوك هونى على نفسك , فأنا لا يزعجنى شئ فى هذه الدنيا سوى أن تكونى حزينه , ثم أنك هل تكرهين لى الراحه والسعاده .
الأم : السعاده ؟! يالها من كلمه .
أمنيه : نعم السعاده ألا تصدقيننى . . اذا فسأسألك سؤال ما الأفضل : أن يفارقنا الأحبه أم أن ننتظر الأحبه يأتوننا ولايفارقونا أبدا , فأنا يأماه لم أعد أقوى على فراق أحد مره أخرى , فلقد تألمت كثيرا لفراق والدى ولاأستطيع فراق شخص آخر, فلذلك كان ربى رحيم بى كعهده دائما معى وسيجعلنى أنتظر الأحبه يأتوننى .
صفاء فى دهشه مشوبه بالأعجاب : أهذه هى نظرتك للموت .
أمنيه : بل هذه هى حقيقة الموت , راحه أبديه ولقاء دائم . . المهم أن نتقى الله ونرضيه قدر استطاعتنا ثم نحسن الظن به , وهكذا تتحقق لنا السعاده الأبديه , وأنا والحمدلله حاولت على قدر استطاعتى أن أرضى ربى ولذلك أعتقد باذن الله أنه راض عنى ولن يخذلنى فى آخرتى كما لم يخذلنى من قبل فى دنياى .
صفاء وقد ملأت عيناها الدموع من فرط الأعجاب : ما أروعك . . جئنا لنهون عليكى فهونت أنت علينا .
نهضت أمنيه من على الفراش , فقالا الأم وصفاء فى صوت واحد : الى أين ؟
أمنيه : لابد أن أخرج من المستشفى اليوم فلم يعد هناك وقت , ولدى ما أريد انجازه .
الأم فى انزعاج : ماذا تقولين . . لابد أن تتلقين علاجك .
أمنيه : أى علاج يا أماه ., ما العلاج سوى المزيد من العذاب بلا فائده , وكفانى من هذه النيا عذاب .
الأم : أرجوك يا أبنتى لا تعذبينى , أرحمى لوعة قلبى .
ازداد بكاء ونحيب الأم فقالت : حسنا . . حسنا , فقط دعينى أخرج لأنجز بعض الأعمال فمال زال مشروع بنك الأغاثه فى أوله وأريد أن أطمئن عليه وأعدك أن أعود لأكمل علاجى . . ثم تنهدت قائله : ان كان فى العمر بقيه .

--{14}
------
شهدت الأيام التاليه نشاط غير عادى من أمنيه .,لقاءات مع مديرين البنوك ورجال الأعمال محبى عمل الخير , كما التقت بالأعلاميين الذين عقدوا معها لقاءات عندما فازت بالجائزه الأولى وعرضت من خلال الأعلام فكرتها لبنك الأغاثه وعرضت الأساسيات التى أنشأتها بمجهودها الخاص , وظلت هكذا تعمل فى دأب حتى وفقها الله وبدأ مشروعها فى التسوع بمساعدة محبى عمل الخير , ولكن . . .
أصبحت الآلام تصرخ من كل جزء فى جسدها حتى سقطت تماما , ونقلت الى المستشفى عباره عن جثه بها بعض الروح أنهكها الألم و قضى على قواها فأصبحت طريحة الفراش . . جسد ضعيف ووجه لا تفارقه ابتسامة الرضا .
دخلت عليها صقاء الحجره وجلست بجوارها فى هدوء تتطلع الى وجهها الشاحب وفتحت أمنيه عينيها فى بطء وابتسمت وهى تقول فى صوت واهن : صفاء . منذ متى وأنت هنا .
صفاء : لقد جئت لتوى . كيف حالك الأن .
أمنيه : بخير و الحمدلله .
صفاء : أرهقت نفسك كثيرا الأيام الماضيه أرأيت مافعلت بنفسك .
أمنيه : الموت قادم لامحاله ,كل ماهنالك أنى أسرعت لأغتنم من الدنيا ماينفعنى فى رحلتى الأبديه ., المهم دعك من هذا فأنا كنت أريدك
ًصفاء على الفور : وأنا رهن اشارتك .
أمنيه : كل ما أنا فيه عادى ولا يشغلنى الشئ الوحيد الذى يشغلنى هو أمى أريد أن أوصيك بها خيرا , أرجو ألا تتركيها بمفردها على الأقل فى الأيام الأولى وهونى عليها لأنى أعلم أن الأمر سيصعب عليها
- أمنيه . .
- صفاء عدينى بذلك حتى أستريح
- أعدك . . أعدك يا حبيبتى
- وأنا أعلم أن أشرف وعليه لن يتركوها فأنا كنت الكريهه لديهم وها أنا ذا سأرحل وأترك لهم الدنيا بما فيها ومن فيها , فأرجوك حتى لو أخذوها اسألى عنها فربما تحتاج لشئ وخجل أن تطلبه منهم , ثم تناولت مظوف من أسفل الوساده وأعطته لها قائله : هذه الأوراق خاصه بوديعه فى البنك بأسم والدتى أعطها لها حتى لاتحتاج لمخلوق , ولكن كونى دائما بجوارها . كونى بديل لى عندها ,عدينى بذلك حتى يطمئن قلبى .
صفاء من خلال دموعها : أقسم لك أنى سأكون بأفضل مما تحبين .
ابتسمت فى راحه وقالت : الأن أطمأن قلبى . ثم تلفتت حولها وقالت : أين أمى
صفاء : لقد خرجت لتكلم عليه لأنها أتصلت لتطمئن عليكى .
أمنيه فى تهكم : تطمئن على
صفاء : لقد حاولا كثيرا مقابلتك وكنت تتهربين منهم حتى هنا بالمستشفى نبهت على الأطباء أن يخبروهما أن الزياره ممنوعه وخالتى كانت تطاوعك حتى لا تثقل عليكى .
أمنيه : هكذا أفضل .
صفاء : أنت دائما متسامحه فلماذا كل هذا الجفاء .
أمنيه : لا أدرى . . بينى وبين نفسى غفرت لهم وكنى شئ فى صدرى يحول بينى وبينهم , بمجرد التفكير فى مقابلتهم يشعرنى بقبضه شديده فى صدرى .
دخلت الأم وقالت : كيف حالك الأن ياأبنتى .
ابتسمت وهى تقول : بخير حال أطمئنى .
الأم : لى رجاء عندك . أرجوك لا ترفضيه .
أمنيه : أنت لا ترجو بل تأمرى .
الأم : أشرف و عليه سيأتون باكر ليزوروك أرجو ألا ترفضى مقابلتهما . أطرقت برأسها فى حيره ,ألا أن الأم قالت على الفور : لأجل خاطرى يا بنيتى .
أمنيه : وأنا لأجل خاطرك لن أخذلك أبدا .
الأم : جزاك الله عنى خيرا يا ابنتى .
صفاء : على فكره لقد أحضرت لكى الجلباب الأبيض وغطاء الرأس الأبيض .
تهلل وجه أمنيه وقالت : عظيم . . صفاء ساعدينى كى أنهض وأغتسل لأرتديهم .
صفاء : ولما كل هذه العجله
أمنيه : أننى لم أصلى العشاء وأريد أن أوديها وأنا أرتدى رداء أهل الجنه .
صفاء : أهل الجنه .
أمنيه :نعم , ألا تعلمين أن الأبيض هو رداء أهل الجنه . هيا هيا .
أغتسلت وتوضأت وجلست على الفراش تصلى , فلم تكن تستطيع الصلاه واقفه على قدميها وعندما فرغت قالت لصفاء أريدك أن تمكثى معنا هذه الليله .
صفاء : كما تشاءين ولكن تعاليم المستشفى .
أمنيه : لا عليكى فقد أستأذنت رئيس القسم ووافق مراعاة لحالتى وحالة أمى .
ثم قالت : وأنت يأماه أستريحى فأنك لم تستريحى منذ الصباح .
الأم : وأنت .
أمنيه : أنا سأقوم الليل لله أشكره على نعماءه على فأخلدى الى النوم أنت وصفاء واذا أحتجت لشئ سأوقظكما , فأنا أريد أن أختلى بنفسى بعض الشئ .
حاولت صفاء النوم الا أن شئ مقبض مسك صدرها منعها من النوم , ففردت جسدها على الأريكه وهى تتظاهر بالنوم و أمنيه مستمره فى صلاتها ودعاءها لله وهىتبتهل اليه أن يغفر لها ويسامحها كل هذا وصفاء متظاهره بالنوم وهى تبكى فى صمت حتى لا تشعر بها ابنة خالها , حتى كان قبل الفجر سمعتها تقول بصوت خفيض : ربى سامحنى أنى لا أستطيع مقابلة أخوتى أحاول كثيرا لأجل ارضاءك وارضاء أمى ولكن لا أستطيع , ربى أجعلهم لا يلقونى ولا ألقاهم .
لا تدرى صفاء لما أنقبض قلبها لسماع هذه الدعوه الا أنها لم تشع أمنيه أنها سمعتها .
أذن الفجر فصلت فى خشوع وأوقظت والدتها للصلاه وبعد أن فرغا نظرت اليها أمها قائله وهى تبتسم : بسم الله ماشاء الله وجهك كله نور أراك قد تعافيت الأن .
أمنيه وعلى وجهها ابتسامه مشرقه باشه : نعم الحمدلله أشعر براحه لم أشعر بها من قبل .
قبلتها والدتها : شفاك الله لى دائما . هل ستنامين ؟
أمنيه : نعم فأنا أريد أن أستريح .
تلاقت أعينهما فى عناق طويل ثم أسبلت أمنيه جفنيها وراحت فى سبات عميق .
فى الصباح أتى الشقيقان لزياره أختهما وطرقا باب الحجره ,فخرجت اليهم صفاء والدموع تملأعينيها ونقلت عينيها بينهما ولم تقل سوى كلمه واحده : لقد استجاب الله لها .

تمت
----

إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↓الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
3↑1الكاتبمدونة محمد شحاتة
4↓-1الكاتبمدونة اشرف الكرم
5↓الكاتبمدونة ياسمين رحمي
6↓الكاتبمدونة حاتم سلامة
7↓الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
8↑1الكاتبمدونة آيه الغمري
9↑1الكاتبمدونة حسن غريب
10↓-2الكاتبمدونة ياسر سلمي
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑31الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني203
2↑22الكاتبمدونة مها اسماعيل 173
3↑14الكاتبمدونة مرتضى اسماعيل (دقاش)205
4↑11الكاتبمدونة منال الشرقاوي193
5↑5الكاتبمدونة كريمان سالم66
6↑5الكاتبمدونة خالد عويس187
7↑4الكاتبمدونة نجلاء لطفي 43
8↑4الكاتبمدونة غازي جابر48
9↑4الكاتبمدونة سحر حسب الله51
10↑4الكاتبمدونة نهلة احمد حسن97
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1079
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب695
4الكاتبمدونة ياسر سلمي655
5الكاتبمدونة اشرف الكرم576
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري501
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني426
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين417
10الكاتبمدونة شادي الربابعة404

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب334102
2الكاتبمدونة نهلة حمودة190162
3الكاتبمدونة ياسر سلمي181630
4الكاتبمدونة زينب حمدي169805
5الكاتبمدونة اشرف الكرم130996
6الكاتبمدونة مني امين116799
7الكاتبمدونة سمير حماد 107899
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي97991
9الكاتبمدونة مني العقدة95076
10الكاتبمدونة حنان صلاح الدين91880

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة نجلاء البحيري2025-07-01
2الكاتبمدونة رهام معلا2025-06-29
3الكاتبمدونة حسين درمشاكي2025-06-28
4الكاتبمدونة طه عبد الوهاب2025-06-27
5الكاتبمدونة امل محمود2025-06-22
6الكاتبمدونة شرف الدين محمد 2025-06-21
7الكاتبمدونة اسماعيل محسن2025-06-18
8الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني2025-06-17
9الكاتبمدونة عبد الكريم موسى2025-06-15
10الكاتبمدونة عزة الأمير2025-06-14

المتواجدون حالياً

590 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع