ساعة ما قُبيل فجر الأربعاء.
عزيزي يا صاحب الظل الطويل..
لم أكن أنتظر منك إجابات شافية على كل تساؤلاتي في رسالتي السابقة، لذا لم يزدني صمتك ضيقًا، فعلى كل حال أعتقد أني قد وصلت بالفعل لأقصى حالات اللامبالاة بكل ما يحيط بي.
أجاهد نفسي لأتنفس، أتكلم، أقوم بما يجب عليّ فعله في حياتي البائسة، حتى أصبحت كلها ردات فعل في آخر لحظات الفرص المهدورة لكل شيء.
أهرب من صخب عقلي للقراءة علها تحملني لحياة أخرى مبهجة، حملتني كلمات إليزابيث الليندي لأعيش بين جدران مدينة البهائم لبعض الوقت، لأجد عقلي وقد تاهت أفكاره داخل النص..
أتساءل مع ألكسندر كولد لمَّ تقهرنا الحياة بفقد من نحب، سواء رحيلًا دون إرادتهم أو هجرًا، وكيف سنتمكن يومًا من التأقلم على هذا الخراب الثائر داخلنا!؟
هل الرحيل هو الملاذ الوحيد للوصول لوجهتنا الصحيحة، حيث الوحدة في مجابهة الحياة، لنتظاهر بالقوة أمام الجميع، ونذرف دموعنا حارة في أول ركن مظلم نستطيع الاختباء داخله من أنفسنا قبل المحيطين!؟
أنظر لهذا الإنسان المتغطرس الطاغي الجبروت، كيف لميزان عدله أن يصاب بالعرج حتى يرى نفسه في مراتب الآلهة المتحكمة في مصائر البشر، فيتفنن في الفتك بكل من يخالفه الرأي والعقيدة، بل يعطي نفسه الحق في إبادة الجميع طمعًا وتجبرًا.
أتمنى في بعض الأحيان لو رافقت أليكس وجدته رحلتهما وسط الأدغال، لأصل إلى الجنة الموعودة، لكني أطمع أن أجد بها بشرًا يملكون قلوبًا حقيقية عوضًا عن هذه البهائم كريهة الرائحة حاملة التاريخ بجوفها.
أكره نظريات المؤامرة، لكن الحياة تجبرني على التفكير بها في كل لحظة مرات عدة، أعجز عن استيعاب كيف كمم الغزاة فم الحقيقة لتختنق قهرًا قبل أن تقتلها أسلحتهم وتآمر من يفترض بهم الزود عنها مع عدوهم؟
من وضع هذه القوانين العرجاء وتغنى بها في كل محفل طالما تضع سيوفها على رقاب من يريد من البشر، وسط صيحات الدفاع عن الحريات، لتتحول في لحظات لتمثال قُد من صخر فلا يسمع ولا يرى ولا ينطق حقًا حين تتناثر الأشلاء والأشياء لتختلط بتراب الأرض التي تحلق الأطماع في سمائها كطيور الجحيم تنفث نيرانها هنا وهناك بلا تمييز!؟
عزيزي..
هل اختنقت الأحلام برماد العدوان فلم يبق أمل في بعث جديد، أم هي الكبوة التي تسبق صحوة الحياة واشتعالها في هذا الجسد المحتضر!؟
في مدينة البهائم هُزمت الجموع بأطماعها، خدعها بريق الحديد وبأسه واعتقدت أنها مقايضة عادلة أن تفوز بالتقدم مقابل بعض التنازلات، لكنهم لم يدركوا أن ثمن هذه التنازلات تاريخ طويل في طريقه للطمس، ومستقبل مشوه غابت معالم أصحابه فلم يتبق لهم هوية ولا أمل في الحياة..
أعتقد يا صديقي أنني أملك من الحظ ما يدفعني للهروب من التفكير فأغوص حتى النخاع في معضلة أبدية كانت وستظل ترسم معاناة الإنسانية الرازحة تحت مقصلة البغي.
أعتقد أني سأنأي بنفسي بعيدًا عن تعاطي الكتب لبعض الوقت، وأحاول أن أُفرغ هذه الفوضى المتراكمة بعقلي علني أجد بعض الراحة.
أعدك أن أحاول الصمود وأكتب لأشاطرك أفكاري في كل وقت..
المخلصة لك دومًا..