أميرَتي الرقيقة
هذا الصباح شعُرت باشتياق جارِف لَكِ, رَغبة شديدة تلحّ عليّ أن أكتُب لكِ, لم نتحدث بالأمس, شعُرت بالغُربة, لماذا!؟ لأنني أعتبر صوتكِ وطني الآمن ومنزلي الهادئ.
قرّرت أن أكتُب لكِ رِسالة بِخط اليد, قُمت بتحضير ما يلزَم, ورقة بيضاء وقلم قديم مع بعض الأشياء التي تُحفّز العقل وتقطف الكلمات الناضجة, أشياء تُثير العاطفة والذاكرة, موسيقى وتَبغ ومشروب ساخن يمنحني بعض الدِفء. سأكتُب بِبساطة المُراهقين وصِدق الأطفال... سأحاول.
ما أجمل الرسائل الورقية, ما ألطفها, إنها تُعيدنا إلى عصر ما قبل التكنولوجيا, تُذكّرنا بِبهجة ملمس الأظرُف ورائحة الورق, دراجة ساعي البريد التي تحمل السرور, القُبعة الباهتة المُزيّنة بالأمل, وجهه البشوش وابتسامته المُشرقة, حِذائه المُغبّر بحنين المُسافرين, مبعوث الملائكة الذي يحمل الجنة في حقيبته الجلدية, حقيبة بداخلها الأخبار والأسرار وحلوى لأجل الصِغار.
اليوم أنا أحبكِ, أكثر من أي وقتٍ مَضىَ, زادَ حُبي لكِ فجأة, تضخَّم وتوهّج, أثار بداخلي ثورة ورغبة في رؤيتك, في سماع صوتكِ وعناقِك, أودّ أن أحكِ لكِ الكثير, عني وعنكِ, أن نُعيد الحكاية من أوّلها, نستكشف بعضنا من جديد, نغوص في أعماقنا ونسبح في أسرارنا, بدون خجل أو عجَل, نُرتّب أفكارنا وفوضانا, نمحي ذكرياتنا السيئة, نبدّلها بمرح البدايات وحرارة الأحاديث الليلية الطويلة, عبارات الغزل المُغلّفة بالإستحياء, التفاصيل اليومية التافهة, التعليقات الساخرة على تصرّفاتنا الساذجة, الضحكات الطفولية الخفيفة, الإنسجام في صمت الليل والهمهمات التي تُطالب بِلقاء عاجل, لقاء لتوقيع اتّفاقية سلام بيننا, عقد هُدنة لتهدئة الأوضاع, يكفيني النظر إليكِ لتنتهي الفوضى ويعمّ الهدوء والأمان.
لا حديث عن الفلسفة, سأحاول فهم فلسفتكِ الخاصّة, لا تاريخ, يكفيني تاريخ ظهورك واقتحامك لمدينتي, لا سياسة, فأنتِ الوطن والدستور, لا حُزن, كيف أحزن وأنتِ هُنا!
أميرَتي الطيّبة, دَعِ كُل ما هو مُزعج وشاركيني التّيه والنسيان, رافقيني في رحلاتي وجولاتي, كوني معي أو خُذيني معكِ, تمسّكِ بي ولا تفلتي يدي, لا يهمّ في أي أرصٍ نكون أو في أي سماءٍ نُحلّق, هُنا أو هُناك, المهم أن نبقى معًا... دائمًا, إلى آخر العُمر, أو حتى نهاية الحلم.
سأكتُب لَكِ كثيرًا, ستصلكِ العديد من الرسائل, لا أنتظر ردًا بل أنتظر اتصالًا, لا تبخلي عليّ, أشتاق لسماع صوتكِ, فبعض الأصوات ملاذ, وصوتكِ وطني.