عندما كان يجيئ لمنزلنا كنت أسلّم عليه مرحبةً ثم أبحث عن أي مكان في أقصى المنزل لأمكث فيه حتى لا أختنق بعاصفة الدخان الذي يتكاثف من سجائره التي يشعلها الواحدة تلو الأخرى وكأنه ينتوي دخول مجموعة جينس لتدخين أكبر عدد ممكن من السجائر في الثانية الواحدة .. مما يجعلك في حاجة لأنبوب أكسجين لتجلس معه وتستمر في مضايفته حتى لاتنهار مغشياً عليك ..وفي هذه المرة سلّمت عليه وذهبت كالعادة وانتظرت أن تتسرب لي رائحة الدخان , ولكن لم يحدث حتى ظننت أنه غادر منزلنا ولذلك خرجت من المخبأ الذي أتستر به ولكنني وجدته مازال موجوداً .. وهنا أصابتني الدهشة كيف مرت تلك الدقائق دون أن تتجمع السحابة السوداء في منزلنا .. والأغرب أن الوقت مر ومر ولم يشعل سيجارة واحدة وهنا لم أستطع أن أكتم فضولي أكثر من ذلك , فسألته : هل أصبحوا لايصنعون ولايستوردون السجائر .قال : ولما تسألين هذا السؤال ؟قلت : أنا لم أرك تدخن فمن غير المعقول أنك أقلعت عن التدخين وإلا فلأذهب سريعاً لأتوب وأستغفر قبل أن تنتهي الحياة لأن ساعتها ستكون علامات القيامة الكبرى قد ظهرت .ضحك في سماحة وطيبة لم ألحظهم عليه من قبل وقال : معك كل الحق .. أنا نفسي كان لايمكن أن يخطر ببالي في يوم من الأيام أن أخفف منه لا أن أقلع نهائيا ..قلت : إذا ماذا حدث ؟؟؟!!!!قال : لقد أعياني التدخين ولم تكن عندي العزيمة للإقلاع عن هذه العادة البذيئة , وكلما حاولت فشلت .. إلى أن اقترح عليّ أحد الأصدقاء بأن أستبدل التدخين بالاستغفار , فكلما تاقت نفسي لتدخين سيجارة أستغفر ...في البداية أخذت الموضوع بالاستخفاف ولكن عندما أردت أن أشعل واحدة قلت لما لا أجرب .. ومع حماس التجربة صمدت لمدة ساعتين وكان هذا كثير بالنسبة لي , ثم عدت لأقول لنفسي أو بمعنى أدق وسوس لي الشيطان قائلا .. لا ضير من واحدة ودخنت واحدة وبعدها شعرت بالضيق من نفسي وقلت .. ما هذا ألا يمكن أن أصمد في موقف رجولي مع نفسي وألقيت بالسيجارة وعدت للاستغفار بتدبر وخشوع وهكذا استمررت على هذا المنوال وللحق كلما استغفرت شعرت بهدوء وسكينة في نفسي وبنفحات طاهرة تخترق نفسي وروحي استراح لها قلبي وهدأت لها نفسي وأحسست أنني في معية الله سبحانه وتعالى أتقرب إليه وأنعم برضاه وكرمه ..هذا بالإضافة إلى ارتياح النفس في صدري وتحسن تدريجي في صحتي ..وذات يوم تعرضت لضائقة معينة أصابتني بتوتر شديد وبدأ الشيطان يعاود وسوسته وللأسف أفلح في هذه المرة ولكن بعد أن دخنت سيجارة والثانية سألت نفسي فجأة .. ما هذا الذي فعلته إنني لم أدخن سيجارة فحسب , لكنني في حقيقة الأمر قد استبدلت معية الله بمعية الشيطان وبئست المبادلة .. ماذا سيفعل لي الشيطان .. هل سيفرّج كربي هل سيكشف عني البلاء وهنا ألقيت السيجارة لأستعيد معية الله وأنعم براحة القلب من مالك القلب والروح وعكفت في خشوع لم أعهده في نفسي من قبل أتوب وأستغفر .. لا أدري كم من الوقت مضى ولكن أخرجني من حالة النشوة بمعية الله صوت رنين هاتفي الخلوي ليبشرني بأن الهم قد زال والكرب قد فُرِّج وخررت ساجداً لله على نعمائه فلقد ربحت تجارتي مع الله عندما استبدلت التدخين بالاستغفار ...انتهى من كلامه فقلت في نفسي سبحان الله أنا الآن علمت لمَ لم أر تلك السماحة التي في وجهه قبل اليوم آجل إنه نور رضوان الله جلّ وعلا