قضى هشام ثلاثة أشهر مسافرا خارج البلاد فى محاوله منه للنسيان ومداواة جراحه العميقه ، إلا أن هذا كله لم يغير من مقدارها فى قلبه شئ ، أو على الأصح هو لم يحاول نسيانها ولا يريد أن ينساها ، هو يريد أن ينسى ألمه ولا يريد أن ينسى حبه – مكث طوال الشهور الثلاث يقنع نفسه أنه يكفيه مجرد وجودها فى هذه الدنيا التى يحياها تعيش أسفل نفس السماء وفوق نفس الأرض وتتنفس نفس الهواء ولا يهم إن كانت قريبه أو بعيده .. المهم أنها موجوده وسعيده وبعد ها عاد من سفره متناسيا آلامه متجاوزا أحزانه حتى يستطيع أن يكمل مشوار حياته .
وبعد عودته من السفر شعر أن أول من يحب أن يراه هو أخته شيرين فذهب إلى منزلها وما إن فتحت له الباب حتى صرخت من فرط سعادتها وأسرعت تحتضنه قائله : كم إفتقدتك ، أرجوك لا تبتعد عنى ثانية فنحن ليس لنا سوى بعضنا البعض .. إنك أخى وصديقى وأبى وكل مالى .
تأثر لكلماتها وربت على خديها فى عطف قائلا : لن أتركك ثانية .
دعته للدخول قائله : تفضل وأدخل .. إن صلاح سيسعد جدا عندما يراك .
وأنا أيضا .. كيف أحواله .
بخير لقد أوشك على إنهاء رسالة الدكتوراه ومن المتوقع أن يناقش الرساله الشهر القادم .
عظيم وفقه الله سبحانه وتعالى –ليتك تغارين منه .
ضحكت قائله أنا كسوله وليست غيوره ، يكفى عملى بالمستشفى ، فلست على إستعداد للإستذكار والبحث .
صمت قليلا ثم قال : كيف تقضين وقتك فى غير أوقات المستشفى .
هزت كتفيها قائله : أجلس فى المنزل أتسلى بمشاهدة التليفزيون بالقراءه أو اخرج أحيانا أنا وصلاح إذا كان وقته يسمح .
تردد ثم قال : ألا تزورين صديقاتك .
صمتت بدورها وقد أدركت فحوى سؤاله ومراوغته للوصول إلى هدفه فهو شقيقها الوحيد ولا أحد يفهمه مثلها ، وهى لذلك تعلم أنه يقدم مقدمه ليسألها عنها او لعلها هى التى تقول له أخبارها دون أن تجعله يسأل ، لذلك أجابته فى إقتضاب متمنيه ألا يخوض فى هذا الموضوع فكفاه ألما وقالت : آه .. أحيانا أزور بعض الأصدقاء ، ثم أردفت فى سرعه حتى لا تدع له مجالا للسؤال : هل أجهز لك الغذاء أم ستنتظر صلاح ؟
تجاهل سؤالها وسألها مباشرة قائلا : وما أخبار نسمه ؟
قالت : أما زلت لم تنساها ؟
تنهد قائلا : ليس بيدى لم أستطع ... أرجوك أريد أن أطمئن عليها .
تنهدت بدورها قائله : كم هى سيئة الحظ أن يحرمها القدر من حب كبير كحبك لها ويوقعها فى براثن ذلك الشخص النرجسى الذى تزوجته .
سألها فى قلق :ماذا تقصدين ؟!!
لا يفكر سوى فى نفسه وراحته هو فقط أما هى فلا يهم أن تكون سعيده أو غير سعيده المهم أن تلبى أوامره هو ، حرمها حتى من صديقاتها ومن قريباتها يريدها أن تدور فى فلكه هو فقط حتى خنقها بغيرته وشكه وأنانيته – أهو حب مجنون لا أدرى ؟
زفر فى قوه كمن يخرج هما يثقل صدره وقال : هذا ليس حب على الإطلاق ، من يحب لا يعذب حبيبه لايحرمه من ما يحب بل يسخر نفسه وحياته لإسعاد من يحب لتوفير كل أسباب السعاده لذلك الحبيب ، أما ما يفعله ذلك الرجل ما هو إلا تصرفات رجل مأفون معقد نفسيا وللأسف يفرغ عقده فى ملاك رقيق برئ ... كم كنت أتمنى أن أسمع إنها سعيده وأنه يحيطها بالحب الذى تستحقه ، يا سبحان الله !!بيده نعمة كبرى لايعرف قدرها ، ردت شيرين قائله : أتدرى الشئ الوحيد الذى أتغجب منه ، كيف تحبها كل هذا الحب ولم تشعر هى به
رد فى إستسلام : نصيب .
قالت فى إشفاق : هشام حاول أن تنساها لقد أهملت نفسك وعملك أنا لا أصدق أن هشام الذى كان لا يتغيب عن عمله سوى يوم الأجازه وكان كله نشاط وحيويه يغيب عن عمله ثلاثة أشهر دون إهتمام .. إنساها من أجل خاطرى .
رد فى إستنكار : أنساها !! أتعلمين إننى حتى لا أريد أن أنساها حتى ولة ظللت أتعذب بها وبحبها ما بقى لى من عمر .
------------------------------------------
أتى يوم مناقشة صلاح لرسالة الدكتوراه ولقد دعته أخته لحضور تلك المناقشه فذهب ليشارك شقيقته وزوجها سعادتهما والحقيقه إنه ذهب لسبب آخر أيضا أكثر أهميه ، كان يتمنى أن يراها هناك لعل شيرين تكون قد قدمت لها دعوه وتكون فرصه ليراها وليملأ عينيه بنور محياها الجميل .
كان يعلم أنه ليس من الأخلاق أن يتعلق بمن هى أصبحت زوجه لغيره ولكنه كان ذلك دون إرادته ، فقد ملك حبها روحه وعقله وقلبه ظل يبحث عنها بعينيه فى لهفه بين المدعوين إلى أن أنتبه على أصابع تنقر على كتفه من الخلف ، فالتفت سريعا يعلو وجهه الأمل إلا أنه وجدها أخته تقول له فى خبث : لم تأت . ، ثم قالت : إنساها يا هشام ، إنساها لكى ترتاح ، لقد أصبح لها حياتها ولابد أن تكون لك حياتك .
قال لها محاولا إنفاء التهمه عن نفسه : عمن تتحدثين ؟ أنا لا أبحث عن أحد إنه عقلك من يصور لك ذلك .
نظرت إليه فى شك غير مقتنعه قائله : هكذا ؟ أتمنى ذلك ، ثم سحبته من يده قائله : تعالى معى سأعرفك بإحدى صديقاتى .. قجمتها له قائله : دكتوره شهنده نحن أصحاب منذ السنه الأولى للكليه ولكنها تخصصت فى أمراض الكلى ، وإلتفتت إليها قائله : شقيقى هشام الذى كثيرا ما حدثتكم عنه .
تبادلا عبارات المجامله وشيرين تختلس إلى أخيها النظرات لترى وقع جمال شهنده عليه فقد كانت جميله وفائقة الحسن للغايه ولما لم تجد على وجهه أى تعبير أصيبت بخيبة أمل فقد كانت أن يخرج مما هو فيه وخاصة أن شهنده إنسانه خلوقه ولها من المقومات الشخصيه التى تجعلها زوجه صالحه , ولما وجدت فترة الصمت طالت قالت شيرين : هشام .. شهنده كانت تريدك فى موضوع خاص بالعمل
قال فى روتينيه : تحت أمرك
شهنده : الأمر لله .. أننى أنشئ مستشفى لعلاج الكلى وكنت أريد إستيراد بعض الأجهزه من الخارج وكنت أريد مساعدة حضرتك فى ذلك
هشام : من أى بلد ستستوردينها ....
وهنا قالت شيرين : إذا أستأذن أنا وأترككم لأكون بجوار صلاح....... وهذا هو ما كانت تريده بالضبط لذلك إنصرفت مسرعه قبل أن تسمح لأحدهما بالإعتراض ..
بعد إنصراف شيرين شرحت لهشام تفاصيل الشحنه ووعدها أن يساعدها فى إسترادها بأقل التكاليف وخاصة عندما علم أن ستخصص قسم مجانى فى المستشفى ، وعندما إنتهى الحديث فى العمل سألها :
لماذا إخترت قسم أمراض الكلى بالذات ؟
علا وجهها مسحة حزن عميقه وقالت : تستطيع أن تقول إنها عقده نفسيه أو تحدى لمرض الكلى والفشل والكلوى بالتحديد الذى سرق منى أعز شخص كان لى فى هذه الدنيا .. أبى .. لقد كان كل شئ لى فى هذه الدنيا ، كان حنونا طيب القلب كنا لا نشعر أنه أب ، بل كنا أنا وإخوتى نشعر أنه صديق حتى داهمه هذا المرض اللعين وللأسف فصيلة دمه كانت من نوع نادر ولم نجد متبرع بالكليه وعندما وجدناه وأجريت له الجراجه لم يتقبل الجسد الكليه وكأن هذا الكيان الحنون رفض أن يدخل عليه شئ غريب عنه وظل يصارع المرض والآلام وأنا أراه يتألم وأقف عاجزه لا أستطيع أن أخفف عنه ، أرى برد الأمان والحنان الذى كان يلتف حول قلبى نفسى وروحى ينزاح عنى فى بطئ وأنا عاجزه ..عاجزه أن أقدم له أى شئ حتى وافته المنيه .
ترقرقت دمعه فى عينيها وهى تقاومها فى تحدى كذلك التحدى الذى لاح فى نبرات صوتها وهى تقول : ومنذ ذلك اليوم أصبح هذا المرض عدوا لى ، بينه وبينى ثأر مما جعلنى لا أتخصص إلا فى أمراض الكلى .
شعر بالعطف الشديد والإشفاق عليها فقال معتذرا : أعتذر لأنى جددت عليك الأحزان
إبتسمت من خلال دموعها قائله : لا علي أنا لم أنسى حتى أتذكر فالذكريات كالنقوش الفرعونيه لا تمحوها السنين ، بل نظل دائما نتألم بها حتى وإن لم تظهر على وجهنا .
لمست كلماتها صدى فى قلبه ونكأت جرح غائر فى صدره فقال فى شرود : يبدو أن كل منا له ذكرى أليمه نقشت بصماتها فى صدره حتى أفسدت عليه كل شئ جميل فى حياته ،
قالت له : أتقصد حادثة والدتك رحمها الله
نظر إليها فى دهشه فقالت : لقد حكت لى شيرين عن تلك الحادثه وما تركته من أثر فى نفسك ولكنى أرى أنك تعطى الموضوع أكبرمن حجمه .
قال : ربما ولكن المهم أنه أثر على كل تعاملاتى جعلنى كثير التردد وخاصة فى مشاعرى إنطوائى حتى إن ترددى هذا يضيع منى أشياء ثمينه وخاصة آخر شئ أضاعه منى لا يمكن تعويضه أبدا ....
آسف للمره الثانيه يبدو إننى أثقلت عليكى بكلامى ولكن لا أدرى لما تحدثت معكى على هذا النحو ! هذه هى أول مره أبوح بما فى نفسى لأحد .
قالت فى رقه وحنان أورثتها لها عذابات السنين : لا داعى للأسف بل إننى سعيده جدا لأنكى منحتنى هذه الثقه – أقبلت عليهم شيرين فى هذه اللحظه قائله : هيا .. لا بد أن ندخل القاعه فسوف تبدأ المناقشه الآن .
فى المساء إختلت شيرين بشقيقها وقالت : لم تقل لى ما رأيك فى شهنده
قال : رأيى فيها من أى ناحيه ؟
شيرين : من ناحية كل شئ .
قال : هى إنسانه طيبه رقيقه رائعة الجمال وذات خلق دمث .
تنهدت قائله : عظيم .
إبتسم فى سخريه : ما هذا الشئ العظيم ؟!
قالت فى حماس : إنك أعجبت بها وأحببتها .
هتف فى إستنكار : أحببتها ! هكذا مره واحده ، أدرف وقد علا صوته شئ من الحزن – أنت تعرفين رأيى فى موضوع الحب هذا لقد أغلقت باب الحب فى حياتى نهائيا .
ألم تقل إنها طيبه ورقيقه ورائعه الجمال .
بلى .. ولكن إعجابى بها وبشخصيتها وأخلاقها شئ وأن أحبها شئ مختلف تماما .
لما لا تحاول التقرب منها ونسيان ما فات .
ما فات لا ينسى وأرجوك لا تخوضى فى هذا الموضوع ، .. قالها بحزم جعل شيرين تلتزم الصمت ولا تفوه بكلمه بعد ذلك .
----------------------------------------------------------------------------------------------------

إستمرت اللقاءات بين هشام وشهنده بحكم العمل الذى بينهم وقربت بينهم المسافات وجعلت بينهم ألفه وإحترام جعله يقص عليها حكايته ويأخذ رأيها لما تتمتع به من قوة الشخصيه ورجاحة العقل والذكاء ويزيد عليهم رهافة الحس .
ذات يوم ذهب هشام لزيارة شقيقته فى المستشفى حيث أنه كان له فتره لم يراها نظرا لضغط العمل لديه ولذلك عندما وجد نفسه بجوار المستشفى قرر أن يذهب لزيارتها وعندما صعد لقسم النساء وجدها فى غرفة العمليات وقرر أن ينتظرها حتى تخرج ليراها وهنا تذكر شهنده فذهب إليها ليسلم عليها ويبقى معها بعض الوقت حتى تفرغ شقيقته من عملها ، ترك لشقيق ته خبر بوجوده ثم ذهب لقسم الكلى ، قابلته شهنده بسعاده غامره فقد كانت تحبه حبا جما وهو لا يدرى أو أن قلبه قد أغلق على نسمه فلم يعد يشعر بسواها ، وقفا يتابدلان التحيه وأطراف الحديث وهما يسيران فى الممر حتى وصلا لباب غرفة الأشعه وقالت شهنده : لحظه واحده سأرى نتيجة أشعه لحاله بالداخل .
دخل معها الحجره ووقف خلف الحاجز وفجأه شعر أن قلبه يكاد يقفز خارج صدره ليحتضن تلك التى كانت فوق سرير الأشعه ، فقد كانت نسمه ... نعم نفس الرقه ... نفس العذوبه ، ولكن إختفى بريق عينيها وحل محله حزن عميق إنخلع له قلبه .. ظل يحدق فيها وهو يتوارى خلف الباب حتى لا تراه وهو يتابع جهاز الأشعه وهو يعمل وكانت شهنده تقف بجواره حتى فرغت من عملها وأشارت لها بإنتهاء الأشعه فسألها فى لهفه : ماذا بها ؟
قالت فى دهشه : من ؟!!
تلك المريضه التى بالداخل .
آه .. مسكينه مصابه بفشل كلوى .
صعقته المفاجأه وأحس بلوعه فى صدره ولم يرى بنفسه إلا وهو يمسك بذراع شهنده بقوه قائلا : أمتأكدة أنت ؟
نعم .. هل تعرفها ؟ .. آه إنها إسمها ...هل ..
أومأ برأسه ولم يجب وأطرقت برأسها بدورها ، وعاد يضغط على ذراعها فى قوه قائلا فى رجاء : أرجوك حاولى بكل جهدك أن تساعديها ، فأنا أحيا فى هذه الحياه لمجرد إحساسى إنها تعيش فى تلك الدنيا التى أعيشها فكيف تكون الحياه إذا بدونها .. أرجوك إفعلى أى شئ أى شئ .
آه .. إنك تؤلم ذراعى
خفف من من ضغط يده معتذرا : آسف ولكن أريدك فقط أن تعلمى أنى أموت لو حدث لها مكروه .
آلمها أن تسمع منه ذلك ولكنها إحترمت حبه لها فقالت فى صدق محاوله أن تطمئنه : سنبذل كل ما فى وسعنا وأدعو لها الله .
إستأذنت منه وإنصرفت ووقف هو مكانه ينظر إليها من ذلك الركن الخفى ظل يراقبها ويتأملها ليطفئ نار شوقه إليها لا يصدق إنه يراها أمامه ولا يصدق ما سمعه بشأن صحتها ، أصبح ممزق الشعور بين السعاده للقاءها والحزن لما أصابها ، تصور إنه كاد أن ينساها وينسى حبها ولكنه ها هو ذا يكتشف أنه لم ينسى شئ بل ما زال حبها يعصف بكيانه – ما زال أسير ذلك الحب الذى حمل له كل الحب وكل الحزن .
ظل يتتبعها ويسير وراءها ببطء حتى لا تراه حتى إنصرفت وإتجه إلى شيرين وكانت قد إنتهت من عملها وما إن رأته حتى شعرت أن هناك طارئ قد طرأ عليه ، فأسرعت تسأله : هشام ماذا بك ؟
قص عليه ما رآه وما علمه عن مرض نسمه ثم قال : الغريب أنها هنا بمفردها ، لا يوجد أحد معها سوى سيده كبيره أعتقد إنها والدتها ، أين زوجها إذا .
قالت : إنها لم تعد متزوجه ، لقد إنفصلت عن زوجها منذ شهرين ، ولقد علمت ذلك منها عندما قابلتها هنا بالصدفه منذ أسبوعين وفى الحقيقه لم أرد إخبارك حتى لاأجدد عليك الأحزان .
قال : إنفصلت عن زوجها ؟
لم تحتمل الحياه معه ، لم يحدث بينهم أى تفاهم فانفصلا وخاصة إنه لا يوجد هناك أطفال والنذل تخلى عنها بسهوله عندما علم بمرضها .
كان مذهولا مما يسمعه ولم يجد له تعليق لديه يقوله ، فتابعت : إنها تقوم بعمل غسيل كلوى والطبيب المعالج لها حولها على المستشفى هنا والمشكله أنه لا يتقدم متبرع إلا ويطلب مبلغ ضخم فوق قدراتها .
ثم إلتفتت إليه : هشام .. هشام فيما شرودك
هشام : لاشئ .. لاشئ – سأتركك الآن فلدى بعض الأعمال .. إلى اللقاء .
تركها وإنصرف مسرعا فقالت : إننى أعلم ما هى تلك الأعمال التى أسرعت مهرولا لأجلها ...بالتأكيد ليس سواها .
ذهب من فوره لشهنده ليخبرها أنه يريدها أن تبحث عن متبرع وأنه سيتحمل كل المصاريف شريطة ألا تخبرها بذلك لأنه يعلم عزة نفسها وأنها لن تقبل ذلك وإشترط عليها أيضا ألا تخبرها أنه يعلم شيئا عنها .
قالت شهنده : أنت لا تفهم الموضوع حالتها كحالة والدى رحمه الله فصيلة دمها نادره والموضوع محتاج لوقت ولكننى سأبذل قصارى جهدى .
هشام على الفور : لما لا تجرى الفحوص على أنا .
قالت فى فزع : أنت ؟!! لا مستحيل لن أسمح لك أن تفعل بنفسك هذا ...
شعرت أنها تهورت فى الكلام وظنت أن أمرها لديه قد إفتضح ولكنه هو لم يلتفت لأى شئ ولم يشعر بأى شئ فقد كانت نسمه تملك عليه نفسه وحياته فقال متوسلا : أرجوك يا شهنده إفعلى هذا من أجلى أتخشين على حياتى وما قيمة الحياه بدونها ولما أعيش إن حدث لها مكروه لاقدر الله .. أرجوك أستحلفك بالله ولن أنسى لكى صنيعك هذا ما حييت .
شعرت بألم شديد يجتاح نفسها ألهذه الدرجه يحبها ألهذه الدرجة يعشقها لدرجة أن يضحى بنفسه من أجلها دون أن ينتظر منها كلمة شكر أو مقابل لحبه .
إنتبهت إليه وهو يمسك بيديها متوسلا : أرجوكى إسدى لى هذه الخدمه فأنا قد عاهدت نفسى أن لوطلبت منى أى شئ لن أتأخر عليها فيه وحتى لو كانت حياتى ثم إنه لن أجد أجمل من هذه الفرصه .
شهنده : فرصه !! أية فرصه هذه .
قال فى صوت يحمل حب الدنيا : فرصه أن يكون جزء منى قريب منها ، أرجوكى يا شهنده سا عدينى
قالت فى إستسلام : أنا لا أستطيع أن أؤخر لك طلبا خاصة وأنت تطلبه بهذه الطريقه .
ولكن بشرط أن يكون سرا .بينى وبينك لا يعلمه سوانا ، تقولين لها أننى فاعل خير ولا يريد أن يظهر لها ومن ناحيه أخرى شيرين ، سأقول لها إنى مسافر للخارج وخاصة إنها فى قسم مختلف .. أرجوك دعينى أفعل شئ إيجايبى لأول مره فى حياتى .
شهنده : حسنا كما تريد ، فقط لنرى نتيجة الفحوصات ونرى فمن الممكن أن تكون غير مناسب .
هشام : إننى لم أتأخر عن خدمة أحد فى يوم من الأيام وأتقى الله فى كل تصرفاتى ولذلك أثق كل الثقه أن لن يخذلنى فى حبيبتى التى لا أرجو من الدنيا سواها .
كانت تجرحها كلامته بشده ولكنها كانت تعلم أنه لم يكن ليقصد ذلك ، كما كانت تعلم أن أى رفض منها لن يجدى وتعلم أن أى محاوله للوقوف فى طريقه لن تثمر ، فإن لم تكن تسعد تستطيع إسعاد نفسها فعلى الأقل تحاول إسعاده .. هذا هو الدرس الذى تعلمته منه السعاده ليست فى كوننا بجوار من نحب ، السعاده هى إسعاد من نحب .
إتصلت شهنده بنسمه وأخبرتها أن هناك خبر سار لها وطلبت منها الحضور وعندما حضرت قالت لها : لقد وجدت لكى متبرع بالكليه وقد أجرينا عليه الفحوصات ومناسب جدا والأهم إنه لا يريد مقابل .
تهلل وجهها الشاحب فرحا وقالت : وأين هو لأشكره ولو إنى أعتقد أننى لن أستطيع أن أوافيه حقه .
نظرت إليها قائله : تأكدى إن سعادتك هذه هى أكثر من أى كلمه شكر تقولينها له . أنا أثق من ذلك .
لم تنتبه نسمه إلى مغزى ما قالته ربما لسعادتها لأنها وجدت الأمل الذى سيخلصها من الآلام التى تشعر بها فى كل مره تتم لها عملية الغسيل .
------------------------------------------
إنقضى إسبوع بعد العمليه وفى اليوم الثامن كانت شيرين فى قسم الكلى كانت تريد أن تسأل عن حالة نسمه وفوجئت بها أنها قد أجريت لها العمليه فذهبت إليها على الفور لتهنئتها على العمليه وفرحت نسمه لرؤيتها فرحا شديدا .
قالت شيرين : حمدالله إنك بخير .
أشكرك ، الفضل فى ذلك بعد الله لذلك الرجل الذى تبرع لى .
كم أخذ مقابل ذلك ؟
لم يأخذ شيئا .. إننى حتى لم أره رفض أن أراه أو أشكره أنا أو والدتى وحسنا أنكى أتيتى فممكن أن تدخلى عنده بصفتك طبيبه وتشكرينه نيابة عنى إنه فى الحجره المجاوره .
ياله من رجل كريم سأذهب إليه نيابة عنكى ومره أخرى حمدالله على سلامتك .
دخلت شيرين الحجره المجاوره وتقدمت من الرجل النائم وما أن رأت وجهه حتى بدا عليها الإنزعاج عندما تبين لها أن النائم فى الفراش هو شقيقها فهتفت فى جزع : هشام أأنت المتبرع ؟!!
قال محاولا تهدئتها : لما كل هذا الجزع أنا بخير والحمدلله .
لماذا فعلت بنفسك ذلك ؟
لأنه لم يكن يمكننى سوى فعل ذلك .
ليس إلى هذا الحد .
بل إلى الحد الذى أدفع معه حياتى ثمنا للحظة سعاده لها .
وما قيمة نفسى بدونها بل ما هى قيمة الحياه نفسها .
تنهدت قائله : إنها حقا محظوظه أن يكون هناك من يحبها كل هذا الحب ، ولكن ما الفائده وهى لا تعلم شيئا عن هذا الحب .
أنا لا أريد أفرض نفسى عليها أن تختار بكامل حريتها ، أما فيكفينى إحساسى بأنها بخير .
ثانية يا هشام ألا تتغير أبدا . عامة سأتركك تستريح وسآتى إليك من حين لآخر لأطمئن عليك هل تريد شئ.
أشكرك حبيبتى .
عادت شيرين لتمارس عملها ولكنها عبثا حاولت التركيز فى عملها ، كانت تتعجب من هذا القدر من الحب الذى يحمله لها فى قلبه ولكن ما الفائده هو يتعذب وهى لا تشعر به ولكن لا بد من تغيير هذا الوضع ... لابد
طرقت باب حجرة نسمه ودلفت إلى الداخل ووقفت أمام فراشها وقالت : كيف حالك الآن ؟ أجابتها : بخير الحمدلله ، هل رأيتى المتبرع ؟
هو محب عاشق غاية ما يتمناه هو أن يراكى سعيده وأن يقدم لكى حتى حياته فى سبيل إسعادك .
بهتت نسمه عند سماعها لهذا الكلام فقالت : ماذا تقولين ؟
أقول إنه فى الحجره المجاوره يرقد على الفراش من يكن لكى حبا يفوق الخيال ومع ذلك يرفض أن يعترف لك بحبه حتى لا يفرض نفسه عليكى ، يفضل أن يقدم لكى المساعده دون أن ينتظر المقابل ومكا فئته الوحيده هى إسعادك .
أنا لا أصدق ما تقولين
بل يجب أن تصدقيه ، أردت أن أنبهك إلى أن بجانبك قلب يحبك حب لم يحبه أحد لمخلوق .
ولكن من أين لك أن عرفتى هذا ؟
إذا ذهبتى إليه ستعرفين من أين عرفت ، وأمامك فرصه حتى تشفين حتى تفكرى لا يكون تصرفك مجرد عرفان بالجميل لأن ذلك سيسبب له الألم الكثير وهو كفاه ألما
سأتركك وفكرى وأنتى صاحبة القرار فربما على بعد خطوات قليله منكى سعادة عمرك ولا تشعرين بها .
تركتها وخرجت لتباشر عملها بعد أن شعرت أنها فعلت ما يجب عليها فعله .
عصفت الأفكار بعقلها هل لها أن تحب مره أخرى ، لقد أحببت مره واحده فى حياتها ولكنها لم تجد فى هذا الحب ما يريح قلبها ، ثم تزوجت من غيره لتنساه ولم تستطع نسيانه ولم تستطع التكيف مع حياتها فخسرت كل شئ الحبيب والحياه المستقره ولكن من أين لشيرين بهذه المعلومات أيوجد فى هذا الزمان حب بهذا الشكل ؟! هل يوجد من يضحى بنفسه من أجل من يحب دون أن ينتظر مقابل ولو كلمة شكر!!
الفضول وأمنيه دفينه داخلها جعلها تتحامل على نفسها وتتجه إليه وطرقت الباب طرقات خفيفه ، ثم فتحت الباب ودخلت وما إن رأته حتى شعرت أن قلبها يكاد ينخلع من مكانه ، فهمست : أنت ... هشام
دب فيه النشاط والحياه لمجرد رؤيتها وجلس فى تثاقل على فراشه قائلا : أهلا بكى لقد أجريت لى جراحه بسيطه ولحسن الحظ أننى هنا إلى جوارك ، ‘ننى سعيد برؤيتك .
إقتربت منه فى هدوء غير مصدقه وجلست وهى تقول : أما زلت مصرا على أن تخفى عنى أنك الذى رحمتنى بفضل الله من الآلم ، كما أخفيت عنى حبك من قبل وبسبب ذلك أضعت مننا أجمل سنوات عمرنا .
قال مشدوها : أكنتى تحبيننى
قالت فى رقه : بأكثر مما تتخيل ولكنك لم تكن تشعرنى أنك تبادلنى الحب ، كنت أحيانا تشعرنى به وأحيانا أخرى تشعرنى أنك تعاملنى من منطلق الذوق والمجامله ، كنت تعطينى الحب وتسلبه منى فى نفس اللحظه .جتى أشفقت على نفسى من هذا العذاب .... فقبلت حطبة أول عريس تقدم لى لعلى أنساك وكانت هذه هى أكبر غلطه إرتكبتها فى حق نفسى وذهبت إليك بحجة الإستقاله لعلى أراك وشعرت بحبك وأنت تودعنى وقد كدت أعترف لك بحبى لولا حدثتنى نفسى بأنه من غير المعقول أن تحبنى أنا برغم الفارق الإجتماعى الكبير الذى بيننا وأيضا إحترامى لمن وافقت على خطبته ولقد كان الثمن باهظا ، والآن أجدك بجوارى تمنحنى حبك ورعايتك وتضحى بحياتك من أجلى وتريد أن تخفيه أما كفاك ما لاقيناه أنا وأنت من عذاب .
لم يجد كلمه يقولها ولكن أشرق وجهه بعد أن إشتم نسيم الحياه



تمت
وفى إنتظار تعليقاتكم بكل الصدق
وكل الحريه
وكل الإحترام والتقدير لكل كلمه

تقال فى حقى أو ضدى


منى أمين