لماذا تكتب؟
كأنك تسأل الإنسان لماذا تتنفس؟
فتدوين تسابق الأفكار في عقل الكاتب كمن تتسارع أنفاسه لاحتياجه كمية أكبر من الهواء ليحيا، تَلامُس القلم لصفحات بيضاء فارغة بتضرع يهمس لها ناقلًا ومضات من جنون، صراع أبدي بين العقل والقلب، لثمات من حبر تنقش مكنون روحه وما ناءت بحمله من أفكار، وحي يتنزل محملًا بقبس من عشق، ولربما بأحمال كالجبال من نقمة وألم وشتات يشقى بحملها فجاءته لحظة المخاض لتكون الخلاص والراحة..
لماذا نكتب؟
لربما نكتب لنتخفف من سنوات الصمت الصاخب بين دفتي أرواحنا، لنخرس هذا الجنون النابض بالحياة، فنقيده إلى سطور تتحكم فيه كي لا يظل العمر يطارد أحلامنا، نكتب لنغمض عيوننا بأمان فلا تراودنا الأفكار عن أنفسنا، فنضل بها في فيافي التيه، فلا نور نبصر ولا طريق عودة لسكن نهتدي إليه..
لماذا نكتب؟
حروف تتناثر بداخلنا هنا وهناك، مبهمة التفاصيل والملامح، تومض كلمح البصر بين ثنايا الروح، كشهاب يشق سماءها المظلمة، فكرة تتشكل معالمها كوليد عزيز نرعاه لينمو، ننحت تفاصيله وننفخ فيه بعض من أرواحنا، تراه في سباق مع عقلك المشدوه به، يحاول لجم جموحه فيتملص منك كخيل بري أسطوري، يتسرب كما الماء بين الأصابع، فتصنع من أوراقك وعاءً يحتويه؛ حدود وطن ترسمها له ليحيا بداخلها، ولربما تشاركه أيضًا الولادة من جديد في جنات هذا الوطن الذي صنعته يداك..
لهذا نكتب.. كما نتنفس.. كما نفكر.. كما نشعر..
كما نحلم بالخلود ونموت في اليوم آلاف المرات لنبعث من جديد بين سطور نكتبها..