منذ قليل سقطَت فراشة ميّتة في غُرفتي، حملها الهواء وألقاها إليّ من خلال النافذة، سقطَت أمامي حين كُنت مُستغرقًا في القراءة، جاءَت بلا موعد أو استئذان، بلا ضجيج أو فوضىَ، بلا نعش أو جنازة، فجأة وجدتها أمامي، ساكنة بلا حراك، هادئة في موتها كما كانت هادئة في حياتها.
وضعتها في يدي , برفق وحرص وكأنها رضيع حديث الولادة, وقفت أمام النافذة ونظرت إلى السماء بخشوع كأنني أرثيها, تساءلت, لماذا تموت الفراشات؟ أي ذنب اقترفته هذه المخلوقات الجميلة لكي تموت وتتحلّل وكأنها لم تكُن؟ لماذا تموت الفراشات ويبقى الإنسان؟ ولماذا أنا؟ لماذا أتت لي بالتحديد؟ أهي رسالة تنبيه! أهي فكرة قصة تُعيد لي شغف الكتابة! أم هي دعوة للتأمل حول حقيقة الحياة! رُبّما هي تَذكِرة بالموت الذي يأتي بلا موعد أو حُسبان ولا يُفرّق بين الجميل والقبيح .. بين المريض والصحيح.. بين الغني والفقير.
قُمت بدفنها فوق سطح المنزل, حِفنة من الرمال كانت كافية لتكون قبر لا يليق بها, ألا تستحق هذه المخلوقات المُبهجة أن تُعامَل باحترام وتقدير! الفراشات لا تُؤذي أحد, لا تعرف الكراهية أو الحقد, لا تُشارك في الدمار والحرب, لا تدخُل بساتين الطُغاة ولا تحوم حول قُصور الجبابرة, لا تشرب الدماء ولا تأكل من جثث الثائرين والمُناضلين.
جلست أمام قبرها أفكر, أهذي بعبثية كأنني أقرأ رسالة تأبين, كأنني أودّع عزيزًا أو صديقًا. هذه المخلوقات الرقيقة يجب أن تنال ما تستحق, أن تقام لها الجنازات ونقف حدادًا عليها لِساعات, أن تُدفن في مقابر المُلوك وأبطال الحُروب. إنها تستحق أن نحزن عليها, أن نُخصّص لها مقابر عظيمة, أن نرتدي السواد ونضع الزهور عليها كل عام, رُبّما رحيق الأزهار يُعيد لها الحياة.
الفراشات ترمُز إلى الحُب والسلام والجمال, سيكون منطقيًّا نقش صورتها على العلم الوطني, أن نتغنّىَ بمزاياها في النشيد القومي. ما أجمل الوطن الذي يمجّد الفراشات ويحزَن لموتها.