قالت لي .. سأقص عليكي قصة جميلة حدثت لي .. قلت لها كلي آذان صاغية ... اعتدلت في جلستها وهي تنظر بعيدا إلى لاشيء وعينيها تحمل تعبير حالم وكانها على وشك أن تحكي لي قصة عشق هي أروع من كل قصص العشق التي سمعنا بها .. أورثني ذلك الشعور الهدوء والطمأنينة التي تلمستها في نظراتها ونبرات صوتها الحالم ...
قالت .... أنا كما تعلمين انني قد تعرضت لوعكة صحية منعنتني من الصوم هذا العام ولذلك قررت ان أطعم مسكين هذا العام ... قلت .. ولكنك تطعمين أكثر من مسكين كل عام .. ثم ان مرضك ليس مزمنا ويمكنك إعادة الشهر عندما تتعافين ... قالت .. أعلم ذلك أن بإمكاني إعادة الشهر ولكنني اريد ان اشكر الله على أن انعم علي بالشفاء ... واعلم انني اطعم اكثر من مسكين ولكنني أريد ان أزيد ... بل وقررت أيضا ان اتحامل على نفسي وأذهب بنفسي لأعطيهم طعامهم ولن أرسله مع احد .. وهذا كان افضل قرار اتخذته والا لكنت قد حرمت من تلك المتعة التي لا تماثلها متعة في هذه الحياة ... متعة العطاء .... المهم
بحثت هنا وهناك حتى دلوني على سيدة في أطراف البلدة قالوا إنها سيدة مسنة وفقيرة ... فتوكلت على الله وقلت سأقدم لهم ألذ واشهى انواع الطعام
تحاملت على نفسي وأعددت الطعام برغم ما أشعر به من تعب وارهاق لأنني كنت اريد ان أعيش قصة الحب من أولها .. وبمجرد انتهائي من الطعام وجهزت كل وجبة في علبتها واصطحبت معي من استند غليها في طريقي حتى لايسقط مني ما بيدي .. وذهبنا لنوزع الأكل على الإثنين اللذان اعتادا أن يساعداني في منحي رضا من الله سبحانه ... عسى الله سبحانه ان يكون منحني ذلك الرضا وتلك الرحمات .... واتجهنا بعد ذلك إلى الثالثة المستجدة وعندما وصلنا لمنزلها الشديد التواضع وجدنا بابه المتهالك شبة مفتوحا ووجدناها تجلس على حصيرة صغيرة متوجهة للقبلة رافعة كفاها الضعيفتان المعروقتان للسماء متوجهة بوجهها وقلبها لرب العالمين .. وتبادر إلى مسامعنا همساتها ومناجاتها وهي تقول "يارب بناتي فاتوني علشان زعلانين مني علشان ماكتبتش ليهم البيت عشان محدش يورث معاهم لما هم بنات وانت يارب عارف اني ما كتبتوش الا عشان ما أغضبكش ... يارب هما فاتوني وأنا نظري وصحتي على قدي ومش معايا فلوس اجيب اكل .. هما فاتوني لكن إنت مش هتفوتني .. هما فاكرين انهم اللي بيرزقوني ونسيوا إنك إنت الرزاق الكريم ... أنا أنا تركت المعصية علشانك .. وانا عارفة إنك مش هتسيبني .. فطاري عليك إنت يارب .. فطاري عليك إنت يارب .. يارب ياللي بترزق النملة في الجبل .. ارزقني بحتى لقمة ناشفة أكسر بيها صيامي .. فطاري عليك يارب .. فطاري عليك يارب"
أحسست بقشعريرة تسري في جسدي واحسست بدموعي تبلل وجنتي ووجدتني أهتف "فطارك أهو يا خالة" .. قالت : انتي مين يا بنتي .. قلت .. أنا اللي ربنا ابتلاها بمرض خطير وعلى أثره عملت عملية كبيرة ونجاها ربنا علشان تقرر تشكر ربنا بانها تعمل فطار من أفخر الأنواع وتجيبهولك تلبية لدعوة دعوتيها لأكرم الأكرمين .. والله يا حاجة ربنا ما شافاني الا من أجل دعواتك تلك إدعو لي يا خالة" ... بكت السيدة وبكيت معها حبا وعشقا واجلالا لله جل وعلا
لكم أحبك ربي